باب الطيب والسواك يوم الجمعة
باب الطيب والسواك يوم الجمعة
1400- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَمْرو بْن سَوَاد: «غُسْل يَوْم الْجُمُعَة عَلَى كُلّ مُحْتَلِم وَسِوَاك وَيَمَسّ مِنْ الطِّيب مَا قَدَرَ عَلَيْهِ» هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الْأُصُول: «غُسْل يَوْم الْجُمُعَة عَلَى كُلّ مُحْتَلِم» وَلَيْسَ فيه ذِكْر وَاجِب.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَسِوَاك وَيَمَسّ مِنْ الطِّيب» مَعْنَاهُ: وَيُسَنّ السِّوَاك وَمَسُّ الطِّيب، وَيَجُوز: «يَمَسّ» بِفَتْحِ الْمِيم وَضَمّهَا.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَدَرَ عَلَيْهِ».
قَالَ الْقَاضِي: مُحْتَمِل لِتَكْثِيرِهِ وَمُحْتَمِل لِتَأْكِيدِهِ حَتَّى يَفْعَلهُ بِمَا أَمْكَنَهُ وَيُؤَيِّدهُ.
قَوْله: «وَلَوْ مِنْ طِيب الْمَرْأَة» وَهُوَ الْمَكْرُوه لِلرِّجَالِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنه وَخَفِيَ رِيحه فَأَبَاحَهُ لِلرَّجُلِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْره، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَأْكِيده، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
1403- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة غُسْل الْجَنَابَة» مَعْنَاهُ: غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَة فِي الصِّفَات.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا فِي كُتُب الْفِقْه: الْمُرَاد غُسْل الْجَنَابَة حَقِيقَة، قَالُوا: وَيُسْتَحَبّ لَهُ مُوَاقَعَة زَوْجَته لِيَكُونَ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَسْكَنَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا ضَعِيف أَوْ بَاطِل، وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَة، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَة» الْمُرَاد بِالرَّوَاحِ الذَّهَاب أَوَّل النَّهَار.
وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف مَشْهُور.
مَذْهَب مَالِك وَكَثِير مِنْ أَصْحَابه وَالْقَاضِي حُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَات لَطِيفَة بَعْد زَوَال الشَّمْس، وَالرَّوَاح عِنْدهمْ بَعْد الزَّوَال وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة.
وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير أَصْحَابه وَابْن حَبِيب الْمَالِكِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء اِسْتِحْبَاب التَّبْكِير إِلَيْهَا أَوَّل النَّهَار، وَالسَّاعَات عِنْدهمْ مِنْ أَوَّل النَّهَار، وَالرَّوَاح يَكُون أَوَّل النَّهَار وَآخِره، قَالَ الْأَزْهَرِيّ: لُغَة الْعَرَب الرَّوَاح الذَّهَاب سَوَاء كَانَ أَوَّل النَّهَار أَوْ آخِره أَوْ فِي اللَّيْل.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يَقْتَضِيه الْحَدِيث وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَة تَكْتُب مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَة الْأُولَى وَهُوَ كَالْمُهْدِي بَدَنَة، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة ثُمَّ الثَّالِثَة ثُمَّ الرَّابِعَة ثُمَّ الْخَامِسَة وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ السَّادِسَة، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَام طَوَوْا الصُّحُف، وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْد ذَلِكَ أَحَدًا، وَمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج إِلَى الْجُمُعَة مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَهُوَ بَعْد اِنْفِصَال السَّادِسَة، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْء مِنْ الْهَدْي وَالْفَضِيلَة لِمَنْ جَاءَ بَعْد الزَّوَال، وَلِأَنَّ ذِكْر السَّاعَات إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ فِي التَّبْكِير إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيب فِي فَضِيلَة السَّبَق وَتَحْصِيل الصَّفّ الْأَوَّل وَانْتِظَارهَا وَالِاشْتِغَال بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْر وَنَحْوه، وَهَذَا كُلّه لَا يَحْصُل بِالذَّهَابِ بَعْد الزَّوَال، وَلَا فَضِيلَة لِمَنْ أَتَى بَعْد الزَّوَال؛ لِأَنَّ النِّدَاء يَكُون حِينَئِذٍ وَيَحْرُم التَّخَلُّف بَعْد النِّدَاء، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا هَلْ تَعْيِين السَّاعَات مِنْ طُلُوع الْفَجْر أَمْ مِنْ طُلُوع الشَّمْس؟ وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ مِنْ طُلُوع الْفَجْر، ثُمَّ إِنَّ مَنْ جَاءَ فِي أَوَّل سَاعَة مِنْ هَذِهِ السَّاعَات وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرهَا مُشْتَرَكَانِ فِي تَحْصِيل أَصْل الْبَدَنَة وَالْبَقَرَة وَالْكَبْش، وَلَكِنْ بَدَنَة الْأَوَّل أَكْمَل مِنْ بَدَنَة مَنْ جَاءَ فِي آخِر السَّاعَة، وَبَدَنَة الْمُتَوَسِّط مُتَوَسِّطَة، وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاة الْجَمَاعَة تَزِيد عَلَى صَلَاة الْمُنْفَرِد بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة، وَمَعْلُوم أَنَّ الْجَمَاعَة تُطْلَق عَلَى اِثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوف، فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَة هُمْ عَشْرَة آلَاف لَهُ سَبْع وَعِشْرُونَ دَرَجَة، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اِثْنَيْنِ لَهُ سَبْع وَعِشْرُونَ، لَكِنْ دَرَجَات الْأَوَّل أَكْمَل، وَأَشْبَاه هَذَا كَثِير مَعْرُوفَة وَفِيمَا ذَكَرْته جَوَاب عَنْ اِعْتِرَاض ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَة، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَة، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الثَّالِثَة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الرَّابِعَة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَة وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الْخَامِسَة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَة، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَام حَضَرَتْ الْمَلَائِكَة يَسْتَمِعُونَ الذِّكْر» أَمَّا لُغَات هَذَا الْفَصْل فَمَعْنَى: «قَرَّبَ» تَصَدَّقَ.
وَأَمَّا: «الْبَدَنَة» فَقَالَ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء: يَقَع عَلَى الْوَاحِدَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنهَا، وَخَصَّهَا جَمَاعَة بِالْإِبِلِ، وَالْمُرَاد هُنَا الْإِبِل بِالِاتِّفَاقِ لِتَصْرِيحِ الْأَحَادِيث بِذَلِكَ.
وَالْبَدَنَة وَالْبَقَرَة يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِهِمْ، وَالْهَاء فيها لِلْوَاحِدَةِ كَقَمْحَةٍ وَشَعِيرَة وَنَحْوهمَا مِنْ أَفْرَاد الْجِنْس.
وَسُمِّيَتْ بَقَرَة لِأَنَّهَا تَبْقُر الْأَرْض أَيْ تَشُقّهَا بِالْحِرَاثَةِ.
وَالْبَقْر: الشَّقّ وَمِنْهُ قَوْلهمْ: بَقَرَ بَطْنه، وَمِنْهُ سُمِّيَ مُحَمَّد الْبَاقِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْم وَدَخَلَ فيه مَدْخَلًا بَلِيغًا، وَوَصَلَ مِنْهُ غَايَة مَرْضِيَّة.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبْشًا أَقْرَنَ».
وَصَفَهُ بِالْأَقْرَنِ لِأَنَّهُ أَكْمَل وَأَحْسَن صُورَة وَلِأَنَّ قَرْنه يُنْتَفَع بِهِ.
وَالدَّجَاجَة بِكَسْرِ الدَّال وَفَتْحهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَيَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى، وَيُقَال: حَضَرَتْ الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ بِفَتْحِ الضَّاد وَكَسَرَهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْح أَفْصَح وَأَشْهَر، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَة} وَأَمَّا فِقْه الْفَصْل فَفيه: الْحَثّ عَلَى التَّبْكِير إِلَى الْجُمُعَة وَأَنَّ مَرَاتِب النَّاس فِي الْفَضِيلَة فيها وَفِي غَيْرهَا بِحَسَبِ أَعْمَالهمْ، وَهُوَ مِنْ بَاب قَوْل اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ} وَفيه: أَنَّ الْقُرْبَان وَالصَّدَقَة يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ بَعْد الْكَبْش: «بَطَّة ثُمَّ دَجَاجَة ثُمَّ بَيْضَة» وَفِي رِوَايَة بَعْد الْكَبْش: «دَجَاجَة ثُمَّ عُصْفُور ثُمَّ بَيْضَة» وَإِسْنَادَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ.
وَفيه: أَنَّ التَّضْحِيَة بِالْإِبِلِ أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْإِبِل وَجَعَلَ الْبَقَرَة فِي الدَّرَجَة الثَّانِيَة، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَر فِي الْهَدَايَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُضْحِيَّة فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْجُمْهُور أَنَّ الْإِبِل، أَفْضَل ثُمَّ الْبَقَر ثُمَّ الْغَنَم كَمَا فِي الْهَدَايَا، وَمَذْهَب مَالِك أَنَّ أَفْضَل الْأُضْحِيَّة الْغَنَم ثُمَّ الْبَقَر ثُمَّ الْإِبِل قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، وَحُجَّة الْجُمْهُور ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث وَالْقِيَاس عَلَى الْهَدَايَا، وَأَمَّا تَضْحِيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَلْزَم مِنْهَا تَرْجِيح الْغَنَم؛ لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَمَكَّن ذَلِكَ الْوَقْت إِلَّا مِنْ الْغَنَم أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَاز، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَضَرَتْ الْمَلَائِكَة يَسْتَمِعُونَ» قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة غَيْر الْحَفَظَة وَظِيفَتهمْ كِتَابَة حَاضِرِي الْجُمُعَة.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجمعة ﴿ 3 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞