باب اليمين على المدعى عليه
باب اليمين على المدعى عليه
3228- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاس دِمَاء رِجَال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ».
وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيث الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحهمَا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَاب السُّنَن وَغَيْرهمْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: قَالَ الْأَصِيلِيّ: لَا يَصِحّ مَرْفُوعًا، إِنَّمَا هُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس، كَذَا رَوَاهُ أَيُّوب وَنَافِع الْجُمَحِيُّ عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قُلْت: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ بِأَسَانِيدِهِمَا عَنْ نَافِع بْن عُمَر الْجُمَحِيِّ عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَجَاءَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْره بِإِسْنَادٍ حَسَن أَوْ صَحِيح زِيَادَة عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْم دِمَاء قَوْم وَأَمْوَالهمْ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة كَبِيرَة مِنْ قَوَاعِد أَحْكَام الشَّرْع، فَفيه أَنَّهُ لَا يُقْبَل قَوْل الْإِنْسَان فِيمَا يَدَّعِيه بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ يَحْتَاج إِلَى بَيِّنَة أَوْ تَصْدِيق الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَ يَمِين الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ.
وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِكْمَة فِي كَوْنه لَا يُعْطَى بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُعْطِيَ بِمُجَرَّدِهَا لَادَّعَى قَوْم دِمَاء قَوْم وَأَمْوَالهمْ وَاسْتُبِيحَ، وَلَا يُمْكِن الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَصُونَ مَاله وَدَمه، وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَيُمْكِنهُ صِيَانَتهمَا بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور مِنْ سَلَف الْأُمَّة وَخَلَفهَا: أَنَّ الْيَمِين تَتَوَجَّه عَلَى كُلّ مَنْ ادُّعِيَ عَلَيْهِ حَقّ.
سَوَاء كَانَ بَيْنه وَبَيْن الْمُدَّعِي اِخْتِلَاطٌ أَمْ لَا، وَقَالَ مَالِك وَجُمْهُور أَصْحَابه وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة، فُقَهَاء الْمَدِينَة: إِنَّ الْيَمِين لَا تَتَوَجَّه إِلَّا عَلَى مَنْ بَيْنه وَبَيْنه خُلْطَة لِئَلَّا يَبْتَذِل السُّفَهَاء أَهْل الْفَضْل بِتَحْلِيفِهِمْ مِرَارًا فِي الْيَوْم الْوَاحِد، فَاشْتَرَطَتْ الْخُلْطَة دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِير الْخُلْطَة؛ فَقِيلَ: هِيَ مَعْرِفَته بِمُعَامَلَتِهِ وَمَدِينَته أَبِشَاهِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ، وَقِيلَ: تَكْفِي الشُّبْهَة، وَقِيلَ: هِيَ أَنْ تَلِيق بِهِ الدَّعْوَى بِمِثْلِهَا عَلَى مِثْله، وَقِيلَ: أَنْ يَلِيق بِهِ أَنْ يُعَامِلهُ بِمِثْلِهَا، وَدَلِيل الْجُمْهُور حَدِيث الْبَاب، وَلَا أَصْل لِاشْتِرَاطِ الْخُلْطَة فِي كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع.
✯✯✯✯✯✯
3229- سبق شرحه بالباب.
باب اليمين على المدعى عليه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأقضية ﴿ 2 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞