باب الوفاء بالشروط في النكاح
باب الوفاء بالشروط في النكاح
2542- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقّ الشُّرُوط أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اِسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج» قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء: إِنَّ هَذَا مَحْمُول عَلَى شُرُوط لَا تُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاح، بَلْ تَكُون مِنْ مُقْتَضَيَاته وَمَقَاصِده كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَة بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِنْفَاق عَلَيْهَا وَكِسْوَتهَا وَسُكْنَاهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنَّهُ لَا يُقَصِّر فِي شَيْء مِنْ حُقُوقهَا، وَيَقْسِم لَهَا كَغَيْرِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَخْرُج مِنْ بَيْته إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَنْشِز عَلَيْهِ، وَلَا تَصُوم تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إِذْنه، وَلَا تَأْذَن فِي بَيْته إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَلَا تَتَصَرَّف فِي مَتَاعه إِلَّا بِرِضَاهُ، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَأَمَّا شَرْط يُخَالِف مُقْتَضَاهُ كَشَرْطٍ أَلَّا يَقْسِم لَهَا، وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، وَلَا يُنْفِق عَلَيْهَا، وَلَا يُسَافِر بِهَا، وَنَحْو ذَلِكَ، فَلَا يَجِب الْوَفَاء بِهِ بَلْ يَلْغُو الشَّرْط وَيَصِحّ النِّكَاح بِمَهْرِ الْمَثَل لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِل» وَقَالَ أَحْمَد وَجَمَاعَة: يَجِب الْوَفَاء بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ إِنَّ أَحَقّ الشُّرُوط وَاَللَّه أَعْلَمبَاب اِسْتِئْذَان الثَّيِّب فِي النِّكَاح بِالنُّطْقِ وَالْبِكْر بِالسُّكُوتِ:قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْكَح الْأَيِّم حَتَّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَح الْبِكْر حَتَّى تُسْتَأْذَن.
قَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَكَيْف إِذْنهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُت» وَفِي رِوَايَة: «الْأَيِّم أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَالْبِكْر تُسْتَأْذَن فِي نَفْسهَا، وَإِذْنهَا صُمَاتهَا» وَفِي رِوَايَة: «الثَّيِّب أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا وَالْبِكْر تُسْتَأْمَر، وَإِذْنهَا سُكُوتهَا» وَفِي رِوَايَة: «وَالْبِكْر يَسْتَأْذِنهَا أَبُوهَا فِي نَفْسهَا، وَإِذْنهَا صُمَاتهَا».
قَالَ الْعُلَمَاء: (الْأَيِّم) هُنَا الثَّيِّب كَمَا فَسَرَّتْهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرنَا، وَلِلْأَيِّمِ مَعَانٍ أُخَر.
و(الصُّمَات) بِضَمِّ الصَّاد هُوَ السُّكُوت.
قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْأَيِّمِ هُنَا مَعَ اِتِّفَاق أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّهَا تُطْلَق عَلَى اِمْرَأَة لَا زَوْج لَهَا صَغِيرَة كَانَتْ أَوْ كَبِيرَة، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، قَالَهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَغَيْرهمَا.
وَالْأَيْمَة فِي اللُّغَة الْعُزُوبَة، وَرَجُل أَيِّم وَامْرَأَة أَيِّم.
وَحَكَى أَبُو عُبَيْد أَنَّهُ أَيِّمَة أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي: ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَا هُنَا فَقَالَ عُلَمَاء الْحِجَاز وَالْفُقَهَاء كَافَّة: الْمُرَاد الثَّيِّب، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى بِالثَّيِّبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِأَنَّهَا جُعِلَتْ مُقَابِلَة لِلْبِكْرِ، وَبِأَنَّ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهَا فِي اللُّغَة لِلثَّيِّبِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَر: الْأَيِّم هُنَا كُلّ اِمْرَأَة لَا زَوْج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَة.
قَالُوا: فَكُلّ اِمْرَأَة بَلَغَتْ فَهِيَ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَعَقْدهَا عَلَى نَفْسهَا النِّكَاح صَحِيح، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ.
قَالُوا: وَلَيْسَ الْوَلِيّ مِنْ أَرْكَان صِحَّة النِّكَاح، بَلْ مِنْ تَمَامه.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد: تَتَوَقَّف صِحَّة النِّكَاح عَلَى إِجَازَة الْوَلِيّ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا» هَلْ هِيَ أَحَقّ بِالْإِذْنِ فَقَطْ، أَوْ بِالْإِذْنِ وَالْعَقْد عَلَى نَفْسهَا؟ فَعِنْد الْجُمْهُور بِالْإِذْنِ فَقَطْ، وَعِنْد هَؤُلَاءِ بِهِمَا جَمِيعًا.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقّ بِنَفْسِهَا» يَحْتَمِل مِنْ حَيْثُ اللَّفْظ أَنَّ الْمُرَاد أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا فِي كُلّ شَيْء مِنْ عَقْد وَغَيْره كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَحَقّ بِالرِّضَا أَيْ لَا تُزَوَّج حَتَّى تَنْطِق بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْر، وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ غَيْره مِنْ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى اِشْتِرَاط الْوَلِيّ تَعَيَّنَ الِاحْتِمَال وَالثَّانِي.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَة (أَحَقّ) هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسهَا فِي النِّكَاح حَقًّا، وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا، وَحَقّهَا أَوْكَد مِنْ حَقّه.
فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَر، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّج كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيّ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي، فَدَلَّ عَلَى تَأْكِيد حَقّهَا وَرُجْحَانه.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْر: «وَلَا تُنْكَح الْبِكْر حَتَّى تُسْتَأْمَر» فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ: الِاسْتِئْذَان فِي الْبِكْر مَأْمُور بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ جَدًّا كَانَ الِاسْتِئْذَان مَنْدُوبًا إِلَيْهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اِسْتِئْذَانهَا صَحَّ لِكَمَالِ شَفَقَته، وَإِنْ كَانَ غَيْرهمَا مِنْ الْأَوْلِيَاء وَجَبَ الِاسْتِئْذَان وَلَمْ يَصِحّ قَبْله.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرهمَا مِنْ الْكُوفِيِّينَ: يَجِب الِاسْتِئْذَان فِي كُلّ بِكْر بَالِغَة.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْر: «إِذْنهَا صُمَاتهَا» فَظَاهِره الْعُمُوم فِي كُلّ بِكْر، وَكُلّ وَلِي، وَأَنَّ سُكُوتهَا يَكْفِي مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنْ كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَاسْتِئْذَانه مُسْتَحَبّ، وَيَكْفِي فيه سُكُوتهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرهمَا فلابد مِنْ نُطِقْهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنْ الْأَب وَالْجَدّ أَكْثَر مِنْ غَيْرهمَا.
وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ السُّكُوت كَافٍ فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء لِعُمُومِ الْحَدِيث لِوُجُودِ الْحَيَاء، وَأَمَّا الثَّيِّب فلابد فيها مِنْ النُّطْق بِلَا خِلَاف سَوَاء كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ غَيْره لِأَنَّهُ زَالَ كَمَال حَيَائِهَا بِمُمَارَسَةِ الرِّجَال، وَسَوَاء زَالَتْ بَكَارَتهَا بِنِكَاحٍ صَحِيح أَوْ فَاسِد، أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَة أَوْ بِزِنًا، وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْث أَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرهَا فَلَهَا حُكْم الثَّيِّب عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ: حُكْم الْبِكْر وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط إِعْلَام الْبِكْر بِأَنَّ سُكُوتهَا إِذْن، وَشَرَطَهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالِك عَلَى اِسْتِحْبَابه، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ فِي صِحَّة النِّكَاح فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ: يُشْتَرَط، وَلَا يَصِحّ نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُشْتَرَط فِي الثَّيِّب وَلَا فِي الْبِكْر الْبَالِغَة، بَلْ لَهَا أَنْ تُزَوِّج نَفْسهَا بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يَجُوز أَنْ تُزَوِّج نَفْسهَا بِإِذْنِ وَلِيّهَا، وَلَا يَجُوز بِغَيْرِ إِذْنه.
وَقَالَ دَاوُدَ: يُشْتَرَط الْوَلِيّ فِي تَزْوِيج الْبِكْر دُون الثَّيِّب، وَاحْتَجَّ مَالِك وَالشَّافِعِيّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور: «لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ» وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْي الصِّحَّة.
وَاحْتَجَّ دَاوُدَ بِأَنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُسْلِم صَرِيح فِي الْفَرْق بَيْن الْبِكْر وَالثَّيِّب، وَأَنَّ الثَّيِّب أَحَقّ بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْر تُسْتَأْذَن.
وَأَجَابَ أَصْحَابنَا عَنْهُ بِأَنَّهَا أَحَقّ أَيْ شَرِيكَة فِي الْحَقّ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُجْبَر، وَهِيَ أَيْضًا أَحَقّ فِي تَعْيِين الزَّوْج.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَة بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْع وَغَيْره فَإِنَّهَا تَسْتَقِلّ فيه بِلَا وَلِيّ، وَحَمَلَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ عَلَى الْأَمَة وَالصَّغِيرَة، وَخَصَّ عُمُومهَا بِهَذَا الْقِيَاس، وَتَخْصِيص الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ جَائِز عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ أَهْل الْأُصُول.
وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْر بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور: «أَيّمَا اِمْرَأَة نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا فَنِكَاحهَا بَاطِل» وَلِأَنَّ الْوَلِيّ إِنَّمَا يُرَاد لِيَخْتَارَ كُفُؤًا لِدَفْعِ الْعَار، وَذَلِكَ يَحْصُل بِإِذْنِهِ.
قَالَ الْعُلَمَاء: نَاقَضَ دَاوُدُ مَذْهَبه فِي شَرْط الْوَلِيّ فِي الْبِكْر دُون الثَّيِّب لِأَنَّهُ إِحْدَاث قَوْل فِي مَسْأَلَة مُخْتَلَف فيها، وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَمَذْهَبه أَنَّهُ لَا يَجُوز إِحْدَاث مِثْل هَذَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2543- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2544- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2545- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2546- سبق شرحه بالباببَاب تَزْوِيج الْأَب الْبِكْر الصَّغِيرَة:فيه حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْت تِسْع سِنِينَ» وَفِي رِوَايَة: «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْت سَبْع سِنِينَ» هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز تَزْوِيج الْأَب الصَّغِيرَة بِغَيْرِ إِذْنهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْن لَهَا، وَالْجَدّ كَالْأَبِ عِنْدنَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَاب الْمَاضِي بَسْط الِاخْتِلَاف فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ، وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز تَزْوِيجه بِنْته الْبِكْر الصَّغِيرَة لِهَذَا الْحَدِيث، وَإِذَا بَلَغَتْ فَلَا خِيَار لَهَا فِي فَسْخه عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَسَائِر فُقَهَاء الْحِجَاز، وَقَالَ أَهْل الْعِرَاق: لَهَا الْخِيَار إِذَا بَلَغَتْ.
أَمَّا غَيْر الْأَب وَالْجَدّ مِنْ الْأَوْلِيَاء فَلَا يَجُوز أَنْ يُزَوِّجهَا عِنْد الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِك وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر وَأَبِي عُبَيْد وَالْجُمْهُور قَالُوا: فَإِنْ زَوَّجَهَا لَمْ يَصِحّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ مِنْ السَّلَف: يَجُوز لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاء، وَيَصِحّ وَلَهَا الْخِيَار إِذَا بَلَغَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُف فَقَالَ: لَا خِيَار لَهَا.
وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِير عَلَى أَنَّ الْوَصِيّ الْأَجْنَبِيّ لَا يُزَوِّجهَا، وَجَوَّزَ شُرَيْح وَعُرْوَة وَحَمَّاد لَهُ تَزْوِيجهَا قَبْل الْبُلُوغ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِك أَيْضًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه قَالُوا: وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُزَوِّج الْأَب وَالْجَدّ الْبِكْر حَتَّى تَبْلُغ، وَيَسْتَأْذِنهَا لِئَلَّا يُوقِعهَا فِي أَسْر الزَّوْج وَهِيَ كَارِهَة، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يُخَالِف حَدِيث عَائِشَة لِأَنَّ مُرَادهمْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجهَا قَبْل الْبُلُوغ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَة ظَاهِرَة يَخَاف فَوْتهَا بِالتَّأْخِيرِ كَحَدِيثِ عَائِشَة، فَيُسْتَحَبّ تَحْصِيل ذَلِكَ الزَّوْج لِأَنَّ الْأَب مَأْمُور بِمَصْلَحَةِ وَلَده فَلَا يُفَوِّتهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا وَقْت زِفَاف الصَّغِيرَة الْمُزَوَّجَة وَالدُّخُول بِهَا فَإِنْ اِتَّفَقَ الزَّوْج وَالْوَلِيّ عَلَى شَيْء لَا ضَرَر فيه عَلَى الصَّغِيرَة عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ اِخْتَلَفَا فَقَالَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد: تُجْبَر عَلَى ذَلِكَ بِنْت تِسْع سِنِينَ دُون غَيْرهَا.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة: حَدّ ذَلِكَ أَنْ تُطِيق الْجِمَاع، وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِنَّ، وَلَا يُضْبَط بِسِنٍّ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَلَيْسَ فِي حَدِيث عَائِشَة تَحْدِيد، وَلَا الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَطَاقَتْهُ قَبْل تِسْع، وَلَا الْإِذْن فيه لِمَنْ لَمْ تُطِقْهُ وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعًا.
قَالَ الدَّاوُدِيّ: وَكَانَتْ قَدْ شَبَّتْ شَبَابًا حَسَنًا رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
وَأَمَّا قَوْلهَا فِي رِوَايَة: «تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بِنْت سَبْع»، وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات: «بِنْت سِتّ» فَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا سِتّ وَكَسْر فَفِي رِوَايَة اِقْتَصَرَتْ عَلَى السِّنِينَ، وَفِي رِوَايَة عَدَّتْ السَّنَة الَّتِي دَخَّلَتْ فيها.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2547- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة قَالَ: وَجَدْت فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَة هَذَا) مَعْنَاة أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابه، وَلَمْ يَذْكُر أَنَّهُ سَمِعَهُ، وَمِثْل هَذَا تَجُوز رِوَايَته عَلَى الصَّحِيح، وَقَوْل الْجُمْهُور، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتَصِر مُسْلِم عَلَيْهِ، بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَة لِغَيْرِهِ.
قَوْلهَا: «فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَة» الْوَعَك أَلَم الْحُمَّى، و«وَفَى» أَيْ كَمُلَ، و(جُمَيْمَة) تَصْغِير (جُمَّة) وَهِيَ: الشَّعْر النَّازِل إِلَى الْأُذُنَيْنِ وَنَحْوهمَا أَيْ صَارَ إِلَى هَذَا الْحَدّ بَعْد أَنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ بِالْمَرَضِ.
قَوْلهَا: «فَأَتَتْنِي أُمّ رُومَان وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَة» (أُمّ رُومَان) هِيَ أُمّ عَائِشَة، وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَان الْوَاو، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَلَمْ يَذْكُر الْجُمْهُور غَيْره.
وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي الِاسْتِيعَاب ضَمّ الرَّاء وَفَتْحهَا، وَرَجَّحَ الْفَتْح وَلَيْسَ هُوَ بِرَاجِحٍ.
و(الْأُرْجُوحَة) بِضَمِّ الْهَمْزَة هِيَ خَشَبَة يَلْعَب عَلَيْهَا الصِّبْيَانُ وَالْجَوَارِي الصِّغَار، يَكُون وَسَطهَا عَلَى مَكَان مُرْتَفِع، وَيَجْلِسُونَ عَلَى طَرَفهَا وَيُحَرِّكُونَهَا فَيَرْتَفِع جَانِب مِنْهَا وَيَنْزِل جَانِب.
قَوْلهَا: «فَقُلْت هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء هَذِهِ كَلِمَة يَقُولهَا الْمَبْهُور حَتَّى يَتَرَاجَع إِلَى حَال سُكُونه، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْهَاء الثَّانِيَة فَهِيَ هَاء السَّكْت.
قَوْلهَا: «فَإِذَا نِسْوَة مِنْ الْأَنْصَار فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْر وَالْبَرَكَة وَعَلَى خَيْر طَائِر» (النِّسْوَة) بِكَسْرِ النُّون وَضَمّهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْر أَفْصَح وَأَشْهَر، و(الطَّائِر) الْحَظّ يُطْلَق عَلَى الْحَظّ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ، وَالْمُرَاد هُنَا عَلَى أَفْضَل حَظّ وَبَرَكَة.
وَفيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَة لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَمِثْله فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف: «بَارَكَ اللَّه لَك».
قَوْلهَا: «فَغَسَلْنَ رَأْسِيّ وَأَصْلَحْنَنِي» فيه اِسْتِحْبَاب تَنْظِيف الْعَرُوس وَتَزْيِينهَا لِزَوْجِهَا، وَاسْتِحْبَاب اِجْتِمَاع النِّسَاء لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّن إِعْلَان النِّكَاح، وَلِأَنَّهُنَّ يُؤَانِسْنَهَا وَيُؤَدِّبْنَهَا وَيُعَلِّمْنَهَا آدَابهَا حَال الزِّفَاف وَحَال لِقَائِهَا الزَّوْج.
قَوْلهَا: «فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ» أَيْ لَمْ يَفْجَأنِي وَيَأْتِنِي بَغْتَة إِلَّا هَذَا.
وَفيه جَوَاز الزِّفَاف وَالدُّخُول بِالْعَرُوسِ نَهَارًا، وَهُوَ جَائِز لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ فِي الدُّخُول نَهَارًا، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابًا.
✯✯✯✯✯✯
2549- قَوْله: «وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ اِبْنَة تِسْع سِنِينَ، وَلُعَبهَا مَعَهَا» الْمُرَاد هَذِهِ اللُّعَب الْمُسَمَّاة بِالْبَنَاتِ الَّتِي تَلْعَب بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَار، وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه عَلَى صِغَر سِنّهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَفيه جَوَاز اِتِّخَاذ اللُّعَب، وَإِبَاحَة لَعِب الْجَوَارِي بِهِنَّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرهُ».
قَالُوا: وَسَبَبه تَدْرِيبهنَّ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَاد وَإِصْلَاح شَأْنهنَّ وَبُيُوتهنَّ.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَخْصُوصًا مِنْ أَحَادِيث النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَصْلَحَة، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَكَانَتْ قِصَّة عَائِشَة هَذِهِ وَلُعَبهَا فِي أَوَّل الْهِجْرَة قَبْل تَحْرِيم الصُّوَر.
وَاَللَّه أَعْلَم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب النكاح ﴿ 5 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞