باب فضل الغزو في البحر
باب فضل الغزو في البحر
3535- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُل عَلَى أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانِ فَتُطْعِمهُ وَتَفْلِي رَأْسه، وَيَنَام عِنْدهَا» اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة ذَلِكَ فَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره: كَانَتْ إِحْدَى خَالَاته مِنْ الرَّضَاعَة، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ خَالَة لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ؛ لِأَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب كَانَتْ أُمّه مِنْ بَنِي النَّجَّار.
قَوْله: (تَفْلِي) بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان الْفَاء، فيه: جَوَاز فَلْي الرَّأْس وَقَتْل الْقَمْل مِنْهُ، وَمِنْ غَيْره، قَالَ أَصْحَابنَا: قَتْل الْقَمْل وَغَيْره مِنْ الْمُؤْذِيَات مُسْتَحَبّ.
وَفيه: جَوَاز مُلَامَسَة الْمَحْرَم فِي الرَّأْس وَغَيْره مِمَّا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَجَوَاز الْخَلْوَة بِالْمَحْرَمِ وَالنَّوْم عِنْدهَا، وَهَذَا كُلّه مُجْمَع عَلَيْهِ.
وَفيه: جَوَاز أَكْل الضَّيْف عِنْد الْمَرْأَة الْمُزَوَّجَة مِمَّا قَدَّمَتْهُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ مِنْ مَال الزَّوْج، وَيَعْلَم أَنَّهُ يَكْرَه أَكْله مِنْ طَعَامه.
قَوْلهَا: «فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَك» هَذَا الضَّحِك فَرَحًا وَسُرُورًا بِكَوْنِ أُمَّته تَبْقَى بَعْده مُتَظَاهِرَة بِأُمُورِ الْإِسْلَام، قَائِمَة بِالْجِهَادِ، حَتَّى فِي الْبَحْر.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْكَبُونَ ثَبَج هَذَا الْبَحْر» (الثَّبَج) بِثَاءٍ مُثَلَّثَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ جِيم، وَهُوَ: ظَهْره وَوَسَطه، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَرْكَبُونَ ظَهْر الْبَحْر».
✯✯✯✯✯✯
3536- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّة» قِيلَ: هُوَ صِفَة لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّة، وَالْأَصَحّ أَنَّهُ صِفَة لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، أَيْ: يَرْكَبُونَ مَرَاكِب الْمُلُوك لِسَعَةِ حَالهمْ، وَاسْتِقَامَة أَمْرهمْ.
وَكَثْرَة عَدَدهمْ.
قَوْلهَا: فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة: «اُدْعُ اللَّه أَنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ وَكَانَ دَعَا لَهَا فِي الْأُولَى قَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ» هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَة غَيْر الْأُولَى، وَأَنَّهُ عَرَضَ فيها غَيْر الْأَوَّلِينَ.
وَفيه: مُعْجِزَات لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَاره بِبَقَاءِ أُمَّته بَعْده، وَأَنَّهُ تَكُون لَهُمْ شَوْكَة وَقُوَّة وَعَدَد، وَأَنَّهُمْ يَغْزُونَ وَأَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ الْبَحْر، وَأَنَّ أُمّ حَرَام تَعِيش إِلَى ذَلِكَ الزَّمَان، وَأَنَّهَا تَكُون مَعَهُمْ، وَقَدْ وُجِدَ بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى كُلّ ذَلِكَ.
وَفيه: فَضِيلَة لِتِلْكَ الْجُيُوش، وَأَنَّهُمْ غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مَتَى جَرَتْ الْغَزْوَة الَّتِي تُوُفِّيَتْ فيها أُمّ حَرَام فِي الْبَحْر؟ وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِي مُسْلِم أَنَّهَا رَكِبَتْ الْبَحْر فِي زَمَان مُعَاوِيَة، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا فَهَلَكَتْ، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَكْثَر أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَة عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَنَّ فيها رَكِبَتْ أُمّ حَرَام وَزَوْجهَا إِلَى قُبْرُص فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا هُنَاكَ، فَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ، وَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله: (فِي زَمَان مُعَاوِيَة) مَعْنَاهُ: فِي زَمَان غَزْوِهِ فِي الْبَحْر لَا فِي أَيَّام خِلَافَته، قَالَ: وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَته، قَالَ: وَهُوَ أَظْهَر فِي دَلَالَة قَوْله فِي زَمَانه، وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز رُكُوب الْبَحْر لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء، وَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور، وَكَرِهَ مَالِك رُكُوبه لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنهُنَّ غَالِبًا التَّسَتُّر فيه، وَلَا غَضّ الْبَصَر عَنْ الْمُتَصَرِّفِينَ فيه، وَلَا يُؤْمَن اِنْكِشَاف عَوْرَاتهنَّ فِي تَصَرُّفهنَّ لاسيما فِيمَا صَغُرَ مِنْ السُّفْيَان، مَعَ ضَرُورَتهنَّ إِلَى قَضَاء الْحَاجَة بِحَضْرَةِ الرِّجَال.
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، مَنْع رُكُوبه، وَقِيلَ: إِنَّمَا مَنَعَهُ الْعُمَرَانِ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَب الدُّنْيَا، لَا لِلطَّاعَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْي عَنْ رُكُوب الْبَحْر إِلَّا لِحَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِر أَوْ غَازٍ، وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيث، وَقَالَ: رُوَاته مَجْهُولُونَ.
وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى وَالْمَوْت فيه سَوَاء فِي الْأَجْر؛ لِأَنَّ أُمّ حَرَام مَاتَتْ وَلَمْ تُقْتَل، وَلَا دَلَالَة فيه لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُمْ شُهَدَاء إِنَّمَا يَغْزُونَ فِي سَبِيل اللَّه، وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْد هَذَا بِقَلِيلٍ حَدِيث زُهَيْر بْن حَرْب مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة: «مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيل اللَّه فَهُوَ شَهِيد» وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيل اللَّه فَهُوَ شَهِيد.
وَهُوَ مُوَافِق لِمَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه} قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «وَكَانَتْ أُمّ حَرَام تَحْت عُبَادَةَ بْن الصَّامِت، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَتْهُ» وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْن الصَّامِت بَعْد» فَظَاهِر الرِّوَايَة الْأُولَى أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَة لِعُبَادَة حَالَ دُخُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّ الرِّوَايَة الثَّانِيَة صَرِيحَة فِي أَنَّهُ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْد ذَلِكَ، فَتُحْمَل الْأُولَى عَلَى مُوَافَقَة الثَّانِيَة، وَيَكُون قَدْ أَخْبَرَ عَمَّا صَارَ حَالًا لَهَا بَعْد ذَلِكَ.
قَوْله: (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رُمْح بْن الْمُهَاجِر أَخْبَرَنَا اللَّيْث عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْض نُسَخهمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رُمْح وَيَحْيَى اِبْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا اللَّيْث فَزَادَ يَحْيَى بْن يَحْيَى مَعَ مُحَمَّد بْن رُمْح.
باب فضل الغزو في البحر
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 45 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞