باب العين والياء وما يثلثهما
باب العين والياء وما يثلثهما
(عيب) العين والياء والباء أصلٌ صحيح، فيه كلمتان:
إحداهما العَيب والأخرى العَيْبة، وهما متباعدتان.
تقول:
عابَ فلان فلاناً يَعيبُه.
ورجلٌ عَيَّابةٌ:
وَقَّاعٌ في الناس.
وعابَ الحائطُ وغيرهُ، إذا ظهر فيه عَيب.
والعاب:
العيب.
والكلمة الأخرى العَيْبَة:
عَيْبَة الثيابِ وغيرها، وهي عربيَّة صحيحة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"الأنصارُ كَرِشي وعيْبَتِي"، ضربها لهم مثلاً، كأنهم موضعُ سِرّه والذين يأمَنُهم على أمره.
(عيث) العين والياء والثاء أصلان صحيحان متقاربان، أحدهما:
الإسراع في الفساد، والآخَر تطلُّب الشيء على غير بَصيرة.
فالأوّل قولهم:
عاثَ يَعِيث، إذا أسرع في الفساد.
ويقولون:
هو أعْيَثُ الناسِ في ماله.
والذِّئب يَعيث في الغَنم، لا يأخذ منها شيئاً إلاّ قتلَه.
قال:
قد قلتُ للذِّئبِ أيا خبيثُ
***
والذّئب وسْطَ غنمي يَعِيثُ والأصل الآخر:
التَّعييث، قال الخليل:
هو طلب الأعمى للشيء والرَّجُلِ في الظُّلمة.
ومنه التعييث:
إدخال اليد في الكِنانة تطلُب سهْماً.
قال أبو ذؤيب:
وبدا لـه أقرابُ هادٍ رائغٍ
***
عجِلٍ فَعيَّث في الكنانة يُرْجِعُ وقال ابن أبي عائذ:
فعيَّثَ ساعةَ أقفَرنَه
***
بالايفاقِ والرَّمْي أو باستلالِ
(عيج) العين والياء والجيم أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على إقبال واكتراثٍ للشيء.
يقولون:
ما عِجْتُ *بقول فلانٍ، أي لم أصَدِّقْه ولم أُقْبِلْ عليه.
وما أَعِيج بشيء يأتيني مِن قِبَلِه.
قال النابغة:
فما رأيت لها شيئاً أَعِيجُ به
***
إلا الثُّمامَ وإِلاّ موقدَ النّارِ
(عيد) العين والياء والدال قد مضى ذكره في محلِّه، لأن ذلك هو الأصل.
(عير) العين والياء والراء أصلانِ صحيحان، يدل أحدُهما على نتوِّ الشيء وارتفاعه، والآخر على مجيءٍ وذَهاب.
فالأوَّل العَيْر، وَهو العَظْم الناتئ وَسْط الكتِف، والجمع عُيورة.
وعير النَّصل:
حرف في وَسَطه كأنّه شَظِيّة.
وقال:
فصادف سَهْمُهُ أحجارَ قُفٍّ
***
كَسَرْنَ العَيْرَ منه وَالغِرارا والغِرار:
الحَدّ.
وَالعَيْر في القَدَم:
العظم النّاتئ في ظهر القَدَم.
وحُكي عن الخليل:
العير:
سَيِّد القوم.
وهذا إن كان صحيحاً فهو القياس، وذلك أنّه أرفَعُهم منزلةً وأنْتَأ.
قال:
ولو رأيتَ في صخرةٍ نتوءاً، أي حرفاً ناتئاً خِلقةً، كان ذلك عَيْراً.
والأصل الآخر العَيْر:
الحِمار الوحشيّ والأهليّ، والجمع الأعيار والمعيوراء.
وإنما سمي عَيْرَاً لتردُّده ومجيئِه وذَهابه.
قال الخليل:
وكلماتٌ جاءت في الجمع عن العرب في مفعولاء:
المَعْيوراء، والمَعْلوجاء، والمَشيُوخاء.
قال:
ويقولون مَشْيَخَة على مَفْعَلَة.
ولم يقولوا مثلَه في شيءٍ من الجمع.
ومما جاء من الأمثال في العَيْر:
"إذا ذَهَبَ عَيْرٌ فعَيْرٌ في الرِّباط".
وإنسان العَينِ عَيرٌ، يسمِّى لما قلناه من مجيئه وذَهابه وَاضطرابِه.
وقال الخليل:
في أمثالهم:
"جاء فلانٌ قيل عَيْرٍ وما جَرَى" يريدون به السُّرعة، أي قبل لحظِ العين.
وَأنشد لتأبّط شرَّاً:
ونار قد حضأتُ بُعيد هُدءٍ
***
بدارٍ ما أُريدُ بها مُقاما سوى تحليلِ راحلةٍ وعيرٍ
***
أُغالِبُه مخافةً أن يناما وقال الحارث بن حِلّزة:
زعموا أنّ كل من ضرب العيـ
***
ـرَ مُوَالٍ لنا وَأنَّى الوَلاء أي أنّ كلّ من طرف جفنٌ [له] على عَيرٍ، وَهو إنسان العين.
والعِيار:
فِعلُ الفرس العائر.
يقال:
عَار يَعير، وهو ذَهَابُه كأنّهُ متفلِّتٌ من صاحبه يتردّد.
وقصيدةٌ عائرة:
سائرة.
وما قالت العربُ بيتاً أعيَرَ من قوله:
فمن يلقَ خيراً يحمَدِ الناسُ أمرَه
***
ومن يَغْوِ لا يَعْدَم على الغَيِّ لائما يعني بيتاً أسيَرَ.
(عيس) العين والياء والسين كلمتان:
إحداهما لونٌ أبيض مُشْرَبٌ، والأخرى عَسْب الفحل.
قال الخليل:
العَيَس والعِيسَة:
لونٌ أبيضٌ مشربٌ صفاءً في ظلمةٍ خفيَّة.
جملٌ أعْيَسُ وناقةٌ عيساء؛ والجمع عِيس.
قال أبو دُواد:
وعيـس قـد بَـرَاها لــ
***
ـذّة المَوْكِب والشَّرْبِ وقال آخر في وصف الثَّور:
* وعانَقَ الظِّلَّ الشّبُوبُ الأعْيَسُ *
قال:
والعرب قد خصّت بالعَيَس الإِبل العِرَاب البيضَ خاصّة.
والعِيسَة في أصل البناء الفُعْلة، على قياس الصُّهْبَة والكُمْتة، ولكن كسرت العين لأجل الياء بعدها.
ويقولون:
ظبيٌ أعْيَسٌ.
وفي الذي ذكره في الظَّبي والشّبوب الأعيس، خلافٌ لما قالَه من أنّ العرب خَصّت بالعَيَسِ الإِبلَ العِرَابَ البيضَ خاصّة.
والكلمة الأخرى العيْس:
ماء الفحل.
قال الخليل:
العَيْس:
عَسْب الفحل، وهو ضِرابُه.
يقال:
لا تأخُذْ على عَيْس جملِك أجراً.
وهذا الذي ذكره الخليلُ أصحُّ.
(عيش) العين والياء والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على حياةٍ وبقاء، قال الخليل:
العيش:
الحياة.
والمعيشة:
الذي يعيش بها الإنسان:
من مطعمٍ ومشربٍ وما تكون به الحياة.
والمعيشة:
اسمٌ لما يعاش به.
وهو في عِيشةٍ ومَعيشةٍ صالحة.
والعِيشة مثل الجِلْسة والمِشْية.
والعَيْش:
المصدر الجامع.
والمعاش يجري مجرى العَيْش.
تقول عاشَ يَعِيشُ عَيْشاً ومعاشاً.
وكلُّ شيء يُعاش به أو فيه فهو مَعاشٌ.
قال الله تعالى:
{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ 11]، والأرضُ مَعاشٌ للخلق، فيها يلتمسون معايِشَهم.
وذكر الخليل أنّ المعيشَ بطرح الهاء يقوم في الشِّعر مقامَ المَعيشة، *وأنشد لحُميد:
إزاءُ مَعِيشٍ ما تحلُّ إزارها
***
من الكَيْسِ فيها سَوْرَة وهي قاعدُ والناس يروونه:
"إزاءُ مَعاشٍ".
وقال بعضهم:
عاش فلانٌ عَيْشُوشةً صالحة، وإنّهم لمتعيِّشون، إذا كانت لهم بُلْغةٌ من عَيش.
ورجل عائِشٌ، إذا كانت حالُه حسنةً.
(عيص) العين والياء والصاد أصلٌ صحيح، وهو المَنْبِت.
قال الخليل.
العِيص:
مَنْبِت خِيارِ الشَّجر.
قال:
وأعياص قُريش:
كرامهم يتناسبون إلى عِيصٍ.
وأعياصٌ وعيصٌ في آبائهم.
وذكَر أيضاً المَعيص، وقال:
كالمَنْبِت.
وقال العجّاج في العِيص:
* من عِيصِ مَرْوانَ إلى عِيصٍ غِطَمّْ * وقال جرير:
فما شَجراتُ عَيصِكَ في قريشٍ
***
بعَشَّات الفروعِ ولا ضَواحِ
(عيط) العين والياء والطاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على ارتفاعٍ، والآخَر [على] تتبُّع شيء.
فالأوّل العَيَط، وهو مصدر الأعْيَط، وهو الطَّويل الرأسِ والعنُق.
ويقال ناقة عيطاءُ وجملٌ أعيط، والجمع العِيط.
قال الخليل:
وتُوصَف به حُمُر الوَحْش.
قال العجّاجُ يصفُ الفرسَ بأنّه يَعْقِر عِيطاً:
فهو يَكُبُّ العِيطَ منها للذقَن
***
بأرَنٍ أو بشبيهٍ بالأرَنْ والأرَنّ:
النَّشاط حَتّى يكون كالمجنون.
ويقال للقارَةِ المستطيلة في السّماء جداً:
إنها لَعَيطاء.
وكذلك القَصْر المُنيف أعيطُ.
قال أمية:
نحن ثقيفٌ عِزُّنا منيعُ
***
أعْيَطُ صَعْبُ المرتَقَى رفيعُ ومما يجوز أن يُقاسَ على هذا النّاقةُ التي لم تَحْمِل سنواتٍ من غير عُقْر، يقال قد اعتاطت، وذلك أنها تَرَفَّعُ وتتعَالى عن الحمل.
قالوا:
وربَّما كان اعتياطُها من كثرة شَحْمها.
وتعتاطُ المرأةُ أيضاً.
ويقال:
ناقةٌ عائط، وقد عَاطت تَعِيط عِياطاً في معنى حائل، في نوق عِيطٍ وعوائط.
وقال:
وبالبُزْلٍ قد دمّها نِيُّها
***
وذاتِ المُدارأة العائط والمصدر أيضاً عُوطَطٌ وعُوطة.
والأصل الآخر التعيُّط.
نَتْعُ الشّيء من حَجرٍ أو عودٍ، يخرج منه شِبهُ ماءٍ فيُصمِّغ أو يَسِيل.
وذِفْرَى الجمل يتعيَّط بالعرق.
قال:
تَعَيَّطُ ذِفراها بجَونٍ كأنّه
***
كُحَيْلٌ جَرَى منها على اللِّيتِ واكفُ
(عيف) العين والياء والفاء أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على كراهة.
من ذلك قولُهم:
عافَ الشَّيء يَعافه عِيافاً، إذا كره، من طعامٍ أو شراب.
والعُيوف من الإبل:
الذي يَشَمّ الماءَ وهو عطشانُ فيدعُه، وذلك لأنّه يتكرّهُه.
وربما جُهِد فشرِبَه.
قال ابن [أبي] ربيعة:
فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها
***
عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ ومن هذا القياس عِيافةُ الطَّير، وهو زَجْرُها.
وهو من الكراهة أيضاً، وذلك أن يرى غُراباً أو طائراً غيرَه أو غير ذلك فيتطيَّر به.
وربّما قالوا للمتكهِّن عائف.
قال الأعشى:
ما تَعِيفُ اليومَ في الطَّيْرِ الرَّوَحْ
***
من غُرابِ الطَّيرِ أو تيسٍ بَرَحْ وقال:
* لقَدْ عَيْثَرْتَ طيْرَكَ لو تعيفُ *
(عيق) العين والياء والقاف لم يذكر الخليل فيه شيئاً، وهو صحيح.
يقولون:
العَيقة:
ساحل البحر.
قال الهذلي:
[سادٍ تجرَّمَ في البَضِيع ثمانياً
***
يُلوِي بعَيقاتِ البِحارِ ويُجنَبُ] وقد أومأ الخليل إلى أنَّ هذا مستعمل، وليس من المهمل، فقال في كتابه:
عَيُّوق فَيْعُول، يحتمل أن يكون بناؤه من عَوق ومن عيق، لأنّ الياء والواو في ذلك سواء.
فقد أعْلَمَ أنّ البناءَ مستعملٌ، أعني العين والياء والقاف.
(عيك) العين والياء والكاف.
لم يذكر الخليل فيه شيئاً، وهو بناء جيِّد وإن لم يجئْ فيه كلامٌ، لكنّ العَيكَتين:
موضعٌ في بلاد العرب معروف.
([عيل) العين والياء واللام، ليس ] فيه إلاّ ما هو منقلب عن واو.
العيْلة:
الفاقة والحاجة، يقال عالَ يَعِيل عَيْلةً، إذا احتاج.
قال الله تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة 28]، وفي الحديث:
"ما عالَ مقتصد".
وقال:
* مَن عال مِنَّا بَعدها فَلاَ انْجَبَر * وعَيْلان:
اسم.
(عيم) العين والياء والميم كلمةٌ واحدة صحيحة، وهي شهوةُ اللَّبَن:
يقال للذي اشْتَهَى اللّبَن عَيْمَانُ، والمرأة عَيْمَى.
تقول:
عِمْتُ إلى *اللبن عَيْمَة وعَيَماً شديداً قال الخليل:
وكلُّ مصدرٍ مثلِ هذا ممّا يكون لِفَعْلان وفَعْلَى، فإذا أنّثت المصدر قلته على فَعْلة خفيفة، وإذا ثقّلتَ فَعَلَى فَعَل، نحو الحَيَر والحَيْرة.
وجمع العَيْمان عَيامَى وَعِيام.
(عين) العين والياء والنون أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على عُضوٍ به يُبْصَر ويُنظَر، ثم يشتقُّ منه، والأصلُ في جميعه ما ذكرنا.
قال الخليل:
العين النّاظرة لكلِّ ذي بَصَر.
والعين تجمع على أعيُن وعُيون وأعيان.
قال الشاعر:
فقد أرُوعُ قلوبَ الغانياتِ به
***
حَتّى يَمِلْنَ بأجيادٍ وأعيانِ وقال:
* فقد قرَّ أعيانَ الشَّوامِتِ أنّهم * وربّما جمعوا أعيُنا على أعيناتٍ.
قال:
* بأعينُات لم يخالطها قَذَى * وعَيْنُ القَلْب مثَل على معنى التشبيه.
ومن أمثال العرب في العين، قولهم:
"ولا أفعَلُه ما حَمَلتْ عيني الماء"، أي لا أفعله أبداً.
ويقولون:
"عَينٌ بها كلُّ داء" للكثير العيوب.
ويقال:
رجلٌ شديد جَفْنِ العين، إذا كان صبوراً على السَّهَر.
ويقال:
عِنْتُ الرّجلَ، إذا أصبتَه بعينك، فأنا أعينُه عَيْنا، وهو مَعْيون.
قال:
قد كان قومُك يحسبونك [سيّداً
***
وإخال أنّكَ] سيِّدٌ مَعيونُ ورجل عَيُونٌ ومِعيانٌ:
خبيث العين.
والعائن:
الذي يَعِين، ورأيت الشَّيء عِياناً، أي معايَنة.
ويقولون:
لقيتُه عَيْنَ عُنَّة، أي عِياناً.
وصنعت ذاك عَمْدَ عَيْنٍ، إذا تعمّدتَه.
والأصل فيه العين الناظرة، أي إنّه صنع ذلك بعينِ كلِّ مَن رآه.
وهو عَبْدُ عينٍ، أي يَخدُم ما دام مولاه يراه.
ويقال للأمر يَضِحُ:
"بيَّنَ الصُّبحُ لذي عَينَين".
ومن الباب العين:
الذي تبعثُه يتجسَّس الخبرَ، كأنَّه شيءٌ تَرَى به ما يَغِيب عنك.
ويقال:
رأيتُهم أدنى عائنةٍ، أي قَبْلَ كلِّ أحدٍ، يريد -والله أعلم- قبل كلِّ نَفْسٍ ناظرة.
ويقال:
اذهَبْ فاعتَنْ لنا، أي انظُرْ.
ويقال:
ما بها عَيَنٌ، متحركة الياء، تريد أحداً له عين، فحرّكت الياء فرقاً.
قال:
* ولا عيَناً إلاَّ نَعَاماً مشمِّراً * فأمَّا قولهم:
اعتَانَ لنا منزلاً، أي ارتادَه، فإِنَّهم لم يفسِّروه.
والمعنى أنّه نظر إلى المنازل بعينه ثم اختار.
ومن الباب العين الجاريةُ النّابعة من عيون الماء، وإنّما سمِّيت عيناً تشبيهاً لها بالعين النّاظرةِ لصفائها ومائها.
ويقال:
قد عانَت الصّخرةُ، وذلك إذا كانَ بها صَدعٌ يخرج منه الماء.
ويقال:
حَفَر فأعْيَن وأعان.
ومن الباب العين:
السَّحاب ما جاءَ من ناحية القبلة، وهذا مشبَّه بمشبَّه، لأنَّه شُبِّه بعين الماء التي شبِّهت بعين الإنسان.
يقولون:
إذا نشأ السَّحاب من قِبَل العين فلا يَكاد يُخلف.
قال ابن الأعرابيّ:
يقال هذا مطَر العين، ولا يقال مُطِرنا بالعَين.
وعَين الشَّمس مشبه بعين الإنسان.
قال الخليل:
عين الشَّمس:
صَيْخَدُها المستدير.
ومن الباب ماءٌ عائن، أي سائل.
ومن الباب عَيْنُ السِّقاء.
قال الخليل:
يقال للسِّقاء إذا بَلِي ورقَّ موضعٌ منه:
قد تعيَّن.
وهذا أيضاً من العَين، لأنه إذا رقّ قرُب من التخرُّق فصار السِّقاء كأنّه يُنظر به.
وأنشد ثعلب:
قالت سُليمَى قولةً لرِيدِها
***
ما لابنِ عمِّي صادراً من شِيدها بذات لَوثٍ عينُها في جيدها أراد قربةً قد تعيَّنت في جِيدها.
ويقال سِقاء عَيَّنٌ، إذا كانت فيه كالعُيون، وهو الذي قد ذكرناه.
وأنشد:
* ما بالُ عينِي كالشَّعيب العَيَّنِ * وقالوا في قول الطرِمَّاح:
فأَخْضَلَ منها كلَّ بالٍ وعَيِّنٍ
***
وجَفَّ الرَّوايا بالمَلاَ المتباطنِ إنّ العيِّن الجَديد بلغة طيٍّ.
وهذا عندنا مما لا معنَى له، إنّما العيِّن الذي به عُيون، وهي التي ذكرناها من عيون السِّقاء.
وإنّما غَلِط القومُ لأنّهم رأوا بَالِياً وعيّناً، فذهبوا إلى أنّ الشاعر أراد كلَّ جديدٍ وبال.
وهذا خطأ، لأنّ البالي الذي بليَ، والعيِّن:
الذي يكون به عُيون.
وقد تكون القربةُ الجديدُ *ذاتَ عُيونٍ لعيبٍ في الجلد.
والدَّليل على ما قلناه قولُ القطاميّ:
ولكنّ الأديم إذا تفرَّى
***
بِِلىً وتعيُّناً غلَبَ الصَّنَاعا ومن باقي كلامهم في العَين العِينُ:
البَقَر، وتوصف البقرة بسَعَة العين فيقال:
بقرة عيناء.
والرّجُل أعين.
قال الخليل:
ولا يقال ثورٌ أعْين.
وقال غيره:
يقال ثورٌ أعين.
قال ذو الرّمَّة:
رفيقُ أعْيَنَ ذَيَّالٍ تشبِّهه
***
فَحلَ الهِجانِ تنحَّى غيرَ مخلوجِ قال الخليل:
الأعيَن:
اسمُ الثور، [ويقال] مُعَيَّنٌ أيضاً.
قال:
ومعيَّناً يحوِي الصِّوَار كأنّه
***
متخمِّط قَطِمٌ إِذا ما بَرْبَرا
ويقال قوافٍ عِينٌ.
وسئل الأصمعيُّ عن تفسيرها فقال:
لا أعرِفُه.
وهذا من الوَرع الذي كان يستعمله في تركه تفسيرَ القرآن، فكأنّه لم يفسِّر العِينَ كما لم يفسِّر الحُور لأنَّهما لفظتان في القرآن.
قال الله تعالى:
{وَحُورٌٍ عِينٌٍ.
كأَمْثَال اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون} [الواقعة 22- 23]، إِنِّما المعنى في القوافي العِينِ أنّها نافذةٌ كالشَّيء النافذ البصر.
قال الهُذليّ:
بكلامِ خَصْمٍ أو جدالِ مُجادلٍ
***
غَلِقٍ يُعالِجُ أو قوافٍ عينِ ومن الباب قولهم:
أعيان القَوم، أي أشرافهم، وهمْ قياسُ ما ذكرناه، كأنَّهم عيونُهم التي بها ينظرون، وكذلك الإخوة، قال الخليل:
تقول لكلِّ إخوةٍ يكونون لأبٍ وأُمٍّ ولهم إخوةٌ من أمّهات شتّى:
هؤلاء أعيانُ إخوتهم.
وهذا أيضاً مقيسٌ على ما ذكرناه.
وعِينَةُ كلِّ شيء:
خيارُه، يستوي فيه الذكر والأنثى، كما يقال عَيْنُ الشيء وعِينَتُه، أي أجودُه؛ لأن أصفَى ما في وجه الإنسان عينُه.
ومن الباب:
ابنا عِيَانٍ:
خطَّانِ يخُطُّهما الزاجر ويقول:
ابنَيْ عِيان، أسرِعا البيان! كأنّه بهما ينظر إلى ما يريد أنْ يعلمَه.
وقال الرّاعي يصف قِدْحاً:
* جَرَى ابنا عِيانٍ بالشِّوَاء المُضَهَّبِ * ويقال:
نَظَرَت البلادُ بعينٍ أو بعينَين، إذا طَلَعَ النّبتُ.
وكلُّ هذا محمولٌ واستعارةٌ وتشبيه.
قال الشاعر:
إذا نظرتْ بِلادُ بني نُميرٍ
***
بعَينٍ أو بلادُ بني صُبَاحِ رميناهُمْ بكلِّ أقَبَّ نَهْدٍ
***
وفتيانِ العَشِيَّة والصّباحِ ومن الباب:
العَين، وهو المال العَتِيد الحاضر؛ يقال هو عَينٌ غير دَين، أي هومال حاضرٌ تراه العيونُ.
وعينُ الشَّيء:
نفسُه.
تقول:
خذ دِرْهمَك بعينه، فأمّا قولهم للمَيْل في الميزان عين فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ العَيْن كالزِّيادة في الميزان.
وقال الخليل:
العِينَة:
السَّلَف، يقال تعيَّنَ فلانٌ من فلانٍ عِينةً، وعيَّنَهُ تعييناً.
قال الخليل:
واشتقّت من عين الميزان، وهي زيادتُه.
وهذا الذي ذكره الخليلُ [صحيحٌ]؛ لأن العِينة لابدّ أن تجرّ زيادة.
ويقال من العِينة:
اعتَانَ.
وأنشد:
فكيف لنا بالشُّرب إنْ لم تكن لنا
***
دراهمُ عند الحانَوِيِّ ولا نَقْدُ أنَدَّانُ أم نعتانُ أمْ ينبري لنا
***
فتىً مثل نَصْل السَّيف أبرزَه الغِمْدُ ومن الباب عَين الرَّكِيَّة، وهما عينانِ كأنهما نُقرتانِ في مقدَّمها.
فهذا باب العين والياء وما معهما في الثلاثي.
فأمَّا العين والألف فقد مضى ذِكرُ ذلك، لأنَّ الألف فيه لابدّ [أن] تكون منقلبةً عن ياء أو واو، وقد ذكر ذلك والله أعلم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب العين ﴿ 10 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞