📁 آخر الأخبار

باب تحريم الكهانة واتيان الكهان

 

 باب تحريم الكهانة واتيان الكهان

 باب تحريم الكهانة واتيان الكهان


4133- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّان» وَفِي رِوَايَة: «سُئِلَ عَنْ الْكُهَّان فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه: كَانَتْ الْكِهَانَة فِي الْعَرَب ثَلَاثَة أَضْرِب: أَحَدهَا يَكُون لِلْإِنْسَانِ وَلِيّ مِنْ الْجِنّ يُخْبِرهُ بِمَا يَسْتَرِقهُ مِنْ السَّمْع مِنْ السَّمَاء، وَهَذَا الْقِسْم بَطَل مِنْ حِين بَعَثَ اللَّه نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 الثَّانِي أَنْ يُخْبِرهُ بِمَا يَطْرَأ أَوْ يَكُون فِي أَقْطَار الْأَرْض وَمَا خَفِيَ عَنْهُ مِمَّا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، وَهَذَا لَا يَبْعُد وُجُوده، وَنَفَتْ الْمُعْتَزِلَة وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ، وَأَحَالُوهُمَا، وَلَا اِسْتِحَالَة فِي ذَلِكَ، وَلَا بُعْد فِي وُجُوده، لَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ وَيُكَذِّبُونَ، وَالنَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالسَّمَاع مِنْهُمْ عَامّ.

 الثَّالِث الْمُنَجِّمُونَ، وَهَذَا الضَّرْب يَخْلُق اللَّه تَعَالَى فيه لِبَعْضِ النَّاس قُوَّة مَا، لَكِنَّ الْكَذِب فيه أَغْلَب، وَمِنْ هَذَا الْفَنّ الْعِرَافَة، وَصَاحِبهَا عَرَّاف، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلّ عَلَى الْأُمُور بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَات يَدَّعِي مَعْرِفَتهَا بِهَا، وَقَدْ يَعْتَضِد بَعْض هَذَا الْفَنّ بِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ وَالطُّرُق وَالنُّجُوم وَأَسْبَاب مُعْتَادَة.

 وَهَذِهِ الْأَضْرُب كُلّهَا تُسَمَّى كِهَانَة، وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ كُلّهمْ الشَّرْع، وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقهمْ وَإِتْيَانهمْ.

 وَاللَّهُ أَعْلَم.

قَوْله: «كُنَّا نَتَطَيَّر قَالَ: ذَاكَ شَيْء يَجِدهُ أَحَدكُمْ فِي نَفْسه فَلَا يَصُدَّنكُمْ» مَعْنَاهُ أَنَّ كَرَاهَة ذَلِكَ تَقَع فِي نُفُوسكُمْ فِي الْعَادَة، وَلَكِنْ لَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَمَّا كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ قَبْل هَذَا.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُرْوَة بْن عَامِر الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: ذَكَرْت الطِّيَرَة عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحْسَنهَا الْفَأْل، وَلَا يَرُدّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدكُمْ مَا يَكْرَه فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَع السَّيِّئَات إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء يَخُطّ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الصَّلَاة.

✯✯✯✯✯✯

‏4134- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْكَلِمَة الْحَقّ يَخْطَفهَا الْجِنِّيّ، فَيَقْذِفهَا فِي أُذُن وَلِيّه، وَيَزِيد فيها مِائَة كَذْبَة» أَمَّا (يَخْطَفهَا) فَبِفَتْحِ الطَّاء عَلَى الْمَشْهُور، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، وَفِي لُغَة قَلِيلَة كَسْرهَا، وَمَعْنَاهُ اِسْتَرَقَهُ وَأَخَذَهُ بِسُرْعَةٍ.

وَأَمَّا (الْكَذْبَة) فَبِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْرهَا وَالذَّال سَاكِنَة فيهمَا.

قَالَ الْقَاضِي: وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ الْكَسْر إِلَّا إِذَا أَرَادَ الْحَالَة وَالْهَيْئَة، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعهَا.

وَمَعْنَى (يَقْذِفهَا) يُلْقِيهَا.

✯✯✯✯✯✯

‏4135- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» مَعْنَاهُ بُطْلَان قَوْلهمْ، وَأَنَّهُ لَا حَقِيقَة لَهُ.

 وَفيه جَوَاز إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَى مَا كَانَ بَاطِلًا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْكَلِمَة مِنْ الْجِنّ يَخْطَفهَا فَيَقُرّهَا فِي أُذُن وَلِيّه قَرَّ الدَّجَاجَة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ بِبِلَادِنَا: «الْكَلِمَة مِنْ الْجِنّ» بِالْجِيمِ وَالنُّون، أَيْ الْكَلِمَة الْمَسْمُوعَة مِنْ الْجِنّ، أَوْ الَّتِي تَصِحّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنّ بِالْجِيمِ وَالنُّون، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق أَنَّهُ رُوِيَ هَكَذَا، وَرُوِيَ أَيْضًا (مِنْ الْحَقّ) بِالْحَاءِ وَالْقَاف.

وَأَمَّا قَوْله: (فَيَقُرّهَا) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْقَاف وَتَشْدِيد الرَّاء: «وَقَرّ الدَّجَاجَة» بِفَتْحِ الْقَاف.

 وَالدَّجَاجَة بِالدَّالِ الدَّجَاجَة الْمَعْرُوفَة.

قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب: الْقَرّ تَرْدِيد الْكَلَام فِي أُذُن الْمُخَاطَب حَتَّى يَفْهَمهُ، يَقُول: قَرَرْته فيه أَقُرّه قَرًّا.

 وَقَرّ الدَّجَاجَة صَوْتهَا إِذَا قَطَّعَتْهُ، يُقَال: قَرَّتْ تَقُرّ قَرًّا وَقَرِيرًا، فَإِنْ رَدَّدَتْهُ قُلْت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَة.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنِّيّ يَقْذِف الْكَلِمَة إِلَى وَلِيّه الْكَاهِن، فَتَسْمَعهَا الشَّيَاطِين كَمَا تُؤَذِّن الدَّجَاجَة بِصَوْتِهَا صَوَاحِبهَا فَتَتَجَاوَب.

قَالَ: وَفيه وَجْه آخَر، وَهِيَ أَنْ تَكَوُّن الرِّوَايَة: «كَقَرِّ الزُّجَاجَة» تَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «فَيَقُرّهَا فِي أُذُنه كَمَا تَقُرّ الْقَارُورَة» قَالَ: فَذِكْر الْقَارُورَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة يَدُلّ عَلَى ثُبُوت الرِّوَايَة بِالزُّجَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي: أَمَّا مُسْلِم فَلَمْ تَخْتَلِف الرِّوَايَة فيه أَنَّهُ الدَّجَاجَة بِالدَّالِ، لَكِنَّ رِوَايَة الْقَارُورَة تُصَحِّح الزُّجَاجَة.

قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ يَكُون لِمَا يُلْقِيه إِلَى وَلِيّه حِسّ كَحِسِّ الْقَارُورَة عِنْد تَحْرِيكهَا مَعَ الْيَد أَوْ عَلَى صَفَا.

✯✯✯✯✯✯

‏4136- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة صَالِح عَنْ اِبْن شِهَاب: «وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فيه وَيَزِيدُونَ» هَذِهِ اللَّفْظَة ضَبَطُوهَا مِنْ رِوَايَة صَالِح عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا بِالرَّاءِ، وَالثَّانِي بِالذَّالِ.

 وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيِّ وَابْن مَعْقِل الرَّاء بِاتِّفَاقِ النُّسَخ.

 وَمَعْنَاهُ يَخْلِطُونَ فيه الْكَذِب، وَهُوَ بِمَعْنَى يَقْذِفُونَ.

 وَفِي رِوَايَة يُونُس: (يَرْقَوْنَ) قَالَ الْقَاضِي: ضَبَطْنَاهُ عَنْ شُيُوخنَا بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء وَتَشْدِيد الْقَاف.

قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء.

قَالَ فِي الْمَشَارِق: قَالَ بَعْضهمْ: صَوَابه بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَفَتْح الْقَاف.

قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: وَمَعْنَاهُ مَعْنَى يَزِيدُونَ، يُقَال: رَقِيَ فُلَان إِلَى الْبَاطِل بِكَسْرِ الْقَاف أَيْ رَفَعَهُ، وَأَصْله مِنْ الصُّعُود، أَيْ يَدَّعُونَ فيها فَوْق مَا سَمِعُوا.

قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَصِحّ الرِّوَايَة الْأَوْلَى عَلَى تَضْعِيف هَذَا الْفِعْل وَتَكْثِيره.

 وَاللَّهُ أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏4137- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْء لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة» أَمَّا الْعَرَّاف فَقَدْ سَبَقَ بَيَانه، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة أَنْوَاع الْكُهَّان.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: الْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَة مَكَان الْمَسْرُوق، وَمَكَان الضَّالَّة، وَنَحْوهمَا.

وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلَاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا ثَوَاب لَهُ فيها وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة، وَنَظِير هَذِهِ الصَّلَاة فِي الْأَرْض الْمَغْصُوبَة مُجْزِئَة مُسْقِطَة لِلْقَضَاءِ، وَلَكِنْ لَا ثَوَاب فيها، كَذَا قَالَهُ جُمْهُور أَصْحَابنَا، قَالُوا: فَصَلَاة الْفَرْض وَغَيْرهَا مِنْ الْوَاجِبَات، إِذَا أُتِيَ بِهَا عَلَى وَجْههَا الْكَامِل تَرَتَّبَ عَلَيْهَا شَيْئَانِ، سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ، وَحُصُول الثَّوَاب.

 فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْض مَغْصُوبَة حَصَلَ الْأَوَّل دُون الثَّانِي، ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي هَذَا الْحَدِيث، فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَم مَنْ أَتَى الْعَرَّاف إِعَادَة صَلَوَات أَرْبَعِينَ لَيْلَة، فَوَجَبَ تَأْوِيله.

 وَاللَّهُ أَعْلَم.


 باب تحريم الكهانة واتيان الكهان


۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب السلام ﴿ 33 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞



كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات