باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلايق
باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلايق
4223- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة، وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْر، وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع» قَالَ الْهَرَوِيُّ: السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر، وَقَالَ غَيْره: هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِب وَالشَّدَائِد، فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ، وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْم الْقِيَامَة» مَعَ أَنَّهُ سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَبْقَى مُنَازِع، وَلَا مُعَانِد، وَنَحْوه، بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فيها مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَمَاء الْمُشْرِكِينَ.
وَهَذَا التَّقْيِيد قَرِيب مِنْ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} مَعَ أَنَّ الْمُلْكَ لَهُ سُبْحَانه قَبْل ذَلِكَ، لَكِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مَنْ يَدَّعِي الْمُلْكَ، أَوْ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا، فَانْقَطَعَ كُلّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم» لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا، بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور: «أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلَا فَخْرَ» وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ} وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ، وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى.
وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْآدَمِيِّينَ أَفْضَل مِنْ الْمَلَائِكَة، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ.
وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْن الْأَنْبِيَاء» فَجَوَابه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه: أَحَدهمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّد وَلَد آدَم، فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ.
وَالثَّانِي قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا.
وَالثَّالِث أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيص الْمَفْضُول.
وَالرَّابِع إِنَّمَا نَهْيٌ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة وَالْفِتْنَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي سَبَب الْحَدِيث.
وَالْخَامِس أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْس النُّبُوَّة، فَلَا تَفَاضُلَ فيها، وَإِنَّمَا التَّفَاضُل بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِل أُخْرَى ولابد مِنْ اِعْتِقَادِ التَّفْضِيل، فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع» إِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ يَشْفَعُ اِثْنَانِ، فَيَشْفَعُ الثَّانِي مِنْهُمَا قَبْل الْأَوَّل.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلايق
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفضائل ﴿ 2 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞