باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»
3303- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَث مَا تَرَكْنَا صَدَقَة» هُوَ بِرَفْعِ صَدَقَة و(مَا) بِمَعْنَى: الَّذِي أَيْ: الَّذِي تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَة، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم بَعْد حَدِيث يَحْيَى بْن يَحْيَى عَنْ مَالِك مِنْ حَدِيث عَائِشَة رَفَعْته: «لَا نُورَث مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَة» وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا لِأَنَّ بَعْض جَهَلَة الشِّيعَة يُصَحِّفهُ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ لَا يُورَثُونَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَن أَنْ يَكُون فِي الْوَرَثَة مَنْ يَتَمَنَّى مَوْته فيهلِك، وَلِئَلَّا يُظَنّ بِهِمْ الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهِ فيهلِك الظَّانّ، وَيَنْفِر النَّاس عَنْهُ.
✯✯✯✯✯✯
3304- قَوْله: «فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة أَشْهُر» أَمَّا هِجْرَانهَا فَسَبَقَ تَأْوِيله، وَأَمَّا كَوْنهَا عَاشَتْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة أَشْهُر فَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُورَة، وَقِيلَ: ثَمَانِيَة أَشْهُر، وَقِيلَ: ثَلَاثَة، وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ: سَبْعِينَ يَوْمًا، فَعَلَى الصَّحِيح قَالُوا: تُوُفِّيَتْ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْر رَمَضَان سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَوْله: «إِنَّ عَلِيًّا دَفَنَ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا لَيْلًا» فيه: جَوَاز الدَّفْن لَيْلًا، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ، لَكِنَّ النَّهَار أَفْضَل إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْر؟قَوْله: (وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاس وُجْهَة حَيَاة فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اِسْتَنْكَرَ عَلَى وُجُوه النَّاس فَالْتَمَسَ مُصَالَحَة أَبِي بَكْر وَمُبَايَعَته رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُر) أَمَّا تَأَخُّر عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ الْبَيْعَة فَقَدْ ذَكَرَهُ عَلِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث، وَاعْتَذَرَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَتَأَخُّره لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الْبَيْعَة، وَلَا فيه.
أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس، وَلَا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد، وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس، وَأَمَّا عَدَم الْقَدْح فيه فَلِأَنَّهُ لَا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ إِذَا عَقَدَ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد لِلْإِمَامِ الِانْقِيَاد لَهُ، وَأَلَّا يُظْهِر خِلَافًا، وَلَا يَشُقّ الْعَصَا، وَهَكَذَا كَانَ شَأْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي قَبْلَ بَيْعَته، فَإِنَّهُ لَمْ يُظْهِر عَلَى أَبِي بَكْر خِلَافًا وَلَا شَقَّ الْعَصَا، وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْحُضُور عِنْده لِلْعُذْرِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث، وَلَمْ يَكُنْ اِنْعِقَاد الْبَيْعَة وَانْبِرَامُهَا مُتَوَقِّفًا عَلَى حُضُوره، فَلَمْ يَجِب عَلَيْهِ الْحُضُور لِذَلِكَ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِب لَمْ يَحْضُر، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ قَدْح فِي الْبَيْعَة وَلَا مُخَالَفَة، وَلَكِنْ بَقِيَ فِي نَفْسه عَتَب فَتَأَخَّرَ حُضُوره إِلَى أَنْ زَالَ الْعَتَب، وَكَانَ سَبَب الْعَتَب أَنَّهُ مَعَ وَجَاهَته وَفَضِيلَته فِي نَفْسه فِي كُلّ شَيْء، وَقُرْبه مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْر ذَلِكَ، رَأَى أَنَّهُ لَا يَسْتَبِدّ بِأَمْرٍ إِلَّا بِمَشُورَتِهِ وَحُضُوره، وَكَانَ عُذْر أَبِي بَكْر وَعُمَر وَسَائِر الصَّحَابَة وَاضِحًا؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا الْمُبَادَرَة بِالْبَيْعَةِ مِنْ أَعْظَم مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ، وَخَافُوا مِنْ تَأْخِيرهَا حُصُول خِلَاف وَنِزَاع تَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَفَاسِد عَظِيمَة، وَلِهَذَا أَخَّرُوا دَفْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَقَدُوا الْبَيْعَة لِكَوْنِهَا كَانَتْ أَهَمَّ الْأُمُور؛ كَيْلَا يَقَع نِزَاع فِي مَدْفِنه أَوْ كَفَنه أَوْ غُسْله أَوْ الصَّلَاة عَلَيْهِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَفْصِل الْأُمُور فَرَأَوْا تَقَدُّم الْبَيْعَة أَهَمّ الْأَشْيَاء.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنْ اِئْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَك أَحَد كَرَاهِيَة مَحْضَر عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَقَالَ عُمَر لِأَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَاَللَّه لَا تَدْخُل عَلَيْهِمْ وَحْدك) أَمَّا كَرَاهَتهمْ لِمَحْضَرِ عُمَر، فَلِمَا عَلِمُوا مِنْ شِدَّته وَصَدْعه بِمَا يَظْهَر لَهُ، فَخَافُوا أَنْ يَنْتَصِر لِأَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَيَتَكَلَّم بِكَلَامٍ يُوحِش قُلُوبهمْ عَلَى أَبِي بَكْر، وَكَانَتْ قُلُوبهمْ قَدْ طَابَتْ عَلَيْهِ وَانْشَرَحَتْ لَهُ؛ فَخَافُوا أَنْ يَكُون حُضُور عُمَر سَبَبًا لِتَغَيُّرِهَا.
وَأَمَّا قَوْل عُمَر: (لَا تَدْخُل عَلَيْهِمْ وَحْدك) فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ خَافَ أَنْ يُغْلِظُوا عَلَيْهِ فِي الْمُعَاتَبَة، وَيَحْمِلهُمْ عَلَى الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ لِين أَبِي بَكْر وَصَبْره عَنْ الْجَوَاب عَنْ نَفْسه، وَرُبَّمَا رَأَى مِنْ كَلَامهمْ مَا غَيَّرَ قَلْبه فَيَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة خَاصَّة أَوْ عَامَّة، وَإِذَا حَضَرَ عُمَر اِمْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْن عُمَر حَلَفَ أَلَّا يَدْخُل عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْر وَحْده فَحَنَّثَهُ أَبُو بَكْر وَدَخَلَ وَحْده، فَفيه: دَلِيل عَنْ أَنَّ إِبْرَار الْقَسَم إِنَّمَا يُؤْمَر بِهِ الْإِنْسَان إِذَا أَمْكَنَ اِحْتِمَاله بِلَا مَشَقَّة، وَلَا تَكُون فيه مَفْسَدَة، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل الْحَدِيث بِإِبْرَارِ الْقَسَم.
قَوْله: «وَلَمْ نَنْفَس عَلَيْك خَيْرًا سَاقَهُ اللَّه إِلَيْك» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء، يُقَال: نَفِسْت عَلَيْهِ بِكَسْرِ الْفَاء (أَنْفَس) بِفَتْحِهَا (نَفَاسَة) وَهُوَ قَرِيب مِنْ مَعْنَى الْحَسَد.
قَوْله: «وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَال فَإِنِّي لَمْ آلُ فيها عَنْ الْحَقّ» مَعْنَى شَجَرَ: الِاخْتِلَاف وَالْمُنَازَعَة، وَقَوْله: «لَمْ آلُ» أَيْ: لَمْ أُقَصِّر.
قَوْله: «فَقَالَ لِأَبِي بَكْر مَوْعِدك الْعَشِيَّة لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْر صَلَاة الظُّهْر رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَر» هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف يُقَال: رَقِيَ كَعَلِمَ يَعْلَم، وَالْعَشِيّ بِحَذْفِ الْهَاء هُوَ مِنْ زَوَال الشَّمْس، وَمِنْهُ الْحَدِيث: «صَلَّى إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيّ إِمَّا الظُّهْر وَإِمَّا الْعَصْر» وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان صِحَّة خِلَافَة أَبِي بَكْر وَانْعِقَاد الْإِجْمَاع عَلَيْهَا.
✯✯✯✯✯✯
3305- قَوْله: «كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرَوْهُ وَنَوَائِبه» مَعْنَاهُ: مَا يَطْرَأ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق الْوَاجِبَة وَالْمَنْدُوبَة، وَيُقَال: عَرَوْته وَاعْتَرَيْته وَعَرَرْته وَاعْتَرَرْته إِذَا أَتَيْته تَطْلُب مِنْهُ حَاجَة.
✯✯✯✯✯✯
3306- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْتَسِم وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْت بَعْد نَفَقَة نِسَائِي وَمُؤْنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا التَّقْيِيد بِالدِّينَارِ هُوَ مِنْ بَاب التَّنْبِيه عَلَى مَا سِوَاهُ، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك} قَالُوا: وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَذَا اللَّفْظ النَّهْي؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا يُمْكِن وُقُوعه وَإِرْثه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مُمْكِن، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْإِخْبَار، وَمَعْنَاهُ: لَا يَقْتَسِمُونَ شَيْئًا لِأَنِّي لَا أُورَث، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور مِنْ مَذَاهِب الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْحَدِيث، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرهمْ، حَكَى الْقَاضِي عَنْ اِبْن عُلَيَّة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا لَمْ يُورَث؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّهُ أَنْ جَعَلَ مَاله كُلّه صَدَقَة، وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه سِيَاق الْحَدِيث.
ثُمَّ إِنَّ جُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ جَمِيع الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ لَا يُورَثُونَ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَالَ: عَدَم الْإِرْث بَيْنهمْ مُخْتَصّ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا: {يَرِثنِي وَيَرِث مِنْ آلِ يَعْقُوب} وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد وِرَاثَة الْمَال، وَقَالَ: وَلَوْ أَرَادَ وِرَاثَة النُّبُوَّة لَمْ يَقُلْ: {وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} إِذْ يَخَاف عَلَى النُّبُوَّة، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَان دَاوُدَ} وَالصَّوَاب مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُور أَنَّ جَمِيع الْأَنْبِيَاء لَا يُورَثُونَ، وَالْمُرَاد بِقِصَّةِ زَكَرِيَّا وَدَاوُدَ وِرَاثَة النُّبُوَّة، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَقِيقَة الْإِرْث بَلْ قِيَامه مَقَامه، وَحُلُوله مَكَانه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمُؤْنَة عَامِلِي» فَقِيلَ: هُوَ الْقَائِم عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَات، وَالنَّاظِر فيها، وَقِيلَ: كُلّ عَامِل لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَة وَغَيْره؛ لِأَنَّهُ عَامِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَائِب عَنْهُ فِي أُمَّته.
وَأَمَّا مَئُونَة نِسَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقَ بَيَانهَا قَرِيبًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي تَفْسِير صَدَقَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث قَالَ: صَارَتْ إِلَيْهِ بِثَلَاثَةِ حُقُوق:أَحَدهَا: مَا وُهِبَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ وَصِيَّة مُخَيْرِيق الْيَهُودِيّ لَهُ عِنْد إِسْلَامه يَوْم أُحُد، وَكَانَتْ سَبْع حَوَائِط فِي بَنِي النَّضِير، وَمَا أَعْطَاهُ الْأَنْصَار مِنْ أَرْضهمْ وَهُوَ مَا لَا يَبْلُغهُ الْمَاء، وَكَانَ هَذَا مِلْكًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّانِي: حَقّه مِنْ الْفَيْء مِنْ أَرْض بَنِي النَّضِير حِين أَجْلَاهُمْ كَانَتْ لَهُ خَاصَّة، لِأَنَّهَا لَمْ يُوجِف عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب، وَأَمَّا مَنْقُولَات بَنِي النَّضِير فَحَمَلُوا مِنْهَا مَا حَمَلَتْهُ الْإِبِل غَيْر السِّلَاح كَمَا صَالَحَهُمْ، ثُمَّ قَسَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاقِي بَيْن الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ الْأَرْض لِنَفْسِهِ، وَيُخْرِجهَا فِي نَوَائِب الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ نِصْف أَرْض فَدَك، صَالَحَ أَهْلهَا بَعْد فَتْح خَيْبَر عَلَى نِصْف أَرْضهَا، وَكَانَ خَالِصًا لَهُ، وَكَذَلِكَ ثُلُث أَرْض وَادِي الْقُرَى، أَخَذَهُ فِي الصُّلْح حِين صَالَحَ أَهْلهَا الْيَهُود.
وَكَذَلِكَ حِصْنَانِ مِنْ حُصُون خَيْبَر، وَهُمَا الْوَطِيخ وَالسَّلَالِم، أَخَذَهُمَا صُلْحًا.
الثَّالِث: سَهْمه مِنْ خُمُس خَيْبَر، وَمَا اِفْتَتَحَ فيها عَنْوَة فَكَانَتْ هَذِهِ كُلّهَا مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة لَا حَقّ فيها لِأَحَدٍ غَيْره، لَكِنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَأْثِر بِهَا بَلْ يُنْفِقهَا عَلَى أَهْله وَالْمُسْلِمِينَ، وَلِلْمَصَالِحِ الْعَامَّة، وَكُلّ هَذِهِ صَدَقَات مُحَرَّمَات التَّمَلُّك بَعْده.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 16 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞