باب كراهة تمني لقاء العدو والامر بالصبر عند اللقاء
باب كراهة تمني لقاء العدو والامر بالصبر عند اللقاء
3275- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوّ وَاسْأَلُوا اللَّه الْعَافِيَة فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّة تَحْت ظِلَال السُّيُوف»، إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَنِّي لِقَاء الْعَدُوّ لِمَا فيه مِنْ صُورَة الْإِعْجَاب وَالِاتِّكَال عَلَى النَّفْس، وَالْوُثُوق بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ نَوْع بَغْي، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّن قِلَّة الِاهْتِمَام بِالْعَدُوِّ وَاحْتِقَاره، وَهَذَا يُخَالِف الِاحْتِيَاط وَالْحَزْم، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى النَّهْي عَنْ التَّمَنِّي فِي صُورَة خَاصَّة، وَهِيَ إِذَا شَكَّ فِي الْمَصْلَحَة فيه وَحُصُول ضَرَر، وَإِلَّا فَالْقِتَال كُلّه فَضِيلَة وَطَاعَة، وَالصَّحِيح الْأَوَّل، وَلِهَذَا تَمَّمَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاسْأَلُوا اللَّه الْعَافِيَة» وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيث فِي الْأَمْر بِسُؤَالِ الْعَافِيَة، وَهِيَ مِنْ الْأَلْفَاظ الْعَامَّة الْمُتَنَاوِلَة لِدَفْعِ جَمِيع الْمَكْرُوهَات فِي الْبَدَن وَالْبَاطِن، فِي الدِّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْعَافِيَة الْعَامَّة لِي وَلِأَحِبَّائِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» فَهَذَا حَثّ عَلَى الصَّبْر فِي الْقِتَال وَهُوَ آكَد أَرْكَانه، وَقَدْ جَمَعَ اللَّه سُبْحَانه آدَاب الْقِتَال فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه}.
✯✯✯✯✯✯
3276- قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْس قَامَ فيهمْ فَقَالَ: يَا أَيّهَا النَّاس» إِلَى آخِره.
وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِل أَوَّل النَّهَار اِنْتَظَرَ حَتَّى تَزُول الشَّمْس، قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَبه أَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْقِتَالِ فَإِنَّهُ وَقْت هُبُوب الرِّيح، وَنَشَاط النُّفُوس، وَكُلَّمَا طَالَ اِزْدَادُوا نَشَاطًا وَإِقْدَامًا عَلَى عَدُوّهُمْ، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «أَخَّرَ حَتَّى تَهُبّ الْأَرْوَاح وَتَحْضُر الصَّلَاة» قَالُوا: وَسَبَبه: فَضِيلَة أَوْقَات الصَّلَوَات وَالدُّعَاء عِنْدهَا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّة تَحْت ظِلَال السُّيُوف» فَمَعْنَاهُ: ثَوَاب اللَّه، وَالسَّبَب الْمُوَصِّل إِلَى الْجَنَّة عِنْد الضَّرْب بِالسُّيُوفِ فِي سَبِيل اللَّه، وَمَشْي الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه، فَاحْضُرُوا فيه بِصِدْقِ وَاثْبُتُوا.
قَوْله: «ثُمَّ قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِل الْكِتَاب وَمُجْرِي السَّحَاب وَهَازِم الْأَحْزَاب، اِهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» فيه: اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء عِنْد اللِّقَاء وَالِاسْتِنْصَار.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (عَنْ أَبِي النَّضْر عَنْ كِتَاب رَجُل مِنْ الصَّحَابَة) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ حَدِيث صَحِيح قَالَ: وَاتِّفَاق الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَلَى رِوَايَته حُجَّة فِي جَوَاز الْعَمَل بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَة، وَقَدْ جَوَّزُوا الْعَمَل بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَة، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل الْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفِقْه، وَمَنَعَتْ طَائِفَة الرِّوَايَة بِهَا، وَهَذَا غَلَطٌ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب كراهة تمني لقاء العدو والامر بالصبر عند اللقاء
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 6 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞