باب غرز الخشب في جدار الجار
باب غرز الخشب في جدار الجار
3019- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَع أَحَدُكُمْ جَاره أَنْ يَغْرِز خَشَبَة فِي جِدَاره، ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْن أَكْتَافكُمْ» قَالَ الْقَاضِي: رُوِّينَا قَوْله: (خَشَبَة) فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره مِنْ الْأُصُول وَالْمُصَنَّفَات (خَشَبَة) بِالْإِفْرَادِ و(خَشَبه) بِالْجَمْعِ.
قَالَ: وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ رَوْح بْن الْفَرَج: سَأَلْت أَبَا زَيْد وَالْحَارِث بْن مِسْكِين وَيُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى عَنْهُ فَقَالُوا كُلّهمْ: (خَشَبَة) بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْإِفْرَاد، قَالَ عَبْد الْغَنِيّ بْنُ سَعِيد: كُلّ النَّاس يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ.
وَقَوْله: (بَيْن أَكْتَافكُمْ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوْق، أَيْ: بَيْنكُمْ، قَالَ الْقَاضِي: قَدْ رَوَاهُ بَعْض رُوَاة الْمُوَطَّأ (أَكْنَافكُمْ) بِالنُّونِ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا: بَيْنكُمْ، وَالْكَنَف الْجَانِب، وَمَعْنَى الْأَوَّل: أَنِّي أُصَرِّحُ بِهَا بَيْنكُمْ وَأُوجِعكُمْ بِالتَّقْرِيعِ بِهَا، كَمَا يُضْرَب الْإِنْسَان بِالشَّيْءِ بَيْن كَتِفيه.
قَوْله: «مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ» أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّة وَالْخَصْلَة وَالْمَوْعِظَة أَوْ الْكَلِمَات، وَجَاءَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ: «فَنَكَّسُوا رُءُوسهمْ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ أَعْرَضْتُمْ».
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث، هَلْ هُوَ عَلَى النَّدْب إِلَى تَمْكِين الْجَار مِنْ وَضْع الْخَشَب عَلَى جِدَار جَاره؟ أَمْ عَلَى الْإِيجَاب؟ وَفيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَاب مَالِك: أَصَحّهمَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ: النَّدْب، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ.
وَالثَّانِي: الْإِيجَاب، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الْحَدِيث، وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيث.
وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ قَالَ: ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا عَنْ الْعَمَل، فَلِهَذَا قَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ النَّدْب لَا الْإِيجَاب، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَطْبَقُوا عَلَى الْإِعْرَاض عَنْهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب غرز الخشب في جدار الجار
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب المساقاة ﴿ 29 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞