باب اطعام المملوك مما ياكل والباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه
باب اطعام المملوك مما ياكل والباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه
3139- قَوْله: (عَنْ الْمَعْرُور بْن سُوَيْدٍ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَة.
قَوْله فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ: «كَانَ بَيْنِي وَبَيْن رَجُل مِنْ إِخْوَانِي كَلَام، وَكَانَتْ أُمّه أَعْجَمِيَّة، فَعَيَّرْته بِأُمِّهِ، فَلَقِيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرّ إِنَّك اِمْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّة» أَمَّا قَوْله: «رَجُل مِنْ إِخْوَانِي» فَمَعْنَاهُ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَإِنَّمَا قَالَ: «مِنْ إِخْوَانِي»؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إِخْوَانكُمْ خَوَلُكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْت يَده».
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيك جَاهِلِيَّة» أَيْ هَذَا التَّعْيِير مِنْ أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة، فَفِيك خُلُق مِنْ أَخْلَاقهمْ، وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكُون فيه شَيْء مِنْ أَخْلَاقهمْ، فَفيه النَّهْي عَنْ التَّعْيِير وَتَنْقِيص الْآبَاء وَالْأُمَّهَات، وَأَنَّهُ مِنْ أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: «قُلْت يَا رَسُول اللَّه، مَنْ سَبَّ الرِّجَال سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمّه، قَالَ: يَا أَبَا ذَرّ إِنَّك اِمْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّة» مَعْنَى كَلَام أَبِي ذَرّ: الِاعْتِذَار عَنْ سَبّه أُمّ ذَلِكَ الْإِنْسَان، يَعْنِي أَنَّهُ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّ إِنْسَانًا سَبَّ ذَلِكَ الْإِنْسَان أَبَا السَّابّ وَأُمّه، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هَذَا مِنْ أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة، وَإِنَّمَا يُبَاح لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَسُبّ السَّابّ نَفْسه بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ، وَلَا يَتَعَرَّض لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ إِخْوَانكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» الضَّمِير فِي: «هُمْ إِخْوَانكُمْ» يَعُود إِلَى الْمَمَالِيك، وَالْأَمْر بِإِطْعَامِهِمْ مِمَّا يَأْكُل السَّيِّد، وَإِلْبَاسهمْ مِمَّا يَلْبَس مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى الْإِيجَاب، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا فِعْل أَبِي ذَرّ فِي كِسْوَة غُلَامه مِثْل كِسْوَته فَعَمَلٌ بِالْمُسْتَحَبِّ، وَإِنَّمَا يَجِب عَلَى السَّيِّد نَفَقَة الْمَمْلُوك وَكِسْوَته بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَان وَالْأَشْخَاص، سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْس نَفَقَة السَّيِّد وَلِبَاسه، أَوْ دُونه، أَوْ فَوْقه حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّد عَلَى نَفْسه تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَة أَمْثَاله إِمَّا زُهْدًا، وَإِمَّا شُحًّا، لَا يَحِلّ لَهُ التَّقْتِير عَلَى الْمَمْلُوك، وَإِلْزَامه وَمُوَافَقَته إِلَّا بِرِضَاهُ، وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُكَلِّفهُ مِنْ الْعَمَل مَا لَا يُطِيقهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَزِمَهُ إِعَانَته بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ.
قَوْله: «فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبهُ فَلْيَبِعْهُ» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ» وَهَذِهِ الثَّانِيَة هِيَ الصَّوَاب الْمُوَافِقَة لِبَاقِي الرِّوَايَات، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُل الْمَسْبُوب هُوَ بِلَال الْمُؤَذِّن.
✯✯✯✯✯✯
3141- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامه وَكِسْوَته وَلَا يُكَلَّف مِنْ الْعَمَل إِلَّا مَا يُطِيق» هُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ، و«الْكِسْوَة» بِكَسْرِ الْكَاف وَضَمّهَا لُغَتَانِ، الْكَسْر أَفْصَح، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، وَنَبَّهَ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة عَلَى سَائِر الْمُؤَن الَّتِي يَحْتَاج إِلَيْهَا الْعَبْدُ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3142- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُمْ خَادِمه طَعَامه ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِيَ حَرّه وَدُخَانه فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَام مَشْفُوهًا قَلِيلًا فَلْيَضَعْ فِي يَده مِنْهُ أُكْلَة أَوْ أُكْلَتَيْن» قَالَ دَاوُدُ: يَعْنِي لُقْمَة أَوْ لُقْمَتَيْنِ.
أَمَّا الْأُكْلَة فَبِضَمِّ الْهَمْزَة وَهِيَ اللُّقْمَة، كَمَا فَسَّرَهُ، وَأَمَّا الْمَشْفُوه فَهُوَ الْقَلِيل؛ لِأَنَّ الشِّفَاه كَثُرَتْ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ قَلِيلًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَشْفُوهًا قَلِيلًا» أَيْ: قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الْحَثّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَالْمُوَاسَاة فِي الطَّعَام، لاسيما فِي حَقِّ مَنْ صَنَعَهُ أَوْ حَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرّه وَدُخَانه، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ نَفْسه، وَشَمَّ رَائِحَته، وَهَذَا كُلّه مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب.
باب اطعام المملوك مما ياكل والباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأيمان ﴿ 10 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞