فضل الجهاد والخروج في سبيل الله
باب فضل الجهاد والمجاهدين والخروج في سبيل الله
3484- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَضَمَّنَ اللَّه لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيله لَا يُخْرِجهُ إِلَّا جِهَادًا» إِلَى قَوْله: «أَنْ أُدْخِلهُ الْجَنَّة» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «تَكَفَّلَ اللَّه» وَمَعْنَاهُمَا: أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ الْجَنَّة بِفَضْلِهِ وَكَرَمه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَهَذَا الضَّمَان وَالْكَفَالَة مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة} الْآيَة.
قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى: «لَا يُخْرِجهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «جِهَادًا» بِالنَّصْبِ، وَكَذَا قَالَ بَعْده: «وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا» وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول لَهُ وَتَقْدِيره: لَا يُخْرِجهُ الْمُخْرِج وَيُحَرِّكهُ الْمُحَرِّك إِلَّا لِلْجِهَادِ وَالْإِيمَان وَالتَّصْدِيق.
قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَتَصْدِيق كَلِمَته» أَيْ: كَلِمَة الشَّهَادَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَصْدِيق كَلَام اللَّه فِي الْإِخْبَار بِمَا لِلْمُجَاهِدِ مِنْ عَظِيم ثَوَابه.
قَوْله تَعَالَى: «فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِن» ذَكَرُوا فِي (ضَامِن) هُنَا وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى: مَضْمُون كَمَاءٍ دَافِق وَمَدْفُوق، وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى: ذُو ضَمَان.
قَوْله تَعَالَى: «أَنْ أُدْخِلهُ الْجَنَّة» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَدْخُل عِنْد مَوْته كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاء: {أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ} وَفِي الْحَدِيث: «أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجَنَّة» قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد دُخُوله الْجَنَّة عِنْد دُخُول السَّابِقِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب وَلَا مُؤَاخَذَة بِذَنْبٍ، وَتَكُون الشَّهَادَة مُكَفِّرَة لِذُنُوبِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح.
قَوْله: «أَوْ أَرْجِعهُ إِلَى مَسْكَنه نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْر أَوْ غَنِيمَة» قَالُوا: مَعْنَاهُ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْأَجْر بِلَا غَنِيمَة إِنْ لَمْ يَغْنَم أَوْ مِنْ الْأَجْر وَالْغَنِيمَة مَعًا إِنْ غَنِمُوا وَقِيلَ: إِنَّ (أَوْ) هُنَا بِمَعْنَى الْوَاو، أَيْ: مِنْ أَجْر وَغَنِيمَة، وَكَذَا وَقَعَ بِالْوَاوِ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِم فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن يَحْيَى الَّتِي بَعْد هَذِهِ بِالْوَاوِ.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ اللَّه تَعَالَى ضَمِنَ أَنَّ الْخَارِج لِلْجِهَادِ يَنَال خَيْرًا بِكُلِّ حَال، فَإِمَّا أَنْ يُسْتَشْهَد فَيَدْخُل الْجَنَّة، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِع بِأَجْرٍ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِع بِأَجْرٍ وَغَنِيمَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْم يُكْلَم فِي سَبِيل اللَّه إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة كَهَيْئَتِهِ حِين كُلِمَ، لَوْنه لَوْن دَم وَرِيحه مِسْك» أَمَّا (الْكَلْم) بِفَتْحِ الْكَاف وَإِسْكَان اللَّام، فَهُوَ: الْجُرْح، وَيُكْلَم بِإِسْكَانِ الْكَاف، أَيْ: يُجْرَح، وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّ الشَّهِيد لَا يَزُول عَنْهُ الدَّم بِغُسْلٍ وَلَا غَيْره، وَالْحِكْمَة فِي مَجِيئِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى هَيْئَته أَنْ يَكُون مَعَهُ شَاهِد فَضِيلَته، وَبَذْله نَفْسه فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَفيه: دَلِيل عَلَى جَوَاز الْيَمِين وَانْعِقَادهَا بِقَوْلِهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» وَنَحْو هَذِهِ الصِّيغَة، مِنْ الْحَلِف بِمَا يَدُلّ عَلَى الذَّات، وَلَا خِلَاف فِي هَذَا، قَالَ أَصْحَابنَا: الْيَمِين تَكُون بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته، أَوْ مَا دَلَّ عَلَى ذَاته، قَالَ الْقَاضِي: وَالْيَد هُنَا بِمَعْنَى الْقُدْرَة وَالْمُلْك.
قَوْله: «وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يُشَقّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْت خِلَاف سَرِيَّة تَغْزُو فِي سَبِيل اللَّه» أَيْ: خَلْفهَا وَبَعْدهَا.
وَفيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالرَّأْفَة بِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتْرُك بَعْض مَا يَخْتَارهُ لِلرِّفْقِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِح بَدَأَ بِأَهَمِّهَا.
وَفيه: مُرَاعَاة الرِّفْق بِالْمُسْلِمِينَ، وَالسَّعْي فِي زَوَال الْمَكْرُوه وَالْمَشَقَّة عَنْهُمْ.
قَوْله: «لَوَدِدْت أَنْ أَغْزُو فِي سَبِيل اللَّه فَأُقْتَل ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَل» فيه: فَضِيلَة الْغَزْو وَالشَّهَادَة، وَفيه: تَمَنِّي الشَّهَادَة وَالْخَيْر، وَتَمَنِّي مَا لَا يُمْكِن فِي الْعَادَة مِنْ الْخَيْرَات، وَفيه: أَنَّ الْجِهَاد فَرْض كِفَايَة لَا فَرْض عَيْن.
- حديث
3486- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهُ أَعْلَم بِمَنْ يُكْلَم فِي سَبِيله» هَذَا تَنْبِيه عَلَى الْإِخْلَاص فِي الْغَزْو، وَأَنَّ الثَّوَاب الْمَذْكُور فيه إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَص فيه، وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا، قَالُوا: وَهَذَا الْفَضْل، وَإِنْ كَانَ ظَاهِره أَنَّهُ فِي قِتَال الْكُفَّار، فَيَدْخُل فيه مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيل اللَّه فِي قِتَال الْبُغَاة، وَقُطَّاع الطَّرِيق، وَفِي إِقَامَة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَنَحْو ذَلِكَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُرْحه يَثْعَب» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْعَيْن وَإِسْكَان الْمُثَلَّثَة بَيْنهمَا، وَمَعْنَاهُ: يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ: كَثِيرًا، وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَتَفَجَّر دَمًا».
- حديث
3487- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُون يَوْم الْقِيَامَة كَهَيْئَتِهَا إِذَا طُعِنَتْ» الضَّمِير فِي: «كَهَيْئَتِهَا» يَعُود عَلَى الْجِرَاحَة، و«إِذَا طُعِنَتْ» بِالْأَلِفِ بَعْد الذَّال كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْعَرْف عَرْف الْمِسْك» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الرَّاء، وَهُوَ: الرِّيح.
مقالات قد تهمك
المجرد والمزيد من الاسماء والافعال
قواعد الجمع في اللغة الإنجليزية pdf
رقية التعطيل فهد القرني مكتوبة pdf
اصعب الكلمات في الميزان الصرفي
باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله