باب اثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته
باب اثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: أَحَادِيث الْحَوْض صَحِيحَة، وَالْإِيمَان بِهِ فَرْض، وَالتَّصْدِيق بِهِ مِنْ الْإِيمَان، وَهُوَ عَلَى ظَاهِره عِنْد أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، لَا يُتَأَوَّلُ، وَلَا يُخْتَلَفُ فيه.
قَالَ الْقَاضِي: وَحَدِيثه مُتَوَاتِر النَّقْل، رَوَاهُ خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة.
فَذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اِبْن عَمْرو بْن الْعَاص، وَعَائِشَة، وَأُمّ سَلَمَة، وَعُقْبَة بْن عَامِر، وَابْن مَسْعُود، وَحُذَيْفَة، وَحَارِثَة بْن وَهْب، وَالْمُسْتَوْرِد، وَأَبِي ذَرّ، وَثَوْبَان، وَأَنَس، وَجَابِر بْن سَمُرَة.
وَرَوَاهُ غَيْر مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر الصِّدِّيق، وَزَيْد بْن أَرْقَم، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَبْد اللَّه بْن زَيْد، وَأَبِي بَرْزَة، وَسُوِيد بْن جَبَلَةَ، وَعَبْد اللَّه بْن الصُّنَابِحِيِّ، وَالْبَرَاء بْن عَازِب، وَأَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر، وَخَوْلَة بِنْت قَيْس، وَغَيْرهمْ.
قُلْت: وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَيْضًا مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ غَيْرهمَا مِنْ رِوَايَة عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَعَائِذ بْن عُمَر، وَآخَرِينَ.
وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ كُلّه الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابه الْبَعْث وَالنُّشُور بِأَسَانِيدِهِ، وَطُرُقه الْمُتَكَاثِرَات.
قَالَ الْقَاضِي: وَفِي بَعْض هَذَا مَا يَقْتَضِي كَوْن الْحَدِيث مُتَوَاتِرًا.
✯✯✯✯✯✯
4242- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْض» قَالَ أَهْل اللُّغَة الْفَرَط بِفَتْحِ الْفَاء وَالرَّاء، وَالْفَارِط هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْوَارِد لِيُصْلِحَ لَهُمْ.
وَالْحِيَاض وَالدِّلَاء وَنَحْوهَا مِنْ أُمُور الِاسْتِقَاء.
فَمَعْنَى: «فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض» سَابِقكُمْ إِلَيْهِ كَالْمُهَيِّئِ لَهُ.
✯✯✯✯✯✯
4243- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا» أَيْ شَرِبَ مِنْهُ.
وَالظَّمَأُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن الْعَزِيز، وَهُوَ الْعَطَشُ، يُقَالُ: ظَمِئَ ظَمَأ يَظْمَأُ، فَهُوَ ظَمْآن، وَهُمْ ظِمَاء بِالْمَدِّ كَعَطِشَ يَعْطَشُ عَطَشًا فَهُوَ عَطْشَان وَهُمْ عِطَاش.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشُّرْب مِنْهُ يَكُون بَعْد الْحِسَاب وَالنَّجَاة مِنْ النَّار، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يُظْمَأُ بَعْده.
قَالَ: وَقِيلَ: لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ قُدِّرَ لَهُ السَّلَامَة مِنْ النَّار.
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَقُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُول النَّار لَا يُعَذَّبُ فيها بِالظَّمَأِ، بَلْ يَكُونُ عَذَابه بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ اِرْتَدَّ وَصَارَ كَافِرًا.
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ جَمِيع الْأُمَم مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَأْخُذُونَ كُتُبهمْ بِأَيْمَانِهِمْ، ثُمَّ يُعَذِّبُ اللَّه تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ عُصَاتهمْ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ النَّاجُونَ خَاصَّة.
قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مِثْله.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَرَدَ شَرِبَ» هَذَا صَرِيح فِي أَنَّ الْوَارِدِينَ كُلّهمْ يَشْرَبُونَ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ الَّذِينَ يُزَادُونَ وَيُمْنَعُونَ الْوُرُود لِارْتِدَادِهِمْ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الْوُضُوء بَيَان هَذَا الذَّوْد وَالْمَذُودِينَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُحْقًا سُحْقًا» أَيْ بُعْدًا لَهُمْ بُعْدًا، وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَر، وَكَرَّرَ لِلتَّوْكِيدِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَدَّثَنَا هَارُون بْن سَعِيد حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَة عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ سَهْل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ النُّعْمَان بْن أَبِي عَيَّاش عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْعَطْف عَلَى سَهْل، فَالْقَائِل: وَعَنْ النُّعْمَان هُوَ أَبُو حَازِم، فَرَوَاهُ عَنْ سَهْل، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
✯✯✯✯✯✯
4244- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَة شَهْر وَزَوَايَاهُ سَوَاء» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ طُولُهُ كَعَرْضِهِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ الْمَذْكُور فِي الْكِتَاب: «عَرْضه مِثْل طُوله».
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاؤُهُ أَبْيَض مِنْ الْوَرِق» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (الْوَرِق) بِكَسْرِ الرَّاء، وَهُوَ الْفِضَّة.
وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ: إِنَّ فِعْل التَّعَجُّب الَّذِي يُقَالُ فيه هُوَ أَفْعَل مِنْ كَذَا إِنَّمَا يَكُون فِيمَا كَانَ مَاضِيه عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف، فَإِنْ زَادَ لَمْ يُتَعَجَّبْ مِنْ فَاعِله، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِنْ مَصْدَره، فَلَا يُقَالُ: مَا أَبْيَض زَيْدًا، وَلَا زَيْد أَبْيَض مِنْ عَمْرو، وَإِنَّمَا يُقَالُ: مَا أَشَدُّ بَيَاضه: وَهُوَ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ كَذَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْر أَشْيَاء مِنْ هَذَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ فَعَدُّوهُ شَاذًّا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيث يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهِيَ لُغَة، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَة الِاسْتِعْمَال، وَمِنْهَا قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع».
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاء» وَفِي رِوَايَة: «فيه أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاء» وَفِي رِوَايَة: «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّد بِيَدِهِ لَآنِيَته أَكْثَر مِنْ عَدَد نُجُوم السَّمَاء وَكَوَاكِبهَا» وَفِي رِوَايَة: «وَأَنَّ فيه مِنْ الْأَبَارِيق كَعَدَدِ نُجُوم السَّمَاء» وَفِي رِوَايَة: «آنِيَته عَدَد النُّجُوم» وَفِي رِوَايَة: «تَرَى فيه أَبَارِيق الذَّهَب وَالْفِضَّة كَعَدَدِ نُجُوم السَّمَاء» وَفِي رِوَايَة: «كَأَنَّ الْأَبَارِيقَ فيه النُّجُوم» الْمُخْتَار الصَّوَاب أَنَّ هَذَا الْعَدَد لِلْآنِيَةِ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّهَا أَكْثَر عَدَدًا مِنْ نُجُوم السَّمَاء، وَلَا مَانِع عَقْلِيّ وَلَا شَرْعِيّ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ، بَلْ وَرَدَ الشَّرْع بِهِ مُؤَكَّدًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَآنِيَته أَكْثَر مِنْ نُجُوم السَّمَاء» وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا إِشَارَة إِلَى كَثْرَة الْعَدَد وَغَايَته الْكَثْرَة مِنْ بَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقه» وَهُوَ بَاب مِنْ الْمُبَالَغَة مَعْرُوف فِي الشَّرْع وَاللُّغَة، وَلَا يُعَدُّ كَذِبًا إِذَا كَانَ الْمُخْبَر عَنْهُ فِي حَيِّزِ الْكَثْرَة وَالْعِظَم وَمَبْلَغ الْغَايَة فِي بَابه، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
قَالَ: وَمِثْله كَلَّمْته أَلْف مَرَّة، وَلَقِيته مِائَة كَرَّة، فَهَذَا جَائِز إِذَا كَانَ كَثِيرًا، وَإِلَّا فَلَا.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
✯✯✯✯✯✯
4247- قَوْلهَا: «إِنِّي مِنْ النَّاس» دَلِيل لِدُخُولِ النِّسَاء فِي خِطَاب النَّاس، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي دُخُولهنَّ فِي خِطَاب الذُّكُور، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فيه، وَفيه إِثْبَات الْقَوْل بِالْعُمُومِ.
قَوْلهَا: «كُفِّي رَأْسِي» هُوَ بِالْكَافِ أَيْ اِجْمَعِيهِ، وَضُمِّي شَعْره بَعْضه إِلَى بَعْض.
✯✯✯✯✯✯
4248- قَوْله: «صَلَّى عَلَى أَهْل أُحُد صَلَاته عَلَى الْمَيِّت» أَيْ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ صَلَاة الْمَيِّت، وَسَبَقَ شَرْح هَذَا الْحَدِيث فِي كِتَاب الْجَنَائِز.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّنِي وَاَللَّه لَأَنْظُر إِلَى حَوْضِي الْآن» هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ الْحَوْض حَوْض حَقِيقِيّ عَلَى ظَاهِره كَمَا سَبَقَ، وَأَنَّهُ مَخْلُوق مَوْجُود الْيَوْم، وَفيه جَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف لِتَفْخِيمِ الشَّيْء وَتَوْكِيده.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيت مَفَاتِيح خَزَائِن الْأَرْض، أَوْ مَفَاتِيح الْأَرْض، إِنِّي وَاَللَّه مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فيها» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (مَفَاتِيح) فِي اللَّفْظَيْنِ بِالْيَاءِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَرُوِيَ (مَفَاتِح) بِحَذْفِهَا.
مَنْ أَثْبَتَهَا فَهُوَ جَمْع مِفْتَاح، وَمَنْ حَذَفَهَا فَجَمْع مِفْتَح، وَهُمَا لُغَتَانِ فيه.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَار بِأَنَّ أُمَّته تَمْلِكُ خَزَائِن الْأَرْض، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا لَا تَرْتَدُّ جُمْلَة، وَقَدْ عَصَمَهَا اللَّه تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَتَنَافَس فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَقَعَ كُلّ ذَلِكَ.
✯✯✯✯✯✯
4249- قَوْله: «صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُد، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَر كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَات، فَكَانَتْ آخِر مَا رَأَيْته عَلَى الْمِنْبَر» مَعْنَاهُ: خَرَجَ إِلَى قَتْلَى أُحُد وَدَعَا لَهُمْ دُعَاء مُوَدِّع، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَة فَصَعِدَ الْمِنْبَر فَخَطَبَ الْأَحْيَاء خُطْبَة مُوَدِّع، كَمَا قَالَ النَّوَّاس بْن سَمْعَان قُلْنَا: يَا رَسُول اللَّه كَأَنَّهَا مَوْعِظَة مُوَدِّع، وَفيه مَعْنَى الْمُعْجِزَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوْض: «وَإِنَّ عَرْضه مَا بَيْن أَيْلَة إِلَى الْجُحْفَة» قَالَ الرَّاوِي: هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ، بَيْنهمَا مَسِيرَة ثَلَاث لَيَالٍ.
وَفِي رِوَايَة: «عَرْضه مِثْل طُوله مَا بَيْن عَمَّان إِلَى أَيْلَة» وَفِي رِوَايَة: «مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّان» وَفِي رِوَايَة: «قَدْر حَوْضِي كَمَا بَيْن أَيْلَة وَصَنْعَاء مِنْ الْيُمْن» وَفِي رِوَايَة: «مَا بَيْن نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْن صَنْعَاء وَالْمَدِينَة».
أَمَّا (أَيْلَة) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة تَحْتُ وَفَتْح اللَّام، وَهِيَ مَدِينَة مَعْرُوفَة فِي عِرَاق الشَّام عَلَى سَاحِل الْبَحْر، مُتَوَسِّطَة بَيْن مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِمَشْق وَمِصْر، بَيْنهَا وَبَيْن الْمَدِينَة نَحْو خَمْس عَشْرَة مَرْحَلَة، وَبَيْنهَا وَبَيْن دِمَشْق نَحْو اِثْنَتَيْ عَشْرَة مَرْحَلَة، وَبَيْنهَا وَبَيْن مِصْر نَحْو ثَمَان مَرَاحِل.
قَالَ الْحَازِمِيّ: قِيلَ: هِيَ آخِر الْحِجَاز، وَأَوَّل الشَّام.
وَأَمَّا (الْجُحْفَة) فَسَبَقَ بَيَانهَا فِي كِتَاب الْحَجّ، وَهِيَ بِنَحْوِ سَبْع مَرَاحِل مِنْ الْمَدِينَة.
بَيْنهَا وَبَيْن مَكَّة.
✯✯✯✯✯✯
4252- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْن نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْن جَرْبَاء وَأَذْرُحَ» وَأَمَّا (جَرْبَاء) فَبِجِيمٍ مَفْتُوحَة، ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَة، ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة، ثُمَّ أَلْف مَقْصُورَة وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، الْمَشْهُور أَنَّهَا مَقْصُورَة، وَكَذَا قَيَّدَهَا الْحَازِمِيّ فِي كِتَابه الْمُؤْتَلِف فِي الْأَمَاكِن، وَكَذَا ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَصَاحِب الْمَطَالِع وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ الْقَاضِي وَصَاحِب الْمَطَالِع: وَوَقَعَ عِنْد بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ مَمْدُودًا.
قَالَا: وَهُوَ خَطَأ.
وَقَالَ صَاحِب التَّحْرِير: هِيَ بِالْمَدِّ، وَقَدْ تُقْصَرُ.
قَالَ الْحَازِمِيّ: كَانَ أَهْل جَرْبَا يَهُودًا كَتَبَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَان لَمَّا قَدَمَ عَلَيْهِ لِحْيَة بْن رُؤْبَة صَاحِب أَيْلَة بِقَوْمٍ مِنْهُمْ وَمَنْ أَهْل أَذْرُح يَطْلُبُونَ الْأَمَان.
وَأَمَّا (أَذْرُح) فَبِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ ذَال مُعْجَمَة سَاكِنَة ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَة ثُمَّ حَاء مُهْمَلَة.
هَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُور.
قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِب الْمَطَالِع: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالْجِيمِ.
قَالَا: وَهُوَ تَصْحِيف لَا شَكَّ فيه، وَهُوَ كَمَا قَالَا، وَهِيَ مَدِينَة فِي طَرَف الشَّام فِي قِبْلَة الشُّوَيْك، بَيْنهَا وَبَيْنه نَحْو نِصْف يَوْم، وَهِيَ فِي طَرَف الشَّرَاط بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة فِي طَرَفِهَا الشِّمَالِيّ، وَتَبُوك فِي قِبْلَة أَذْرُح بَيْنهمَا نَحْو أَرْبَع مَرَاحِل.
وَبَيْن تَبُوك وَمَدِينَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو أَرْبَع عَشْرَة مَرْحَلَة.
✯✯✯✯✯✯
4253- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4254- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4255- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَآنِيَته أَكْثَر مِنْ عَدَد نُجُوم السَّمَاء وَكَوَاكِبهَا أَلَا فِي اللَّيْلَة الْمُظْلِمَة الْمُصْحِيَة آنِيَة الْجَنَّة مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأ آخِر مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فيه مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّة» أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا فِي اللَّيْلَة الْمُظْلِمَة» فَهُوَ بِتَخْفِيفِ أَلَا، وَهِيَ الَّتِي لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَخَصَّ اللَّيْلَة الْمُظْلِمَة الْمُصْحِيَة لِأَنَّ النُّجُوم تُرَى فيها أَكْثَر، وَالْمُرَاد بِالْمُظْلِمَةِ الَّتِي لَا قَمَر فيها، مَعَ أَنَّ النُّجُوم طَالِعَة، فَإِنَّ وُجُود الْقَمَر يَسْتُرُ كَثِيرًا مِنْ النُّجُوم.
أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آنِيَة الْجَنَّة» فَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِرَفْعِ (آنِيَة)، وَبَعْضهمْ بِنَصْبِهَا، وَهُمَا صَحِيحَانِ فَمَنْ رَفَعَ فَخَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ هِيَ آنِيَة الْجَنَّة، وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ نَحْوه.
وَأَمَّا (آخِر مَا عَلَيْهِ) فَمَنْصُوب، وَسَبَقَ نَظِيره فِي كِتَاب الْإِيمَان.
وَأَمَّا (يَشْخُبُ) فَبِالشِّينِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْيَاء مَفْتُوحَة وَالْخَاء مَضْمُومَة وَمَفْتُوحَة.
وَالشَّخْب السَّيَلَان، وَأَصْله مَا خَرَجَ مِنْ تَحْت يَد الْحَالِب عِنْد كُلّ غَمْرَة وَعَصْرَة لِضَرْعِ الشَّاة.
وَأَمَّا (الْمِيزَابَانِ) فَبِالْهَمْزِ، وَيَجُوزُ قَلْب الْهَمْزَة يَاء.
وَأَمَّا (عَمَّان) فَبِفَتْحِ الْعَيْن وَتَشْدِيد الْمِيم، وَهِيَ بَلْدَة بِالْبَلْقَاءِ مِنْ الشَّام.
قَالَ الْحَازِمِيّ: قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: يَجُوز أَنْ يَكُون فَعْلَان مِنْ عَمّ يَعُمُّ، فَلَا تَنْصَرِفُ مَعْرِفَة، وَتَنْصَرِفُ نَكِرَة.
قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُون فَعَّالًا مِنْ عَمَّنَ، فَتَنْصَرِفُ مَعْرِفَة وَنَكِرَة إِذَا عَنَى بِهَا الْبَلَد.
هَذَا كَلَامه.
وَالْمَعْرُوف فِي رِوَايَات الْحَدِيث وَغَيْرهَا تَرْك صَرْفهَا.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَهَذَا الِاخْتِلَاف فِي قَدْر عَرْض الْحَوْض لَيْسَ مُوجِبًا لِلِاضْطِرَابِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيث وَاحِد، بَلْ فِي أَحَادِيث مُخْتَلِفَة الرُّوَاة، عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة سَمِعُوهَا فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة ضَرَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ وَاحِد مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَار الْحَوْض، وَسَعَته، وَقَرَّبَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْهَام لِبُعْدِ مَا بَيْن الْبِلَاد الْمَذْكُورَة لَا عَلَى التَّقْدِير الْمَوْضُوع لِلتَّحْدِيدِ، بَلْ لِلْإِعْلَامِ بِعِظَمِ هَذِهِ الْمَسَافَة، فَبِهَذَا تُجْمَعُ الرِّوَايَات.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي.
قُلْت: وَلَيْسَ فِي الْقَلِيل مِنْ هَذِهِ مَنْع الْكَثِير، وَالْكَثِير ثَابِت عَلَى ظَاهِر الْحَدِيث، وَلَا مُعَارَضَة.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
4256- قَوْله: (عَنْ مَعْدَان الْيَعْمَرِيّ) بِفَتْحِ مِيم الْيَعْمَرِيّ وَضَمّهَا، مَنْسُوب إِلَى يَعْمَر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الْقَاف، وَهُوَ مَوْقِف الْإِبِل مِنْ الْحَوْض إِذَا وَرَدَتْهُ، وَقِيلَ: مُؤَخَّره.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَذُودُ النَّاس لِأَهْلِ الْيَمَن أَضْرِب بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ» مَعْنَاهُ أَطْرُدُ النَّاس عَنْهُ غَيْر أَهْل الْيُمْن لِيَرْفَضَّ عَلَى أَهْل الْيُمْن، وَهَذِهِ كَرَامَة لِأَهْلِ الْيَمَن فِي تَقْدِيمهمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ مُجَازَاة لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعهمْ، وَتَقَدُّمهمْ فِي الْإِسْلَام.
وَالْأَنْصَار مِنْ الْيَمَن، فَيَدْفَعُ غَيْرهمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ وَالْمَكْرُوهَات.
وَمَعْنَى: «يَرْفَضّ عَلَيْهِمْ» أَيْ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ حَدِيث الْبُرَاق: «اِسْتَصْعَبَ حَتَّى اِرْفَضَّ عَرَقًا» أَيْ سَالَ عَرَقه.
قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب: وَأَصْله مِنْ الدَّمْع، يُقَال: اِرْفَضّ الدَّمْع إِذَا سَأَلَ مُتَفَرِّقًا.
قَالَ الْقَاضِي: وَعَصَاهُ الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث هِيَ الْمُكَنَّى عَنْهَا بِالْهِرَاوَةِ فِي وَصْفه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُب الْأَوَائِل بِصَاحِبِ الْهِرَاوَة.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْهِرَاوَة بِكَسْرِ الْهَاء الْعَصَا.
قَالَ: وَلَمْ يَأْتِ لِمَعْنَاهَا فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْسِير إِلَّا مَا يَظْهَرُ لِي فِي هَذَا الْحَدِيث.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي تَفْسِير الْهِرَاوَة بِهَذِهِ الْعَصَا بَعِيد أَوْ بَاطِل، لِأَنَّ الْمُرَاد بِوَصْفِهِ بِالْهِرَاوَةِ تَعْرِيفه بِصِفَةٍ يَرَاهَا النَّاس مَعَهُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى صِدْقه، وَأَنَّهُ الْمُبَشَّر بِهِ الْمَذْكُور فِي الْكُتُب السَّالِفَة، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيره بِعَصًا تَكُون فِي الْآخِرَة، وَالصَّوَاب فِي تَفْسِير صَاحِب الْهِرَاوَة مَا قَالَهُ الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُمْسِكُ الْقَضِيب بِيَدِهِ كَثِيرًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَمْشِي وَالْعَصَا بَيْن يَدَيْهِ، وَتُغْرَزُ لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَهَذَا مَشْهُور فِي الصَّحِيح.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَغُتُّ فيه مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ» أَمَّا (يَغُتُّ) فَبِفَتْحِ الْيَاء وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة وَمَكْسُورَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق مُشَدَّدَة، وَهَكَذَا قَالَ ثَابِت، وَالْخَطَّابِيّ، وَالْهَرَاوِيّ، وَصَاحِب التَّحْرِير، وَالْجُمْهُور، وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخ بِلَادنَا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَكْثَرِينَ: قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَمَعْنَاهُ يَدْفُقَانِ فيه الْمَاء دَفْقًا مُتَتَابِعًا شَدِيدًا.
قَالُوا: وَأَصْله مِنْ اِتْبَاع الشَّيْء الشَّيْء، وَقِيلَ: يَصُبَّانِ فيه دَائِمًا صَبًّا شَدِيدًا.
وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (يَعُبُّ) بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَة، وَحَكَاهَا الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْعُذْرِيّ.
قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَ الْحَرْبِيّ، وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ، أَيْ لَا يَنْقَطِعُ جَرَيَانُهُمَا.
قَالَ: وَالْعَبُّ الشُّرْب بِسُرْعَةٍ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: (يَثْعَب) بِمُثَلَّثَةٍ وَعَيْن مُهْمَلَة أَيْ يَتَفَجَّرُ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمُدَّانِهِ» فَبِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْمِيم، أَيْ يُزِيدَانِهِ وَيُكْثِرَانِهِ.
✯✯✯✯✯✯
4257- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَة مِنْ الْإِبِل» مَعْنَاهُ كَمَا يَذُودُ السَّاقِي النَّاقَة الْغَرِيبَة عَنْ إِبِله إِذَا أَرَادَتْ الشُّرْب مَعَ إِبِله.
✯✯✯✯✯✯
4258- قَوْله فِي حَدِيث أَنَس مِنْ رِوَايَة حَرْمَلَة: «قَدْر حَوْضِي كَمَا بَيْن أَيْلَة وَصَنْعَاء مِنْ الْيَمَن، وَإِنَّ فيه مِنْ الْأَبَارِيق كَعَدَدِ نُجُوم السَّمَاء» وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ: «كَمَا» بِالْكَافِ، وَفِي بَعْضهَا (لِمَا) بِاللَّامِ، و(كَعَدَدِ) بِالْكَافِ، وَفِي بَعْضهَا: «لِعَدَدِ نُجُوم السَّمَاء» بِاللَّامِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
✯✯✯✯✯✯
4259- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْض رِجَال مِمَّنْ صَاحَبَنِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتهمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اُخْتُلِجُوا دُونِي فَلَأَقُولَنَّ: رَبّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي فَلَيُقَالَنَّ لِي إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدك» أَمَّا (اُخْتُلِجُوا) فَمَعْنَاهُ اُقْتُطِعُوا.
وَأَمَّا (أُصَيْحَابِي) فَوَقَعَ فِي الرِّوَايَات مُصَغَّرًا مُكَرَّرًا، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «أَصْحَابِي أَصْحَابِي» مُكَبَّرًا مُكَرَّرًا.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا دَلِيل لِصِحَّةِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ أَنَّهُمْ أَهْل الرِّدَّة، وَلِهَذَا قَالَ فيهمْ سُحْقًا سُحْقًا، وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي مُذْنِبِي الْأُمَّة، بَلْ يَشْفَعُ لَهُمْ، وَيَهْتَمُّ لِأَمْرِهِمْ.
قَالَ: وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا عُصَاة مُرْتَدُّونَ عَنْ الِاسْتِقَامَة لَا عَنْ الْإِسْلَام، وَهَؤُلَاءِ مُبَدِّلُونَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَة بِالسَّيِّئَةِ.
وَالثَّانِي مُرْتَدُّونَ إِلَى الْكُفْر حَقِيقَة نَاكِصُونَ عَلَى أَعْقَابهمْ وَاسْم التَّبْدِيل يَشْمَلُ الصِّنْفَيْنِ.
✯✯✯✯✯✯
4260- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْن لَابَتَيْ حَوْضِي» أَيْ نَاحِيَتَيْهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
باب اثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفضائل ﴿ 9 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞