باب بيان ان السنة يوم النحر ان يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الايمن من راس المحلوق
باب بيان ان السنة يوم النحر ان يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الايمن من راس المحلوق
2298- قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِله بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبه الْأَيْمَن ثُمَّ الْأَيْسَر ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيه النَّاس» هَذَا الْحَدِيث فيه فَوَائِد كَثِيرَة.
مِنْهَا بَيَان السُّنَّة فِي أَعْمَال الْحَجّ يَوْم النَّحْر بَعْد الدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة، وَهِيَ أَرْبَعَة أَعْمَال: رَمْي جَمْرَة الْعَقَبَة، ثُمَّ نَحْر الْهَدْي أَوْ ذَبْحه، ثُمَّ الْحَلْق أَوْ التَّقْصِير، ثُمَّ دُخُوله إِلَى مَكَّة فَيَطُوف طَوَاف الْإِفَاضَة، وَيَسْعَى بَعْده إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْد طَوَاف الْقُدُوم، فَإِنْ كَانَ سَعَى بَعْده كُرِهَتْ إِعَادَته، وَالسُّنَّة فِي هَذِهِ الْأَعْمَال الْأَرْبَعَة أَنْ تَكُون مُرَتَّبَة كَمَا ذَكَرْنَا لِهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح، فَإِنْ خَالَفَ تَرْتِيبهَا فَقَدَّمَ مُؤَخَّرًا أَوْ أَخَّرَ مُقَدَّمًا، جَازَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم بَعْد هَذَا: «اِفْعَلْ وَلَا حَرَج».
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ إِذَا قَدِمَ مِنًى أَلَّا يَعْرُج عَلَى شَيْء قَبْل الرَّمْي، بَلْ يَأْتِي الْجَمْرَة رَاكِبًا كَمَا هُوَ فَيَرْمِيهَا، ثُمَّ يَذْهَب فَيَنْزِل حَيْثُ شَاءَ مِنْ مِنًى.
وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب نَحْر الْهَدْي، وَأَنَّهُ يَكُون بِمِنًى، وَيَجُوز حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِقَاعِ الْحَرَم.
وَمِنْهَا أَنَّ الْحَلْق نُسُك، وَأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ التَّقْصِير، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ فيه الْبُدَاءَة بِالْجَانِبِ الْأَيْمَن مِنْ رَأْس الْمَحْلُوق، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَبْدَأ بِجَانِبِهِ الْأَيْسَر.
وَمِنْهَا طَهَارَة شَعْر الْآدَمِيّ، وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَمِنْهَا: التَّبَرُّك بِشَعْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَاز اِقْتِنَائِهِ لِلتَّبَرُّكِ.
وَمِنْهَا مُسَاوَاة الْإِمَام وَالْكَبِير بَيْن أَصْحَابه وَأَتْبَاعه فِيمَا يُفَرِّقهُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَطَاء وَهَدِيَّة وَنَحْوهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْم هَذَا الرَّجُل الَّذِي حَلَقَ رَأْس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع، فَالصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهُ مَعْمَر بْن عَبْد اللَّه الْعَدَوِيُّ، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْمَر بْن عَبْد اللَّه، وَقِيلَ: اِسْمه خِرَاش بْن أُمَيَّة بْن رَبِيعَة الْكُلَيْبِيُّ بِضَمِّ الْكَاف، مَنْسُوب إِلَى كُلَيْب بْن حَبَشِيَّة.
وَاَللَّه أَعْلَمبَاب مَنْ حَلَقَ قَبْل النَّحْر أَوْ نَحَرَ قَبْل الرَّمْي:قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه لَمْ أَشْعُر فَحَلَقْت قَبْل أَنْ أَنْحَر، فَقَالَ: اِذْبَحْ وَلَا حَرَج، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُل آخَر فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه لَمْ أَشْعُر فَنَحَرْت قَبْل أَنْ أَرْمِي، فَقَالَ: اِرْمِ وَلَا حَرَج، فَمَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: اِفْعَلْ وَلَا حَرَج» وَفِي رِوَايَة: «فَمَا سَمِعْته سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ أَمْر مِمَّا يَنْسَى الْمَرْء وَيَجْهَل مِنْ تَقْدِيم بَعْض الْأُمُور قَبْل بَعْض وَأَشْبَاههَا إِلَّا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اِفْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا حَرَج» وَفِي رِوَايَة: «حَلَقْت قَبْل أَنْ أَرْمِي قَالَ: اِرْمِ وَلَا حَرَج» وَفِي رِوَايَة: «قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْح وَالْحَلْق وَالرَّمْي وَالتَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، فَقَالَ: لَا حَرَج».
قَدْ سَبَقَ فِي الْبَاب قَبْله أَنَّ أَفْعَال يَوْم النَّحْر أَرْبَعَة: رَمْي جَمْرَة الْعَقَبَة، ثُمَّ الذَّبْح، ثُمَّ الْحَلْق، ثُمَّ طَوَاف الْإِفَاضَة.
وَأَنَّ السُّنَّة تَرْتِيبهَا هَكَذَا، فَلَوْ خَالَفَ وَقَدَّمَ بَعْضهَا عَلَى بَعْض جَازَ وَلَا فِدْيَة عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل ضَعِيف أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ الْحَلْق عَلَى الرَّمْي وَالطَّوَاف لَزِمَهُ الدَّم بِنَاء عَلَى قَوْله الضَّعِيف: أَنَّ الْحَلْق لَيْسَ بِنُسُك، وَبِهَذَا الْقَوْل هُنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك، وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَة، وَرِوَايَة شَاذَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ مَنْ قَدَّمَ بَعْضهَا عَلَى بَعْض لَزِمَهُ دَم.
وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، فَإِنْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد نَفْي الْإِثْم وَادَّعُوا أَنَّ تَأْخِير بَيَان الدَّم يَجُوز، قُلْنَا: ظَاهِر قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَرَج» أَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْك مُطْلَقًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَعْضهَا بِتَقْدِيمِ الْحَلْق عَلَى الرَّمْي كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحْر قَبْل الرَّمْي لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن الْعَامِد وَالسَّاهِي فِي ذَلِكَ فِي وُجُوب الْفِدْيَة وَعَدَمهَا، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِثْم عِنْد مَنْ يَمْنَع التَّقْدِيم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْبَحْ وَلَا حَرَج اِرْمِ وَلَا حَرَج» مَعْنَاهُ: اِفْعَلْ مَا بَقِيَ عَلَيْك وَقَدْ أَجُزْأَك مَا فَعَلَتْهُ، وَلَا حَرَج عَلَيْك فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
قَوْله: «فَمَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ» يَعْنِي مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الْأَرْبَعَة.
قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ يَخْطُب يَوْم النَّحْر فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل» وَفِي رِوَايَة: «وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُل» وَفِي رِوَايَة: «وَقَفَ عَلَى رَاحِلَته فَطَفِقَ نَاس يَسْأَلُونَهُ» وَفِي رِوَايَة: «وَهُوَ وَاقِف عِنْد الْجَمْرَة» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ بَعْضهمْ: الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ مَوْقِف وَاحِد، وَمَعْنَى خَطَبَ: عَلَّمَهُمْ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَل أَنَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدهمَا: وَقَفَ عَلَى رَاحِلَته عِنْد الْجَمْرَة، وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا: خَطَبَ، وَإِنَّمَا فيه أَنَّهُ وَقَفَ وَسُئِلَ، وَالثَّانِي: بَعْد صَلَاة الظُّهْر يَوْم النَّحْر وَقَفَ لِلْخُطْبَةِ فَخَطَبَ، وَهِيَ إِحْدَى خُطَب الْحَجّ الْمَشْرُوعَة يُعَلِّمهُمْ فيها مَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْمَنَاسِك.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي هُوَ الصَّوَاب، وَخُطَب الْحَجّ الْمَشْرُوعَة عِنْدنَا أَرْبَع أَوَّلهَا: بِمَكَّة عِنْد الْكَعْبَة فِي الْيَوْم السَّابِع مِنْ ذِي الْحَجَّة، وَالثَّانِيَة: بِنَمِرَةِ يَوْم عَرَفَة، وَالثَّالِثَة: بِمِنًى يَوْم النَّحْر، وَالرَّابِعَة: بِمِنًى فِي الثَّانِي مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق، وَكُلّهَا خُطْبَة فَرْدَة، وَبَعْد صَلَاة الظُّهْر إِلَّا الَّتِي بِنَمِرَةِ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ، وَقَبْل صَلَاة الظُّهْر وَبَعْد الزَّوَال.
وَقَدْ ذَكَرْت أَدِلَّتهَا كُلّهَا مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي شَرْح الْمُهَذِّب.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2301- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2302- قَوْله: «وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَته فَطَفِقَ نَاس يَسْأَلُونَهُ» هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْقُعُود عَلَى الرَّاحِلَة لِلْحَاجَةِ.
باب بيان ان السنة يوم النحر ان يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الايمن من راس المحلوق
باب بيان ان السنة يوم النحر ان يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الايمن من راس المحلوق