📁 آخر الأخبار

باب في المدينة حين يتركها اهلها

 

 باب في المدينة حين يتركها اهلها

باب في المدينة حين يتركها اهلها


2461- قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَدِينَةِ: «لَيَتْرُكَنَّهَا أَهْلهَا عَلَى خَيْر مَا كَانَتْ مُذَلَّلَة لِلْعَوَافِي» يَعْنِي السِّبَاع وَالطَّيْر، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «يَتْرُكُونَ الْمَدِينَة عَلَى خَيْر مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي» يُرِيد عَوَافِي السِّبَاع وَالطَّيْر، ثُمَّ يَخْرُج رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَة يُرِيدَانِ الْمَدِينَة يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّة الْوَدَاع خَرَّا عَلَى وُجُوههمَا.

أَمَّا: «الْعَوَافِي»: فَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيث بِالسِّبَاعِ وَالطَّيْر، وَهُوَ صَحِيح فِي اللُّغَة، مَأْخُوذ مِنْ عَفَوْته إِذَا أَتَيْته تَطْلُب مَعْرُوفه.

وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَالظَّاهِر الْمُخْتَار: أَنَّ هَذَا التَّرْك لِلْمَدِينَةِ يَكُون فِي آخِر الزَّمَان، عِنْد قِيَام السَّاعَة، وَتُوَضِّحهُ قِصَّة الرَّاعِيَيْنِ مِنْ مُزَيْنَة فَإِنَّهُمَا يَخِرَّانِ عَلَى وُجُوههمَا حِين تُدْرِكهُمَا السَّاعَة، وَهُمَا آخِر مَنْ يُحْشَر كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا مَا جَرَى فِي الْعَصْر الْأَوَّل وَانْقَضَى، قَالَ: وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ تُرِكَتْ الْمَدِينَة عَلَى أَحْسَن مَا كَانَتْ حِين اِنْتَقَلَتْ الْخِلَافَة عَنْهَا إِلَى الشَّام وَالْعِرَاق، وَذَلِكَ الْوَقْت أَحْسَن مَا كَانَتْ الدِّين وَالدُّنْيَا، أَمَّا الدِّين فَلِكَثْرَةِ الْعُلَمَاء وَكَمَالهمْ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلِعِمَارَتِهَا وَغَرْسهَا وَاتِّسَاع حَال أَهْلهَا، قَالَ: وَذَكَرَ الْأَخْبَارِيُّونَ فِي بَعْض الْفِتَن الَّتِي جَرَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَخَافَ أَهْلهَا أَنَّهُ رَحَلَ عَنْهَا أَكْثَر النَّاس وَبَقِيَتْ ثِمَارهَا أَوْ أَكْثَرهَا لِلْعَوَافِي، وَخَلَتْ مُدَّة ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاس إِلَيْهَا قَالَ: وَحَالهَا الْيَوْم قَرِيب مِنْ هَذَا، وَقَدْ خَرِبَتْ أَطْرَافهَا، هَذَا كَلَام الْقَاضِي.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2462- وَمَعْنَى: «يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا»: يَصِيحَانِ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا» وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (وُحُوشًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ يَجِدَانِهَا خَلَاء، أَيْ خَالِيَة لَيْسَ بِهَا أَحَد، قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الْوَحْش مِنْ الْأَرْض هُوَ الْخَلَاء، وَالصَّحِيح أَنَّ مَعْنَاهُ يَجِدَانِهَا ذَات وُحُوش، كَمَا فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ، وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي» وَيَكُون وَحْشًا بِمَعْنَى وُحُوشًا، وَأَصْل الْوَحْش: كُلّ شَيْء تَوَحَّشَ مِنْ الْحَيَوَان، وَجَمْعه وُحُوش، وَقَدْ يُعَبَّر بِوَاحِدٍ عَنْ جَمْعه كَمَا فِي غَيْره، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ اِبْن الْمُرَابِط أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ غَنَمهمَا تَصِير وُحُوشًا، إِمَّا أَنْ تَنْقَلِب ذَاتهَا فَتَصِير وُحُوشًا، وَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّش وَتَنْفِر مِنْ أَصْوَاتهَا، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي هَذَا، وَاخْتَارَ أَنَّ الضَّمِير فِي (يَجِدَانِهَا) عَائِد إِلَى الْمَدِينَة لَا إِلَى الْغَنَم، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب.

 وَقَوْل اِبْن الْمُرَابِط غَلَط.

 وَاَللَّه أَعْلَم.


باب في المدينة حين يتركها اهلها

باب في المدينة حين يتركها اهلها


كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات