باب في غزوة حنين
باب في غزوة حنين
حُنَيْن وَادٍ بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف وَرَاء عَرَفَات، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّة بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا، وَهُوَ مَصْرُوف كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن الْعَزِيز.
✯✯✯✯✯✯
3324- قَوْله: قَالَ عَبَّاس: «شَهِدْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْنٍ، فَلَزِمْت أَنَا وَأَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقهُ»، أَبُو سُفْيَان هَذَا هُوَ اِبْن عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء: اِسْمه هُوَ كُنْيَته، وَقَالَ آخَرُونَ: اِسْمه الْمُغِيرَة، وَمِمَّنْ قَالَهُ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ، وَإِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر، وَالزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ وَغَيْرهمْ، وَفِي هَذَا عَطْف الْأَقَارِب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض عِنْد الشَّدَائِد، وَذَبّ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض.
قَوْله: «وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَة لَهُ بَيْضَاء أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَة بْن نُفَاثَة الْجُذَامِيُّ» أَمَّا قَوْله: (بَغْلَة بَيْضَاء) فَكَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة، وَرِوَايَة أُخْرَى بَعْدهَا: (إِنَّهَا بَغْلَة بَيْضَاء) وَقَالَ فِي آخِر الْبَاب: (عَلَى بَغْلَته الشَّهْبَاء) وَهِيَ وَاحِدَة، قَالَ الْعُلَمَاء: لَا يُعْرَف لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَة سِوَاهَا، وَهِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا: (دُلْدُل) وَأَمَّا قَوْله: (أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَة بْن نُفَاثَة) فَهُوَ بِنُونٍ مَضْمُومَة ثُمَّ فَاء ثُمَّ أَلِف ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا رِوَايَة إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: (فَرْوَة بْن نَعَامَة) بِالْعَيْنِ وَالْمِيم وَالصَّحِيح الْمَعْرُوف الْأَوَّل، قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا فِي إِسْلَامه فَقَالَ الطَّبَرِيُّ: أَسْلَمَ وَعَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا، وَقَالَ غَيْرهمْ: لَمْ يُسْلِم، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَنَّ الَّذِي أَهْدَاهَا لَهُ مَلِك أَيْلَةَ، وَاسْم مَلِك أَيْلَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق: (يَحْنَة بْنُ رَوْنَة)، وَاَللَّه أَعْلَم.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيث قَبُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّة الْكَافِر، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «هَدَايَا الْعُمَّال غُلُول» مَعَ حَدِيث اِبْن اللُّتْبِيَّة: «عَامِل الصَّدَقَات»، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَّهُ رَدَّ بَعْض هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ: إِنَّا لَا نَقْبَل زَبَد الْمُشْرِكِينَ» أَيْ رَفْدهمْ فَكَيْف يُجْمَع بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيث؟ قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء- رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ-: إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيث نَاسِخَة لِقَبُولِ الْهَدِيَّة، قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا نَسْخ، بَلْ سَبَب الْقَبُول أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوص بِالْفَيْءِ الْحَاصِل بِلَا قِتَال، بِخِلَافِ غَيْره، فَقَبِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ طَمِعَ فِي إِسْلَامه وَتَأْلِيفه لِمَصْلَحَةٍ يَرْجُوهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَافَأَ بَعْضهمْ وَرَدَّ هَدِيَّة مَنْ لَمْ يَطْمَع فِي إِسْلَامه وَلَمْ يَكُنْ فِي قَبُولهَا مَصْلَحَة؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّة تُوجِب الْمَحَبَّة وَالْمَوَدَّة، وَأَمَّا غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعُمَّال وَالْوُلَاة فَلَا يَحِلّ لَهُ قَبُولهَا لِنَفْسِهِ عِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء، فَإِنْ قَبِلَهَا كَانَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُهْدِهَا إِلَيْهِ إِلَّا لِكَوْنِهِ إِمَامهمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْم هُوَ مُحَاصِرهمْ، فَهِيَ غَنِيمَة، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَابْن الْقَاسِم وَابْن حَبِيب وَحَكَاهُ اِبْن حَبِيب عَمَّنْ لَقِيَهُ مِنْ أَهْل الْعِلْم، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ لِلْإِمَامِ خَالِصَة بِهِ، قَالَ أَبُو يُوسُف وَأَشْهَب وَسَحْنُون.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا رَدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ مَا عَلِمَ أَنَّهُ أُهْدِيَ لَهُ فِي خَاصَّة نَفْسه، وَقِيلَ: مَا كَانَ خِلَاف ذَلِكَ مِمَّا فيه اِسْتِئْلَاف الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَلَا يَصِحّ قَوْل مَنْ اِدَّعَى النَّسْخَ، قَالَ: وَحُكْم الْأَئِمَّة بَعْدُ إِجْرَاؤُهَا مَجْرَى مَال الْكُفَّار مِنْ الْفَيْء أَوْ الْغَنِيمَة بِحَسَبِ اِخْتِلَاف الْحَال، وَهَذَا مَعْنَى: «هَدَايَا الْعُمَّال غُلُول» أَيْ إِذَا خَصُّوا بِهَا أَنْفُسهمْ؛ لِأَنَّهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحُكْمِ الْفَيْء وَالْغَنِيمَة، قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: إِنَّمَا قَبِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَا كُفَّار أَهْل الْكِتَاب مِمَّنْ كَانَ عَلَى النَّصْرَانِيَّة كَالْمُقَوْقِسِ وَمُلُوك الشَّام فَلَا مُعَارَضَة بَيْنَهُ وَبَيْن قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقْبَل زَبَد الْمُشْرِكِينَ» وَقَدْ أُبِيحَ لَنَا ذَبَائِح أَهْل الْكِتَاب وَمُنَاكَحَتهمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَة الْأَوْثَان، هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض، وَقَالَ أَصْحَابنَا: مَتَى أَخَذَ الْقَاضِي أَوْ الْعَامِل هَدِيَّة مُحَرَّمَة لَزِمَهُ رَدّهَا إِلَى مُهْدِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلهَا فِي بَيْت الْمَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَة لَهُ بَيْضَاء» قَالَ الْعُلَمَاء: رُكُوبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَة فِي مَوْطِن الْحَرْب وَعِنْد اِشْتِدَاد النَّاس هُوَ النِّهَايَة فِي الشَّجَاعَة وَالثَّبَات، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَكُون مُعْتَمَدًا يَرْجِع الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِهِ وَبِمَكَانِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا عَمْدًا وَإِلَّا فَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَاس مَعْرُوفَة، وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ شَجَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدُّمه يَرْكُض بَغْلَته إِلَى جَمْع الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ فَرَّ النَّاس عَنْهُ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى الْأَرْض حِين غَشُّوهُ، وَهَذِهِ مُبَالَغَة فِي الثَّبَات وَالشَّجَاعَة وَالصَّبْر، وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاة لِمَنْ كَانَ نَازِلًا عَلَى الْأَرْض مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَخْبَرَتْ الصَّحَابَة- رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ- بِشُجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيع الْمَوَاطِن، وَفِي صَحِيح مُسْلِم، قَالَ: إِنَّ الشُّجَاع مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ بِهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْ عَبَّاس، نَادِ أَصْحَاب السَّمُرَة» هِيَ الشَّجَرَة الَّتِي بَايَعُوا تَحْتهَا بَيْعَة الرِّضْوَان، وَمَعْنَاهُ: نَادِ أَهْل بَيْعَة الرِّضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة.
قَوْله: «فَقَالَ عَبَّاس وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا» ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِف أَنَّ الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَقِف عَلَى سَلْع فَيُنَادِي غِلْمَانه فِي آخِر اللَّيْل وَهُمْ فِي الْغَابَة فَيُسْمِعهُمْ، قَالَ: وَبَيْن سَلْعِ الْغَابَة ثَمَانِيَة أَمْيَال.
قَوْله: «فَوَاَللَّهِ لَكَأَنَ عَطَفْتهمْ حِين سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَة الْبَقَر عَلَى أَوْلَادهَا فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ» قَالَ الْعُلَمَاء: فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ فِرَارهمْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُل الْفِرَار مِنْ جَمِيعهمْ، وَإِنَّمَا فَتَحَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ فِي قَلْبه مَرَض مِنْ مُسْلِمَة أَهْل مَكَّة الْمُؤَلَّفَة، وَمُشْرِكِيهَا الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَزِيمَتهمْ فَجْأَة لِانْصِبَابِهِمْ عَلَيْهِمْ دَفْعَة وَاحِدَة وَرَشْقهمْ بِالسِّهَامِ، وَلِاخْتِلَاطِ أَهْل مَكَّة مَعَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَقِرّ الْإِيمَان فِي قَلْبه، وَمِمَّنْ يَتَرَبَّص بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِر، وَفيهمْ نِسَاء وَصِبْيَان خَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ فَتَقَدَّمَ إِخْفَاؤُهُمْ فَلَمَّا رَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَلَّوْا فَانْقَلَبَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى سَكِينَته عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن.
قَوْله: «فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّار» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ، وَهُوَ بِنَصْبِ الْكُفَّار أَيْ مَعَ الْكُفَّار.
قَوْله: «وَالدَّعْوَة فِي الْأَنْصَار» هِيَ بِفَتْحِ الدَّال يَعْنِي الِاسْتِغَاثَة وَالْمُنَادَاة إِلَيْهِمْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا حِين حَمِيَ الْوَطِيس» هُوَ بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْر الطَّاء الْمُهْمَلَة وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ شِبْه التَّنُّور يُسْجَر فيه، وَيُضْرَب مَثَلًا لِشِدَّةِ الْحَرْب الَّتِي يُشْبِه حَرّهَا حَرّه، وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ: الْوَطِيس هُوَ التَّنُّور نَفْسه، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: هِيَ حِجَارَة مُدَوَّرَة وَإِذَا حَمِيَتْ لَمْ يَقْدِر أَحَد يَطَأ عَلَيْهَا فَيُقَال: الْآن حَمِيَ الْوَطِيس، وَقِيلَ: هُوَ الضَّرْب فِي الْحَرْب، وَقِيلَ: هُوَ الْحَرْب الَّذِي يَطِيس النَّاس أَيْ يَدُقُّهُمْ، قَالُوا: وَهَذِهِ اللَّفْظَة مِنْ فَصِيح الْكَلَام وَبَدِيعه، الَّذِي لَمْ يُسْمَع مِنْ أَحَد قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «فَرَمَاهُمْ بِالْحَصَيَاتِ ثُمَّ قَالَ: اِنْهَزَمُوا وَرَبّ مُحَمَّد فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْت أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرهمْ مُدْبِرًا» هَذَا فيه مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِحْدَاهُمَا فِعْلِيَّة، وَالْأُخْرَى خَبَرِيَّة، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي بِهَزِيمَتِهِمْ، وَرَمَاهُمْ بِالْحَصَيَاتِ،.
فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَذَكَرَ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي آخِر هَذَا الْبَاب أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ قَبْضَة مِنْ تُرَاب مِنْ الْأَرْض ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ بِهَا وُجُوههمْ فَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوه فَمَا خَلَقَ اللَّه مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَة، وَهَذَا أَيْضًا فيه مُعْجِزَتَانِ خَبَرِيَّة، وَفِعْلِيَّة، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَخَذَ قَبْضَة مِنْ حَصًى وَقَبْضَة مِنْ تُرَاب، فَرَمَى بِذَا مَرَّة، وَبِذَا مَرَّة، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَخَذَ قَبْضَة وَاحِدَة مَخْلُوطَة مِنْ حَصًى وَتُرَاب.
قَوْله: «فَمَا زِلْت أَرَى حَدّهمْ كَلِيلًا» هُوَ بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة أَيْ مَا زِلْت أَرَى قُوَّتهمْ ضَعِيفَة.
✯✯✯✯✯✯
3325- قَوْله: «قَالَ رَجُل لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَة فَرَرْتُمْ يَوْم حُنَيْنٍ.
قَالَ: لَا وَاَللَّه مَا وَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّان أَصْحَابه وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاح» هَذَا الْجَوَاب الَّذِي أَجَابَ بِهِ الْبَرَاء رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مِنْ بَدِيع الْأَدَب؛ لِأَنَّ تَقْدِير الْكَلَام فَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْبَرَاء: لَا وَاَللَّه مَا فَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة جَرَى لَهُمْ كَذَا وَكَذَا.
وَأَمَّا قَوْله: (شُبَّان أَصْحَابه) فَهُوَ بِالشِّينِ وَآخِره نُون جَمْع شَابّ، وَقَوْله: (أَخِفَّاؤُهُمْ) جَمْع خَفِيف، وَهُمْ الْمُسَارِعُونَ الْمُسْتَعْجِلُونَ، وَوَقَعَ هَذَا الْحَرْف فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمْ (جَفَاء) بِجِيمٍ مَضْمُومَة وَبِالْمَدِّ وَفَسَّرَهُ بِسُرْعَانِهِمْ، قَالُوا: تَشْبِيهًا بِجَفَاءِ السَّيْل، وَهُوَ غُثَاؤُهُ، قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَمَعْنَاهَا مَا سَبَقَ مِنْ خُرُوج مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْل مَكَّة وَمَنْ اِنْضَافَ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَعِدُّوا، وَإِنَّمَا خَرَجَ لِلْغَنِيمَةِ مِنْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَمَنْ فِي قَلْبه مَرَض فَشَبَّهَهُ بِغُثَاءِ السَّيْل.
وَأَمَّا قَوْله: (حُسَّرًا) هُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد السِّين الْمَفْتُوحَة أَيْ بِغَيْرِ دُرُوع، وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلَاح) الْحَاسِر: مَنْ لَا دِرْع عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَهُوَ مَصْدَر.
وَأَمَّا (الرِّشْق) بِالْكَسْرِ فَهُوَ اِسْم لِلسِّهَامِ الَّتِي تَرْمِيهَا الْجَمَاعَة دَفْعَة وَاحِدَة، وَضَبَطَ الْقَاضِي الرِّوَايَة هُنَا بِالْكَسْرِ، وَضَبَطَهُ غَيْره بِالْفَتْحِ، كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَهُوَ الْأَجْوَد، وَإِنْ كَانَا جَيِّدَيْنِ، وَأَمَّا قَوْله فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: (فَرَمَوْهُ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْل) فَهُوَ بِالْكَسْرِ لَا غَيْر، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: رَشَقَهُ يَرْشُقهُ أَرْشَقَهُ ثُلَاثِيّ وَرُبَاعِيّ، وَالثُّلَاثِيّ أَشْهَر وَأَفْصَح.
قَوْله: «فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ» أَيْ دَعَا، فَفيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء عِنْد قِيَام الْحَرْب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِب أَنَا اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَنْكَرَ بَعْض النَّاس كَوْن الرَّجَز شِعْرًا لِوُقُوعِهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {مَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش، وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَاد مَذْهَب الْخَلِيل فِي أَنَّهُ شِعْر، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ الشِّعْر هُوَ مَا قُصِدَ إِلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ الْإِنْسَان أَنْ يُوقِعَهُ مَوْزُونًا مُقَفًّى يَقْصِدهُ إِلَى الْقَافِيَّة، وَيَقَع فِي أَلْفَاظ الْعَامَّة كَثِير مِنْ الْأَلْفَاظ الْمَوْزُونَة، وَلَا يَقُول أَحَد إِنَّهَا شِعْر، وَلَا صَاحِبهَا شَاعِر، وَهَكَذَا الْجَوَاب عَمَّا فِي الْقُرْآن مِنْ الْمَوْزُون كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَقَوْله تَعَالَى: {نَصْر مِنْ اللَّه وَفَتْح قَرِيب} وَلَا شَكّ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمِّيه أَحَد مِنْ الْعَرَب شِعْرًا، لِأَنَّهُ لَمْ تُقْصَد تَقْفِيَته وَجَعْله شِعْرًا.
قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ بَعْض النَّاس عَنْ هَذَا الْقَوْل، فَأَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي أَنْ قَالَ الرِّوَايَة: «أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِبَ» بِفَتْحِ الْبَاء حِرْصًا مِنْهُ عَلَى أَنْ يُفْسِد الرَّوِيّ، فَيَسْتَغْنِي عَنْ الِاعْتِذَار، وَإِنَّمَا الرِّوَايَة بِإِسْكَانِ الْبَاء، هَذَا كَلَام الْقَاضِي عَنْ الْمَازِرِيّ، قُلْت: وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن أَبِي جَعْفَر بْن عَلِيّ السَّعْدِيّ الصَّقَلِّيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ الْقَطَّاع فِي كِتَابه الشَّافِي فِي عِلْم الْقَوَافِي: قَدَّر أَيْ قَوْم مِنْهُمْ الْأَخْفَش وَهُوَ شَيْخ هَذِهِ الصِّنَاعَة بَعْد الْخَلِيل أَنَّ مَشْطُور الرَّجَز وَمَنْهُوكه لَيْسَ بِشِعْرٍ، كَقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبُع دَمِيتِ وَفِي سَبِيل اللَّه مَا لَقِيت» وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِب أَنَا اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب» وَأَشْبَاه هَذَا قَالَ اِبْن الْقَطَّاع: وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ الْأَخْفَش وَغَيْره غَلَط بَيِّن، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاعِر إِنَّمَا سُمِّيَ شَاعِرًا لِوُجُوهٍ مِنْهَا: أَنَّهُ شَعَرَ الْقَوْل وَقَصَدَهُ، وَأَرَادَهُ وَاهْتَدَى إِلَيْهِ، وَأَتَى بِهِ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَة الْعَرَب مُقَفًّى، فَإِنْ خَلَا مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَاف أَوْ بَعْضهَا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا وَلَا يَكُون قَائِله شَاعِرًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَة الْعَرَب، وَقَصَدَ الشِّعْر أَوْ أَرَادَهُ وَلَمْ يُقَفِّهِ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الْكَلَام شِعْرًا، وَلَا قَائِله شَاعِرًا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء وَالشُّعَرَاء، وَكَذَا لَوْ قَفَّاهُ وَقَصَدَ بِهِ الشِّعْر وَلَكِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مَوْزُونًا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا، وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ مَوْزُونًا مُقَفًّى، وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِد بِهِ الشِّعْر لَا يَكُون شِعْرًا وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس يَأْتُونَ بِكَلَامٍ مَوْزُون مُقَفًّى غَيْر أَنَّهُمْ مَا قَصَدُوهُ وَلَا أَرَادُوهُ، وَلَا يُسَمَّى شِعْرًا، وَإِذَا تَفَقَّدَ ذَلِكَ وَجَدَ كَثِيرًا فِي كَلَام النَّاس كَمَا قَالَ بَعْض السُّؤَال: اِخْتِمُوا صَلَاتكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَة، وَأَمْثَال هَذَا كَثِيرَة، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَام الْمَوْزُون لَا يَكُون شِعْرًا إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة، وَهِيَ الْقَصْد وَغَيْره مِمَّا سَبَقَ، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِد بِكَلَامِهِ ذَلِكَ الشِّعْر، وَلَا أَرَادَهُ، فَلَا يُعَدّ شِعْرًا وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب؟» فَانْتَسَبَ إِلَى جَدّه دُون أَبِيهِ وَافْتَخَرَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الِافْتِخَار فِي حَقّ أَكْثَر النَّاس مِنْ عَمَل الْجَاهِلِيَّة؟ فَالْجَوَاب أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ شُهْرَته بِجَدِّهِ أَكْثَر، لِأَنَّ أَبَاهُ عَبْد اللَّه تُوُفِّيَ شَابًّا فِي حَيَاة أَبِيهِ عَبْد الْمُطَّلِب قَبْل اِشْتِهَار عَبْد اللَّه، وَكَانَ عَبْد الْمُطَّلِب مَشْهُورًا شُهْرَة ظَاهِرَة شَائِعَة، وَكَانَ سَيِّد أَهْل مَكَّة، وَكَانَ كَثِير مِنْ النَّاس يَدْعُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب يَنْسُبُونَهُ إِلَى جَدّه لِشُهْرَتِهِ، وَمِنْهُ حَدِيث هَمَّام بْن ثَعْلَبَة فِي قَوْله: أَيّكُمْ اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب؟ وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا عِنْدهمْ أَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ سَيَظْهَرُ وَسَيَكُونُ شَأْنه عَظِيمًا، وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَ بِتِلْكَ سَيْف بْن ذِي يَزَنَ، وَقِيلَ: إِنَّ عَبْد الْمُطَّلِب رَأَى رُؤْيَا تَدُلّ عَلَى ظُهُور النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ، فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْكِيرهمْ بِذَلِكَ، وَتَنْبِيههمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابد مِنْ ظُهُوره عَلَى الْأَعْدَاء، وَأَنَّ الْعَاقِبَة لَهُ، لِتَقْوَى نُفُوسهمْ، وَأَعْلَمَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثَابِت مُلَازِم لِلْحَرْبِ.
لَمْ يُوَلِّ مَعَ مَنْ وَلَّى، وَعَرَّفَهُمْ مَوْضِعه لِيَرْجِع إِلَيْهِ الرَّاجِعُونَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِب» أَيْ أَنَا النَّبِيّ حَقًّا، فَلَا أَفِرّ وَلَا أَزُول، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل الْإِنْسَان فِي الْحَرْب: أَنَا فُلَان، وَأَنَا اِبْن فُلَان، وَمِثْله قَوْل سَلَمَة: أَنَا اِبْن الْأَكْوَع، وَقَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرهوَأَشْبَاه ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ عُلَمَاء السَّلَف.
وَفيه حَدِيث صَحِيح، قَالُوا: وَإِنَّمَا يُكْرَه قَوْل ذَلِكَ عَلَى وَجْه الِافْتِخَار كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3326- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جَنَاب الْمِصِّيصِيّ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالنُّون، وَالْمِصِّيصِيّ بِكَسْرِ الْمِيم وَتَشْدِيد الصَّاد الْأَوَّل، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال أَيْضًا بِفَتْحِ الْمِيم وَتَخْفِيف الصَّاد.
قَوْله: «فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْل كَأَنَّهَا رِجْل مِنْ جَرَاد» يَعْنِي كَأَنَّهَا قِطْعَة مِنْ جَرَاد، وَكَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِرِجْلِ الْحَيَوَان لِكَوْنِهَا قِطْعَة مِنْهُ.
قَوْله: «بِرِشْقٍ» هُوَ بِكَسْرِ الرَّاء وَسَبَقَ بَيَانهمْ قَرِيبًا.
قَوْله: «فَانْكَشَفُوا» أَيْ اِنْهَزَمُوا وَفَارَقُوا مَوَاضِعهمْ وَكَشَفُوهَا.
قَوْله: «كُنَّا وَاَللَّه إِذَا اِحْمَرَّ الْبَأْس نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاع مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ» اِحْمِرَار الْبَأْس كِنَايَة عَنْ شِدَّة الْحَرْب، وَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِحُمْرَةِ الدِّمَاء الْحَاصِلَة فيها فِي الْعَادَة أَوْ لِاسْتِعَارِ الْحَرْب وَاشْتِعَالهَا كَاحْمِرَارِ الْجَمْر، كَمَا فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: «حَمِيَ الْوَطِيس»، وَفيه بَيَان شَجَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى.
✯✯✯✯✯✯
3328- قَوْله: «عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع وَأَرْجِع مُنْهَزِمًا إِلَى قَوْله: مَرَرْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا فَقَالَ: لَقَدْ رَجَعَ اِبْن الْأَكْوَع فَزِعًا» قَالَ الْعُلَمَاء: قَوْله: (مُنْهَزِمًا) حَال مِنْ اِبْن الْأَكْوَع، كَمَا صَرَّحَ أَوَّلًا بِانْهِزَامِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْهَزَمَ، وَقَدْ قَالَتْ الصَّحَابَة كُلّهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اِنْهَزَمَ، وَلَمْ يَنْقُل أَحَد قَطُّ أَنَّهُ اِنْهَزَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِن مِنْ الْمَوَاطِن، وَقَدْ نَقَلُوا إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَعْتَقِد اِنْهِزَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَجُوز ذَلِكَ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث آخِذَيْنِ بِلِجَامِ بَغْلَته يَكُفَّانِهَا عَنْ إِسْرَاع التَّقَدُّم إِلَى الْعَدُوّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَرَاء فِي حَدِيثه السَّابِق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَاهَتْ الْوُجُوه» أَيْ قَبُحَتْ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب في غزوة حنين
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 25 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞