باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
قَوْله فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي نَبْع الْمَاء مِنْ بَيْن أَصَابِعه، وَتَكْثِيره، وَتَكْثِير الطَّعَام.
هَذِهِ كُلّهَا مُعْجِزَات ظَاهِرَات وُجِدَتْ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة، وَعَلَى أَحْوَال مُتَغَايِرَة، وَبَلَغَ مَجْمُوعهَا التَّوَاتُر.
وَأَمَّا تَكْثِير الْمَاء فَقَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَة أَنَس وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَعِمْرَان بْن الْحُصَيْن، وَكَذَا تَكْثِير الطَّعَام وُجِدَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلِفَة، وَعَلَى أَحْوَال كَثِيرَة، وَصِفَات مُتَنَوِّعَة، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الرُّقَى بَيَان حَقِيقَة الْمُعْجِزَة، وَالْفَرْق بَيْنهَا وَبَيْن الْكَرَامَة، وَسَبَقَ قَبْل ذَلِكَ بَيَانُ كَيْفِيَّة تَكْثِير الطَّعَام وَغَيْره.
✯✯✯✯✯✯
4224- قَوْله: «فَأَتَى بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ» هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَان الْحَاء الْمُهْمَلَة، وَيُقَالُ لَهُ: (رَحْرَح) بِحَذْفِ الْأَلْف، وَهُوَ الْوَاسِع الْقَصِير الْجِدَار.
قَوْله: «فَجَعَلْت أَنْظُرُ إِلَى الْمَاء يَنْبُعُ مِنْ بَيْن أَصَابِعه» هُوَ بِضَمِّ الْبَاء وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا، ثَلَاث لُغَات.
وَفِي كَيْفِيَّة هَذَا النَّبْع قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْره: أَحَدهمَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَاء كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَفْس أَصَابِعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَنْبُعُ مِنْ ذَاتِهَا.
قَالُوا: وَهُوَ أَعْظَم فِي الْمُعْجِزَة مِنْ نَبْعِهِ مِنْ حَجَرٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة: «فَرَأَيْت الْمَاء يَنْبُعُ مِنْ أَصَابِعه».
وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّه كَثَّرَ الْمَاء فِي ذَاته، فَصَارَ يَفُورُ مِنْ بَيْن أَصَابِعه لَا مِنْ نَفْسهَا، وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَة ظَاهِرَة، وَآيَة بَاهِرَة.
✯✯✯✯✯✯
4225- قَوْله: «فَالْتَمَسَ النَّاس الْوَضُوء» هُوَ بِفَتْحِ الْوَاو عَلَى الْمَشْهُور، وَهُوَ الْمَاء الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَسَبَقَ بَيَان لُغَاته فِي كِتَاب الطَّهَارَة.
قَوْله: «حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْد آخِرهمْ» هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مِنْ عِنْد آخِرهمْ» وَهُوَ صَحِيح، و(مِنْ) هُنَا بِمَعْنَى (إِلَى) وَهِيَ لُغَة.
✯✯✯✯✯✯
4226- قَوْله: «وَالْمَسْجِد فِيمَا ثَمَّةَ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (ثَمَّةَ).
قَالَ أَهْل اللُّغَة: ثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاء و(ثَمَّة) بِالْهَاءِ بِمَعْنَى هُنَاكَ وَهُنَا، فَثَمَّ لِلْبَعِيدِ، وَثَمَّةَ لِلْقَرِيبِ.
قَوْله: «كَانُوا زُهَاء الثَّلَاثمِائَةِ» أَمَّا (زُهَاء) فَبِضَمِّ الزَّاي وَبِالْمَدِّ أَيْ قَدْر ثَلَاثمِائَةِ، وَيُقَالُ أَيْضًا (لَهَا) بِاللَّامِ.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: «ثَلَاثمِائَةِ» وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي قَبْلهَا: «مَا بَيْن السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ».
قَالَ الْعُلَمَاء: هُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي وَقْتَيْنِ، وَرَوَاهُمَا أَنَس.
وَأَمَّا قَوْله الثَّلَاثمِائَةِ فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «الثَّلَاثمِائَةِ»، وَهُوَ صَحِيح، وَسَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث حُذَيْفَة: «اُكْتُبُوا لِي كَمْ بِلَفْظِ الْإِسْلَام».
قَوْله: «لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ» أَيْ لَا يُغَطِّيهَا.
✯✯✯✯✯✯
4227- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا» أَيْ مَوْجُودًا حَاضِرًا.
قَوْله فِي حَدِيث الْمَرْأَة أَنَّهَا حِين عَصَرَتْ الْعُكَّة ذَهَبَتْ بَرَكَة السَّمْن، وَفِي حَدِيث الرَّجُل حِين كَالَ الشَّعِير فَنِيَ، وَمِثْله حَدِيث عَائِشَة حِين كَالتِ الشَّعِير فَفَنِيَ، قَالَ الْعُلَمَاء: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَصْرَهَا وَكَيْلَهُ مُضَادَّةٌ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّل عَلَى رِزْق اللَّه تَعَالَى، وَيَتَضَمَّنُ التَّدْبِير، وَالْأَخْذ بِالْحَوْلِ وَالْقُوَّة، وَتَكَلُّف الْإِحَاطَة بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللَّه تَعَالَى وَفَضْلِهِ، فَعُوقِبَ فَاعِلُهُ بِزَوَالِهِ.
✯✯✯✯✯✯
4229- قَوْله فِي حَدِيث غَزْوَة تَبُوك: «كَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاة» إِلَى آخِره هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ فِي كِتَاب الصَّلَاة، وَفيه هَذِهِ الْمُعْجِزَة الظَّاهِرَة فِي تَكْثِير الْمَاء، وَفيه الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَر.
قَوْله: «وَالْعَيْنُ مِثْل الشِّرَاك تَبِضّ» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هُنَا (تَبِضّ) بِفَتْحِ التَّاء، وَكَسْر الْمُوَحَّدَة، وَتَشْدِيد الضَّاد الْمُعْجَمَة.
وَنَقَلَ الْقَاضِي اِتِّفَاق الرُّوَاة هُنَا عَلَى أَنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ تَسِيلُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ هُنَاكَ، فَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِالْمُعْجَمَةِ، وَبَعْضهمْ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ تَبْرُقُ.
و(الشِّرَاك) بِكَسْرِ الشِّين وَهُوَ سَيْر النَّعْل، وَمَعْنَاهُ مَاء قَلِيل جِدًّا.
قَوْله: «فَجَرَتْ الْعَيْن بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ» أَيْ كَثِير الصَّبّ وَالدَّفْع.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ مُلِئَ جِنَانًا» أَيْ بَسَاتِين وَعُمْرَانًا، وَهُوَ جَمْع جَنَّة، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ الْمُعْجِزَات.
✯✯✯✯✯✯
4230- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيقَة: «اُخْرُصُوهَا» هُوَ بِضَمِّ الرَّاء وَكَسْرهَا، وَالضَّمّ أَشْهَر أَيْ اِحْزِرُوا كَمْ يَجِيءُ مِنْ تَمْرِهَا.
فيه اِسْتِحْبَاب اِمْتِحَان الْعَالِم أَصْحَابه بِمِثْلِ هَذَا التَّمْرِين.
وَالْحَدِيقَة الْبُسْتَان مِنْ النَّخْل إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِط.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَة رِيح شَدِيدَة فَلَا يَقُمْ فيها أَحَد، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِير فَلْيَشُدَّ عِقَاله فَهَبَّتْ رِيح شَدِيدَة، فَقَامَ رَجُل، فَحَمَلَتْهُ الرِّيح حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئ» هَذَا الْحَدِيثُ فيه هَذِهِ الْمُعْجِزَة الظَّاهِرَة مِنْ إِخْبَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَغِيبِ، وَخَوْف الضَّرَر مِنْ الْقِيَام وَقْت الرِّيح، وَفيه مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته، وَالرَّحْمَة لَهُمْ، وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ، وَتَحْذِيرهمْ مَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِشَدِّ عَقْل الْجِمَال لِئَلَّا يَنْفَلِتَ مِنْهَا شَيْء، فَيَحْتَاج صَاحِبُهُ إِلَى الْقِيَام فِي طَلَبه، فَيَلْحَقهُ ضَرَرُ الرِّيح وَجَبَلَا طَيِّئ مَشْهُورَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا أَجَاء بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْجِيم، وَبِالْهَمْزِ، وَالْآخَر سَلْمَى بِفَتْحِ السِّين.
وَطَيِّئ بِيَاءٍ مُشَدَّدَة بَعْدهَا هَمْزَة عَلَى وَزْن سَيِّد، وَهُوَ أَبُو قَبِيلَة مِنْ الْيُمْن، وَهُوَ طَيِّئ بْن أُدَد بْن زَيْد بْن كَهْلَان بْن سَبَأ بْن حِمْيَر.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: وَطَيِّئ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ لُغَتَانِ.
قَوْله: (وَجَاءَ رَسُول اِبْن الْعَلْمَاء) بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان اللَّام وَبِالْمَدِّ.
قَوْله: «وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَة بَيْضَاء» فيه قَبُول هَدِيَّة الْكَافِر، وَسَبَقَ بَيَان هَذَا الْحَدِيث، وَمَا يُعَارِضُهُ فِي الظَّاهِر، وَجَمَعْنَا بَيْنهمَا.
وَهَذِهِ الْبَغْلَة هِيَ دُلْدُل بَغْلَة رَسُول اللَّه الْمَعْرُوفَة، لَكِنْ ظَاهِر لَفْظه هُنَا أَنَّهُ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك، وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَة تَبُوك سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَغْلَة عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل ذَلِكَ، وَحَضَرَ عَلَيْهَا غَزَاة حُنَيْنٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَكَانَتْ حُنَيْن عَقِبَ فَتْح مَكَّة سَنَة ثَمَان.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَة غَيْرهَا.
قَالَ: فَيُحْمَلُ قَوْله عَلَى أَنَّهُ أَهْدَاهَا لَهُ قَبْل ذَلِكَ، وَقَدْ عَطَفَ الْإِهْدَاء عَلَى الْمَجِيءِ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أُحُد وَهُوَ جَبَل يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» سَبَقَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الْحَجّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْر دُور الْأَنْصَار دَار بَنِي النَّجَّار» قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَاد أَهْل الدُّور، وَالْمُرَاد الْقَبَائِل، وَإِنَّمَا فُضِّلَ بَنِي النَّجَّار لِسَبْقِهِمْ فِي الْإِسْلَام، وَآثَارهمْ الْجَمِيلَة فِي الدِّينِ.
قَوْله: «ثُمَّ دَار بَنِي عَبْد الْحَارِث بْن خَزْرَج» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: (بَنِي عَبْد الْحَارِث)، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي.
قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الرُّوَاة، وَصَوَابه (بَنِي الْحَارِث) بِحَذْفِ لَفْظَة (عَبْد).
قَوْله: «وَكَتَبَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ» أَيْ بِبَلَدِهِمْ، وَالْبِحَار الْقُرَى.
باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفضائل ﴿ 3 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞