باب تقليد الهدي واشعاره عند الاحرام
باب تقليد الهدي واشعاره عند الاحرام
2184- قَوْله: «صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْر بِذِي الْحُلَيْفَة، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَة سَنَامهَا الْأَيْمَن، وَسَلَتَ الدَّم، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَته فَلَمَّا اِسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أَهَلَّ بِالْحَجِّ» أَمَّا الْإِشْعَار فَهُوَ أَنْ يَجْرَحهَا فِي صَفْحَة سَنَامهَا الْيُمْنَى بِحَرْبَةٍ أَوْ سِكِّين أَوْ حَدِيدَة أَوْ نَحْوهَا، ثُمَّ يَسْلُت الدَّم عَنْهَا.
وَأَصْل الْإِشْعَار وَالشُّعُور الْإِعْلَام وَالْعَلَامَة، وَإِشْعَار الْهَدْي لِكَوْنِهِ عَلَامَة لَهُ، وَهُوَ مُسْتَحَبّ لِيُعْلَم أَنَّهُ هَدْي، فَإِنْ ضَلَّ رَدَّهُ وَاجِده، وَإِنْ اِخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ تَمَيَّزَ، وَلِأَنَّ فيه إِظْهَار شِعَار، وَفيه تَنْبِيه غَيْر صَاحِبه عَلَى فِعْل مِثْل فِعْله.
وَأَمَّا صَفْحَة السَّنَام فَهِيَ جَانِبه، وَالصَّفْحَة مُؤَنَّثَة، فَقَوْله: «الْأَيْمَن» بِلَفْظِ التَّذْكِير يَتَأَوَّل عَلَى أَنَّهُ وَصْف لِمَعْنَى الصَّفْحَة لَا لِلَفْظِهَا، وَيَكُون الْمُرَاد بِالصَّفْحَةِ الْجَانِب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَانِب سَنَامهَا الْأَيْمَن.
فَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الْإِشْعَار وَالتَّقْلِيد فِي الْهَدَايَا مِنْ الْإِبِل، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: الْإِشْعَار بِدْعَة لِأَنَّهُ مُثْلَة، وَهَذَا يُخَالِف الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي الْإِشْعَار.
وَأَمَّا قَوْله: إِنَّهُ مُثْلَة فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هَذَا كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَة وَالْخِتَان وَالْكَيّ وَالْوَسْم.
وَأَمَّا مَحَلّ الْإِشْعَار فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّهُ يُسْتَحَبّ الْإِشْعَار فِي صَفْحَة السَّنَام الْيُمْنَى.
وَقَالَ مَالِك: فِي الْيُسْرَى، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَقْلِيد الْغَنَم فَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِتَقْلِيدِهَا.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ الْحَدِيث الثَّابِت فِي ذَلِكَ.
قُلْت: قَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة صَحِيحَة بِالتَّقْلِيدِ فَهِيَ حُجَّة صَرِيحَة فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَنَم لَا تُشْعَر لِضَعْفِهَا عَنْ الْجَرْح، وَلِأَنَّهُ يَسْتَتِر بِالصُّوفِ.
وَأَمَّا الْبَقَرَة فَيُسْتَحَبّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ الْجَمْع فيها بَيْن الْإِشْعَار وَالتَّقْلِيد كَالْإِبِلِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَقْلِيد الْإِبِل بِنَعْلَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، فَإِنْ قَلَّدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جُلُود أَوْ خُيُوط مَفْتُولَة وَنَحْوهَا فَلَا بَأْس.
وَأَمَّا قَوْله: «ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَته» فَهِيَ رَاحِلَة غَيْر الَّتِي أَشْعَرَهَا.
وَفيه اِسْتِحْبَاب الرُّكُوب فِي الْحَجّ، وَأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ الْمَشْي، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه مَرَّات.
وَأَمَّا قَوْله: «فَلَمَّا اِسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فيه اِسْتِحْبَاب الْإِحْرَام عِنْد اِسْتِوَاء الرَّاحِلَة لَا قَبْله وَلَا بَعْده، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَاضِحًا.
وَأَمَّا إِحْرَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ الْمُخْتَار، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الْخِلَاف فِي ذَلِكَ وَاضِحًا وَاَللَّه أَعْلَم
باب تقليد الهدي واشعاره عند الاحرام
باب تقليد الهدي واشعاره عند الاحرام