باب العين والذال وما يثلثهما
باب العين والذال وما يثلثهما
(عذر) العين والذال والراء بناء صحيح له فروعٌ كثيرة، ما جَعلَ الله تعالى فيه وجهَ قياسٍ بَتَّةً، بل كلُّ كلمةٍ منها على نَحوِها وجِهَتها مفردة.
فالعُذْر معروف، وهو رَوْم الإنسان إصلاحَ ما أُنكِرَ عليه بكلام.
يُقال منه:
عَذَرْتُه فأنا أَعْذِرُه عَذْراً، والاسم العُذْر.
وتقول:
عَذَرْتُه من فلان، أي لُمْتُه ولم ألُم هذا.
يُقال:
مَن عذيري من فلان، ومَن يَعذِرني منه.
قال:
أُريد حِبَاءه ويُريدُ قَتْلي
***
عَذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ
ويقال إنّ عَذِير الرّجل:
ما يروم ويُحاوِل ممّا يُعذَر عليه إذا فَعَله.
*قال الخليل:
وكان العجّاجُ يرمُّ رَحْلَه لسفرٍ أرادَه، فقالت امرأتُه:
ما [هذا] الذي ترُمُّ ؟ فقال:
* جارِيَ لا تستنكري عَذِيري * يريد:
لا تُنكرِي ما أحاول.
ثم فَسَّر في بيتٍ آخر فقال:
* سيري وإشفاقي على بعيري * وتقول:
اعتذر يَعتذِر اعتذاراً وعِذْرة من ذنبه فعذرْتُه.
والمَعذِرة الاسم.
قال الله تعالى:
{قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} [الأعراف 164].
وأعذَر فلانٌ إذا أبْلَى عُذْراً فلم يُلَمْ.
ومن هذا الباب قولهم:
عذَّر الرّجلُ تعذيراً، إذا لم يبالِغ في الأمر وهو يريكَ أنّه مبالغٌ فيه.
وفي القرآن:
{وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [التوبة 90]، ويقرأ:
{المُعْذِرُون}.
قال أهل العربيّة:
المُعْذِرون بالتخفيف هم الذين لهم العُذْر، والمعذِّرون:
الذين لا عُذْرَ لهم ولكنَّهم يتكلَّفون عُذراً.
وقولهم للمقصِّر في الأمر:
مُعَذِّر، وهو عندنا من العُذْر أيضاً، لأنَّه يقصِّر في الأمر مُعوِّلاً على العُذْر الذي لا يريد يتكلف.
وباب آخَر لا يشبه الذي قبلَه، يقولون:
تعذَّر الأمرُ، إذا لم يَستقِم.
قال امرؤُ القيس:
ويوماً على ظَهرِ الكثَيب تَعذَّرتْ
***
عَلَيَّ وآلت حَلْفةً لم تَحَلَّلِ وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبلَه:
العِذار:
عِذار اللِّجام.
قال:
وما كان على الخَدَّين من كيٍّ أو كدحٍ طُولاً فهو عذار.
تقول من العِذَار:
عَذَرْتُ الفرس فأنا أعذُِرُه عَذْراً بالعِذار، في معنى ألجمته.
وأعْذَرتُ اللِّجام، أي جعلت له عِذاراً.
ثم يستعيرون هذا فيقولون للمنهمِك في غَيِّه:
"خَلَعَ العِذار".
ويقال من العِذار:
عَذّرْتُ الفرسَ تعذيراً أيضاً.
وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبلَه.
العِذَار، وهو طعامٌ يدعى إليه لحادثِ سُرُور.
يقال منه:
أعذروا إعذاراً.
قال:
كلَّ الطَّعامِ تشتهي ربيعَهْ
***
الخُرْسُ والإعذارُ والنقيعهْ
ويقال بل هو طعامُ الخِتان خاصّة.
يقال عُذِر الغُلامُ، إذا خُتِنَ.
وفلانٌ وفلانٌ عذارُ عامٍ واحد.
وباب آخر لا يشبه الذي قبله:
العَذَوَّر، قال الخليل:
هو الواسع الجَوف الشديد العِضاض.
قال الشاعر يصف الملْكَ أنه واسعٌ عريض:
وحازَ لنا الله النُّبوّةَ والهدى
***
فأعطى به عزّاً ومُلكاً عَذَوَّرَا ومما يشبه هذا قول القائل يمدح:
إذا نزلَ الأضيافُ كان عذَوَّراً
***
على الحيِّ حتى تَستقِلَّ مَرَاجِلُه قالوا:
أراد سيءَ الخلق حَتَّى تُنصَب القُدور.
وهو شبيه بالذي قاله الخليل في وصف الحمار الشديد العضاض.
وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله:
العُذْرة:
عُذْرَة الجارية العذراء، جاريةٌ عذراءُ:
لم يَمسَّها رجل.
وهذا مناسبٌ لما مضى ذكرُه في عُذْرة الغلام.
وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله:
العُذرة:
وجعٌ يأخذ في الحَلْقِ.
يقال منه:
عُذِر فهو معذور.
قال جرير:
غمزَ ابن مُرَّةَ يا فرزدَقُ كَيْنَهَا
***
غَمْزَ الطبيبِ نَغانغ المعذورِ وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله:
العُذْرة:
نجمٌ إذا طلع اشتدَّ الحر، يقولون:
"إذا طلعَتِ العُذْرة، لم يبق بعُمان بُسْرَة".
وباب آخر لا يشبه الذي قبله:
العُذْرة:
خُصلةٌ من شعر، والخُصلة من عُرف الفَرَس.
وناصيتُه عُذرة.
وقال:
* سَبِط العُذرَةِ ميّاح الحُضُرْ * وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله:
العَذِرة:
فِناء الدّار.
وفي الحديث:
"اليهودُ أنتَنُ خَلْق الله عَذِرَة"، أي فناءً.
ثم سمِّي الحَدَثُ عَذِرة لأنَّه كان يُلقَى بأفنية الدُّور.
(عذق) العين والذال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادٍ في شيء وتعلق شيءٍ بشيء.
من ذلك العِذْق عِذْق النَّخلة، وهو شمراخ من شماريخها.
والعَذْق:
النخلة، بفتح العين.
وذلك كله من الأشياء المتعلِّقة بعضُها ببعض.
قال:
ويُلْوِي بريَّان العَسِيب *كأنه
***
عَثَا كِيل عَذْقٍ من سُمَيْحَة مُرطبِ قال الخليل:
العِذْق من كلِّ شيء:
الغُصْن ذو الشُّعَب.
ومن الباب:
عُذِقَ الرّجُل، إذا وُسمَ بعلامةٍ يعرَف بها.
وهذا صحيح، وإنما هذا من قولهم:
عَذَقَ شاتَهُ يَعْذُقُهَا عَذْقَاً، إذا علَّقَ عليها صوفةً تخالفُ لونَها.
وممّا جرى مجرى الاستعارة والتمثيل قولهم:
"في بني فلانٍ عِذْقٌ كَهْلٌ" إذا كان فيهم عِزٌّ ومَنْعَة.
قال ابن مُقْبِل:
وفي غَطَفَانَ عِذْقُ صِدقٍ ممنَّعٌ
***
على رغم أقوامٍ من النّاس يانعُ
(عذل) العين والذل واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على حَرٍّ وشِدّةٍ فيه، ثم يقاس عليه ما يقاربه.
ومن ذلك اعتذَل الحرُّ:
اشتدّ.
قال أبو عبيد:
أيّام مُعتذلات:
شديداتُ الحرارة.
ومما قيس على هذا قولهم:
عَذَل فلانٌ عَذْلاً، والعَذَل الاسم.
ورجلٌ عذّالٌ وامرأة عذَّالة، إذا كثر ذلك منهما.
والعُذَّال الرِّجال، والعُذّل النِّساء.
وسمِّيَ هذا عَذْلاً لما فيه من شدّة ومَسِّ لَذْع.
قال:
غَدَتْ عَذَّ التَايَ فقلتُ مهلاً
***
أفي وجدٍ بسَلمى تَعذُلانِي
(عذم) العين والذال والجيم والميم أُصيلٌ صحيح يدل على عَضٍّ وشِبهه.
قال الخليل:
أصل العَذْمِ العضّ، ثم يقال:
عَذَمَهُ بلسانه يَعْذِمُه عَذْماً، إذا أخذه بلسانه.
والعَذيمة:
الملامة.
قال الراجز:
يَظَلُّ مَن جارَاه في عذائمِ
***
من عنفوانِ جريِهِ العُفاهِمِ أي مَلاَمَات.
وفرسٌ عَذوم.
فأما العَذَمْذَم فإن الخليل ذكره في هذا الباب بغين معجمة، وقال غيره:
بل هو غَذَمْذَم بالغين.
قال الخليل:
وهو الجُرَاف.
يقال:
مَوت غَذَمْذَم:
جُراف لا يُبقي شيئاً.
قال:
ثِقالُ الجفانِ والحلومِ رحاهُم
***
رَحَى الماء يكتالون كَيْلاً عَذَمذَما
(عذي) العين والذال والحرف المعتل أُصيل صحيح يدلُّ على طِيبِ تُربة قال الخليل وغيره:
العَذَاةُ:
الأرض الطيِّبة التربة، الكريمة المَنبِت.
قال:
بأرضٍ هِجانِ التُّرْب وَسميَّة الثَّرَى
***
عَذَاةٍ نأت عنها المُؤُوجة والبحرُ
قال:
والعِذْيُ، الموضع يُنبِت شتاءً وصيفاً من غير نَبع.
ويقال:
هو الزرع لا يُسقَى إلاّ من ماء المطر، لبُعده من المياه.
قالوا:
ويقال لهذا العَذا، الواحدة عَذاةٌ.
وأنشدوا:
بأرضٍ عَذاةٍ حَبَّذا ضَحَواتُها
***
وأطيبُ منها ليلُه وأصائله
(عذب) العين والذال والباء أصلٌ صحيح، لكنّ كلماتِه لا تكاد تنقاس، ولا يمكن جمعُها إلى شيء واحد.
فهو كالذي ذكرناه آنفاً في باب العين والذال والرّاء.
وهذا يدلُّ على أنّ اللُّغة كلَّها ليست قياساً، لكنْ جُلُّها ومعظمُها.
فمن الباب:
عَذُبَ الماءُ يَعْذُبُ عُذُوبَةً، فهو عَذْبٌ:
طيّب.
وأعذَبَ القومُ، إذا عذُب ماؤهم.
واستعذبوا، إذا استقَوا وشَرِبوا عَذْباً.
وبابٌ آخر لا يُشِبه الذي قبلَه، يقال:
عَذَب الحمار يَعْذِب عَذْباً وعُذوباً فهو عاذبٌ [و] عَذُوب:
لا يَأكل من شدّة العطش.
ويقال:
أعذَبَ عن الشَّيء، إذا لَهَا عنه وتركَه.
وفي الحديث:
"أعْذِبوا عن ذِكْر النِّساء".
قال:
وتبدَّلوا اليعبوبَ بعد إلههم
***
صَنَماً ففِرُّوا يا جَديل وأعذِبُوا
ويقال للفرس وغيرِه عَذوبٌ، إذا بات لا يأكل شيئاً ولا يشرب، لأنّه ممتنع من ذلك.
وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله:
العَذُوب:
الذي ليس بينه وبين السّماء سِتر، وكذلك العاذب.
قال نابغةُ الجعديُّ:
فباتَ عَذُوباً للسَّماء كأنّه
***
سُهيلٌ إذا ما أفردَتهُ الكواكبُ فأمّا قول الآخر:
بِتنَا عُذُوباً وباتَ البَقُّ يلْسَِبُنا
***
عند النُّزولِ قِراناً نَبْحُ دِرْواسِ فممكن أن يكونَ أراد:
ليس بيننا وبين السَّماء سِتر، وممكنٌ أن يكون من الأول إذا باتُوا لا يأكلون ولا يَشرَبون.
*وحكى الخليل:
عذَّبتُه تعذيباً، أي فَطَمتُه.
وهذا من باب الامتناع مِن المأكل والمَشرَب.
وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبله:
العَذاب، يقال منه:
عذَّب تعذيباً.
وناسٌ يقولون:
أصل العَذاب الضَّرب.
واحتجُّوا بقول زُهير:
وَخَلْفَها سائقٌ يحدُوا إذا خَشيت
***
منه العَذابَ تمدُّ الصُّلبَ والعُنُقا
قال:
ثم استُعِير ذلك في كلِّ شِدّة.
وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبلَه، يقال لطَرَف السَّوط عَذَبة، والجمع عَذَب.
قال:
غُضْفٌ مهرَّتَة الأشداقِ ضارية
***
مثلُ السَّراحين في أعناقها العَذَبُ والعَذَبة في قضيب البعير:
أسَلتُه.
والعُذَيب:
موضع.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب العين ﴿ 16 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞