باب العين والصاد وما يثلثهما
باب العين والصاد وما يثلثهما
(عصف) العين والصاد والفاء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على خِفّةٍ وسرعة.
فالأوَّل من ذلك العَصْف:
ما على الحبِّ من قُشور التّبن.
والعَصْف:
ما على ساق الزَّرع من الوَرَق الذي يَبس فتفتَّت، كل ذلك من العَصْف.
قال الله سبحانه:
{فَجَعَلَهُم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل 5]، قال بعضُ المفسِّرين:
العصف:
وكان ابنُ الأعرابي يقول:
العَصْف:
ورقُ كلِّ نابت.
ويقال:
عَصَفْتُ الزَّرْعَ، إذا جَزَزْتَ أطرافَه وأكلتَه، كالبقل.
ويقال:
مكانٌ مُعْصِف، أي كثير العَصْف.
قال:
إذا جُمادَى مَنَعَتْ قَطْرَها
***
زانَ جَنابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ
ويقال للعَصْف:
العَصِيفة والعُصافة.
قال الفرّاء:
إذا أخذْتَ العصيفةَ عن الزَّرع فقد اعتُصِف.
والريح العاصف:
الشَّديدة.
قال الله تعالى:
{جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس 22].
هذا الذي ذكره الخليل، ومعنى الكلام أنَّها تستخِفُّ الأشياءَ فتذهبُ بها تَعصِف بها.
ويقال أيضاً:
مُعْصِف ومُعْصِفة.
قال العجَّاج:
* والمُعْصِفاتِ لا يَزَلْنَ هُدَّجا * وقال بعض أهلِ العلم:
ريح عاصفةٌ نعتٌ مبنيٌّ* على فَعَلَتْ عَصَفتْ.
وريح عاصفٌ:
ذات عُصُوف، لا يُراد به فَعَلَت، وخرجَتْ مخرجَ لابنٍ وتامِر.
ومن قياس الباب:
النَّاقة العَصُوف:
التي تَعصِف براكبها فتمضي كأنّها ريحٌ في السُّرعة.
ويقال أعصفَتْ أيضاً.
والحَرب تَعْصِف بالقوم:
تذهبُ بهم.
قال الأعشَى:
في فيلقٍ جأوَاءَ ملمومةٍ
***
تَعْصِفُ بالدَّارع والحاسرِ ونعامةٌ عَصوفٌ:
سريعة.
وقد قلنا إنَّ العَصْف:
الخِفَّة والسُّرعة.
ومن الباب:
عَصَف واعتصف، إذا كسب.
وذاك أنّه يخفُّ في اكتداحِه.
قال:
* من غير [ما] عَصْفٍ ولا اصطراف * وهو ذو عَصْفٍ، أي حيلة.
(عصل) العين والصاد واللام أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على اعوجاج في الشيء، مع شدَّةٍ وكَزَازة.
قال أهل اللُّغة:
العَصل:
اعوجاجُ الناب مع شِدّته.
قال:
* على شَنَاحٍ نابُه لم يَعْصَلِ * والأعصل من الرِّجال:
الذي عصِلَت ساقُه وذِراعُه، أي اعوجَّتا اعوجاجاً شديداً.
والشّجرة العَصِلة:
العَوجاء التي لا يُقدَر على إقامتها.
وسهمٌ أعصلُ:
معوجّ.
قال لبيد:
فرميت القوم رِشقاً صائباً
***
ليس بالعُصْل ولا بالمفتَعَل وقال في الشَّجر:
وقَبيلٌ من عُقيلٍ صادقٌ
***
كلُيوثٍ بين غابٍ وعَصَلْ أراد بالعُصْل في البيت الأوّل السِّهامَ المعوجّة.
يقول:
لم تُفْتَعَلْ تلك الساعة عند الحاجة إليها ولكنَّها عملت من قبل.
ويقال:
عَصَل السَّهمُ وعَصِل، إذا اضطرب حين يُرسَل، لعِوَج فيه أو سوء نزع.
وعَصِل الكلبُ، إذا طرد الطَّريدةَ ثم اضطرب والتوى يأساً منها.
وشجرةٌ عصلاءُ:
طالت واعوجَّت.
وتشبّه بها المهزولة.
[قال]:
ليست بعَصْلاءَ تَذْمِي الكلبَ نَكهتها
***
ولا بعنْدَلةٍ يَصْطَكُّ ثدياها والعَصَل:
التواءٌ في عسيب الذَّنَب حتى يبرُزَ بعضُ باطنِه الذي لا شَعَْر عليه.
وهو فرسٌ أعصل.
والأعْصال:
الأمعاء، وهو القياس وذلك لالتوائها في طُول.
قال:
* يرمي به الجَزْعُ إلى أعْصالها * والعَصَل:
صلابةٌ في اللَّحم، ومنه أيضاً عَصَّلَ يُعَصِّلُ تَعْصِيلا، إذا أبطأ
قال:
* فَعَصَّلَ العَمْرِيُّ عَصْلَ الكلبِ *
(عصم) العين والصاد والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ ومنْع وملازمة.
والمعنى في ذلك كلِّه معنىً واحد.
من ذلك العِصْمة:
أن يعصم اللهُ تعالى عَبْدَه من سوءٍ يقع فيه.
واعتصم العبدُ بالله تعالى، إذا امتنع.
واستَعْصَم:
التجأ.
وتقول العربُ:
أعْصَمتُ فلاناً، أي هيّأتُ له شيئاً يعتصم بما نالته يدُه أي يلتجئ ويتمسَّك به.
قال النَّابغة:
يَظلُّ مِن خوفِه المَلاَّحُ مُعتَصِماً
***
بالخيزُرانةِ من خوفٍ ومن رَعَدِ والمُعْصِم من الفرسان:
السيِّئ الحال في فُرُوسَتِه، تراه يمْتَسِك بُعرْف فرسِه أو غيرِ ذلك.
قال:
إذا ما غَدَا لم يُسْقِطِ الرَّوْعُ رُمْحَه
***
ولم يَشْهَدِ الهَيجا بألْوَثَ مُعْصِمِ والعِصْمَةُ:
كلُّ شيءٍ اعتصَمْتَ به.
وعَصَمَهُ الطَّعَامُ:
منعه من الجُوع.
ومن الباب العَصِيمُ، وهو الصَّدَأُ من الهِناء والبَوْل يَيْبَسُ على فخِذ الناقة.
قال:
وأَضحى عن مِراسِهِمُ قتيلاً
***
بلَبَّتِه سَرائحُ كالعَصيم وأثَر الخِضاب عَصيم، والمُعصَم:
الجِلد لم يُنَحَّ وبرُه عنه، بل أُلزِم شعرَه لأنه لا يُنْتَفع به.
يقال:
أعصَمْنا الإهاب.
قال الأصمعي:
العُصْم:
أثر كلِّ شيء من وَرْس أو زَعْفَرانٍ أو نحوه.
قال:
وسمعتُ امرأةً من العرب تقول لأخُرى:
"أعطِيني عُصْم حِنَّائِكِ" أي ماسَلَتِّ منه.
ويقال:
بيده عُصْمَة خَلُوقٍ، أي أثره.
قلنا:
وهذا الذي ذكره الأصمعي من كلام المرأةِ مخالفٌ لقوله إن العُصْم:
الأثَر، لأنها لم تَسْأل الأثر.
والصحيح في هذا أن يقال العُصْم:
الحِنّاء؛ ما لزِم يدَ المختضِبَةِ، وأثرُه بعد ذلك عُصْم، لأنَّه باقٍ ملازم.
ومما قِيس على عُصْمِ الحِنَّاء:
العُصْمة:
البياض يكون برُسْغ ذي القوائم.
من ذلك الوَعِلُ الأعصم، وعُصْمَتُه:
بياضٌ في رُسغِه، والجمع من الأعصم عُصْم وقال:
مَقاديرُ* النُّفوس مؤقَّتات
***
تَحُطُّ العُصْمَ من رأس اليَفَاعِ وقال الأعشى:
قد يَتْرُكُ الدّهرُ في خُلَقَاءَ راسيةٍ
***
وَهْياً ويُنْـزِل منها الأعصمَ الصَّدَعا ويقال:
غرابٌ أعْصَم، إذا كان ذلك الموضع منه أبيض، وقلّما يُوجَد.
قال ابنُ الأعرابيّ:
العُصْمة في الخيل بياضٌ قلَّ أو كثُر، باليدين دون الرجلين فيقولون:
هو أعصَمُ اليدين.
وكلُّ هذا قياسُه واحد، كأنَّ ذلك الوَضَحَ أثرٌ ملازمٌ لليد كما قلناه في عصم الحنَّاء.
ومن الباب العِصْمة:
القِلادة، سمِّيت بذلك للزومِها العُنق.
قال لبيدٌ فجمعها على أعصام، كأنه أراد جمع عُصْم:
حتَّى إذا يَئِس الرُّماةُ وأرسَلُوا
***
غُضْفاً دواجنَ قافِلاً أعصامُها ومن الباب:
عِصام المحْمِل:
شِكاله وقَيْدُه الذي يُشَدُّ به عارضاه.
وعصامُ القِربة:
عِقالٌ نحو ذراعين، يُجعلُ في خُرْبَتي المزداتين لتلتقيا.
وقد أعْصَمْتهما:
جعلت لهما عِصاماً.
قال تأبَّط شراً:
وقِرْبةِ أقوامٍ جعلتُ عصامَها
***
على كاهلٍ مِنِّي ذَلولٍ مُرَحَّلِ
قال:
ولا يكون للدَّلْوِ عِصام.
ومن الباب مِعْصم المَرْأة، وهو موضعُ السِّوارَين مِن ساعدَيها.
وقال:
فاليومَ عندك دَلُّها وحديثُها
***
وغَداً لغيرك كَفُّها والمِعصمُ وإنما سمِّي مِعْصماً لإمساكه السِّوار، ثم يكون معصماً ولا سِوار.
ويقال:
أعصَمَ به وأخْلَدَ، إذا لزِمَه.
وعِصامٌ:
رجل.
والعرب تقول عند الاستخبار:
"ما وراءَكَ يا عصام؟"، والأصل قولُ النابغة:
* ولكنْ ما وراءَكَ يا عصامُ * ويقولون للسَّائِدِ بنفسه لا بآبائه:
* نفسُ عِصامٍ سوَّدَتْ عِصَاما *
(عصو/ي) العين والصاد والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، إلاَّ أنَّهما متبايِنان يدلُّ أحدهما على التجمُّع، ويدلُّ الآخر على الفُرْقة.
فالأوَّل العصا، سمِّيت بذلك لاشتمالِ يدِ مُمْسِكِها عليها، ثم قيس ذلك فقيل للجماعة عَصاً.
يقال:
العَصَا:
جماعةُ الإسلام، فمن خالَفَهم فقد شقَّ عصا المسلمين.
وإذا فعل ذلك فقُتِل قيلَ له:
هو قتيلُ العَصا، ولا عَقْلَ له ولا قَوَدَ فيه.
ويقولون:
هذه عَصاً، وعَصَوان، وثلاثُ أعصٍ.
والجمع من غير عددٍ عِصِيٌّ وعُصِيّ.
ويقيسون على العصا فيقولون:
عَصَيْتُ بالسَّيف.
وقال جرير:
تصِفُ السُّيوفَ وغيركم يَعْصَى بها
***
يا ابنَ القُيونِ وذاك فِعْلُ الصَّيْقلِ وقال آخر:
وإنّ المشرفيّةَ قد علمتم
***
إذا يَعْصَى بها النفَرُ الكرامُ وقال في تثنية العصا:
فجاءَتْ بِنَسْجِ العنكبوتِ كأنَّه
***
على عَصَوَيْها سابريٌّ مُشَبْرَقُ ومن الباب:
عَصَوْت الجُرْح أعْصُوه، أي داوَيْتُه.
وهو القياس، لأنّه يتلأّم أي يتجمَّع.
وفي أمثالهم:
"ألقى فلانٌ عصاه".
وذلك إذا انتهى المسافرُ إلى عُشْبٍ وأزمع المقامَ ألقى عصاه.
قال:
فألقَتْ عصاها واستقرَّ بها النَّوى
***
كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ ومن الباب قولُه صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا تَرْفَع عصاك عن أهلك"، لم يُرِد العصا التي يُضرب بها، ولا أمَر أحداً بذلك، ولكنَّه أراد الأدب.
قال أبو عبيد:
وأصل العصا الاجتماع والائتلاف.
وهذا يصحِّح ما قلْناه في قياس هذا البناء.
والأصل الآخَر:
العِصيانُ والمَعصية.
يقال:
عَصَى، وهو عاصٍ، والجمع عُصاة وعَاصون.
والعاصي:
الفَصِيل إذا عَصَى أُمَّه في اتِّباعها.
(عصب) العين والصاد والباء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على رَبْط شيءٍ بشيء، مستطيلاً أو مستديراً.
ثم يفرّع ذلك فروعاً، وكلّه راجعٌ إلى قياس واحد.
من ذلك العَصَب.
قال الخليل:
هي أطناب المفاصل التي تُلائِم بينها، وليس بالعَقَب.
ويقال:
لحمٌ عصِب، أي صلب مكتنِزٌ كثير العصَب.
وفلانٌ معصوب الخَلْق، أي شديد اكتنازِ اللَّحم.
وهو حَسَن العَصْب، وامرأته حَسَنة* العَصْب.
والعَصْب:
الطيُّ الشديد.
ورجلٌ مَعصوب الخَلْق كأنَّما لُوِيَ لَيَّاً.
قال حسان:
ذَروا التّخاجِئَ وامْشُوا مِشيةً سُجُحاً
***
إنَّ الرِّجالَ ذوو عَصْبٍ وتذكيرِ وإنّما سمِّي العَصِيب من أمعاء الشَّاء لأنَّه معصوبٌ مطويٌّ.
فأمّا قولهم للجائع معصوب، فقال قوم:
هو الذي تكاد أمعاؤُه تَعْصَب، أي تَيْبَس.
وليس هذا بشيء، إنَّما المعصوبُ الذي عَصَب بَطْنَه من الجُوع.
ويقال:
عَصَّبَهم، إذا جوَّعَهم.
قال ابنُ الأعرابيّ:
المُعَصَّب:
المحتاج، من قولهم عَصَّبَهُ الجوعُ، وليس هو الذي رَبَط حجراً أو غيره.
وقال أبو عبيد:
المُعَصَّب الذي يتعصَّب من الجوع بالخِرَق.
والقولُ ما قاله أبو عبيدٍ، للقياس الذي قِسناه، ولأنَّ قولَه أشهَرُ عند أهل العِلْم:
وقال أبو زيد:
المُعَصَّب:
الذي عَصَّبته السِّنونَ، أي أكلَتْ مالَه، وهذا صحيحٌ، وتلخيصُه أنَّها ذهَبَتْ بمالِهِ فصار بمنزلة الجائع الذي يَلجأ إلى التَّعصُّبِ بالخرق.
وقال الخليل:
والعَصْب من البُرُود:
يُعصَب، أي يُدرَجُ غَزْلُه، ثم يُصبَغ ثمّ يحاك.
قال:
ولا يُجمَع، إنَّما يقال بُرْدُ عَصْبٍ وبُرودُ عَصْبٍ؛ لأنَّه مضافٌ إلى الفِعل.
ومن الباب:
العِصابة:
الشَّيء يُعْصَب به الرَّأسُ من صُداعٍ.
لا يقال إلاَّ عِصابة بالهاء، وما شَدَتَ به غيرَ الرَّأْس فهو عِصابٌ بغير هاء، فَرَقوا بينَهما ليُعرَفا.
ويقال:
اعْتَصَب بالتَّاج وبالعِمامة.
قال الشَّاعر:
يَعتصِبُ التَّاجَ بين مَفرِقِه
***
على جَبينٍ كأنَّه الذَّهبُ وفلانٌ حَسَنُ العِصْبة، أي الاعتصاب.
وعَصَّبْتُ رأسَه بالعصا والسَّيف تعصبياً، وكأنَّه من العِصابة.
وكان يقال لسعيد بن العاص بن أُمَيَّة:
"ذو العِصابة"، لأنَّه كان إذا اعتمَّ لم يعتمَّ قرشيٌّ إعظاماً له.
ويُنشِدون:
أبو أحيحة مَن يعتمَّ عِمّتَه
***
يُضْرَبْ وإن كان ذا مالٍ وذا عَددِ ومن الباب:
العَصَّاب:
الغزّال، وهو القياس لأنَّ الخَيط يُعصَب به.
قال:
* طَيَّ القَسَاميِّ برودَ العَصَّابْ * والشجرة تُعْصَب أغصانُها لينتثِر ورقُها.
ومنه قول الحجّاج:
"لأعصِبنَّكم عَصْبَ السَّلَمة ".
والعِصاب:
العصائب التي تعصب الشَّجرة، عن دوجها فيه.
قال:
مَطاعيم تغدو بالعَبِيطِ جِفانهمْ
***
إذا القُرُّ ألْوَت بالعِضاه عصائبه وقال ابن أحمر:
يا قوم ما قومِي على نأيِهِمْ
***
إذْ عَصَبَ النَّاسَ جَهامٌ وقُرّْ أي جَمَعَهم وضَمَّهم.
ويُعْصَب فَخِذ النّاقة لتَدُِرّ.
قال:
وأخلاقُنا إعطاؤنا وإباؤُنا
***
إذا ما أبينا لا ندرُّ لعاصِبِ أي لا نُعطِي على القَسْر.
والعَصُوب من الإبل هذه؛ وهي لا تدرّ حتَّى تُعصَب.
والعَصْب:
أن يشَدَّ أُنثَيا الدَّابّة حتَّى تَسقُطا، وهو معصوبٌ.
ويقال:
عَصَب الفَمُ، وهو ريقٌ يجتمع على الأسنان من غبارٍ أو شدَّة عَطَش.
قال:
يَعصِبُ فاه الرِّيقُ أيَّ عَصْبِ
***
عَصْبَ الجُبابِ بِشِفاه الوطْبِ ومن الباب:
العُصْبة، قال الخليل:
هم من الرِّجال عَشرة، ولا يقال لما دونَ ذلك عُصْبة.
وإنَّما سمِّيت عُصْبةً لأنَّها قد عُصِبت، أي كأنَّها رُبِط بعضُها ببعض.
والعُصْبَة والعِصَابة من النَّاس، والطَّير، والخيل.
قال النَّابغة:
إذا ما التقى الجمعانِ حَلَّقَ فوقَهم
***
عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ واعصوصَبَ القَومُ:
صاروا عِصابة.
واليوم العَصيب:
الشَّديد.
واعصَوصَبَ اليومُ:
اشتدَّ.
ويوم عَصَبْصَبٌ واعْصَوْصَبَتْ:
تجمَّعتْ.
قال:
واعْصَوصَبَتْ بَكَراً من حَرْجَفٍ ولها
***
وسْطَ الدِّيار رَذِيَّاتٌ مرازيحُ قال أبو زيد:
كلُّ شيءٍ بشيء فقد عَصَب به.
يقال:
عَصَبَ القومُ بفلان.
قال:
ومنه سميت العَصَبَةُ، وهم قَرَابة الرَّجُل لأبيه وبني عمِّه، وكذلك كلُّ شيءٍ استدارَ حول شيءٍ واستكفَّ فقد عَصِبَ به.
قال ابنُ الأعرابيِّ:
عَصَبَ به وعَصَّب، إذا طافَ به ولزِمَه.
وأنشد:
ألا ترى أنْ قد تدَاكا وِردُ
***
وعَصَّبَ الماء طِوالٌ كبْدُ تَدَاكأ:
تَدافَع.
وعَصَبَ الماء:
لزِمه.
قال أبو مهديّ:
عَصَِبت الإبلُ بالماء تَعصب عُصُوباً، إذا دارَتْ حَولَه وحامت عليه.
قال:
* قد علمت أنِّي إذا الوِرْدُ عَصَبْ * وما عَصَبت بذلك المكان ولا قَرَِبته.
قال الخليل:
العَصَبَة هم الذين يَرِثون الرّجُلَ عن كَلالةٍ من غير والدٍ ولا ولد.
فأمَّا الفرائض فكلُّ مَن لم تكن فريضتُه مسمَّاةً فهو عَصَبَة، إنْ بَقِيَ بعد الفرائض شيءٌ أخذوه.
قال الخليل:
ومنه اشتُقَّ العَصَبِيّة.
قال ابن السِّكِّيت:
ذاك رجلٌ من عَصَب القوم، أي من خيارهم.
وهو قياسُ الباب لأنَّه تُعصب بهم الأمور.
(عصر) العين والصاد والراء أصولٌ ثلاثة صحيحة:
فالأوَّل دهرٌ وحين، والثاني ضَغْط شيء حتَّى يتحلَّب، والثالث تَعَلُّقٌ بشيءٍ وامتساكٌ به.
فالأوَّل العَصْر، وهو الدَّهر.
قال الله:
{وَالعَصْرِ.
إنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر 1- 2].
وربَّما قالوا عُصُر.
قال امرؤ القيس:
ألا أنْعِمْ صباحاً أيُّها الطَّلَلُ البالي
***
وهل يَنْعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي قال الخليل:
والعَصْران:
اللَّيل والنهار.
قال:
ولَنْ يلبث العَصْرانِ يومٌ وليلة
***
إذا اختلفا أن يُدرِكا ما تَيَمَّما قالوا:
وبه سمِّيت صَلاةُ العصر، لأنَّها تُعْصَر، أي تؤخَّر عن الظُّهر.
والغداة والعشيُّ يسمَّيان العصرين.
قال:
* المطعمو النّاسِ اختلافَ العَصْرَيْن * ابن الأعرابيّ:
أعْصَر القومُ وأقْصَرُوا، من العَصْر والقَصْر.
ويقال:
عَصّروا واحتبسوا إلى العصر.
وروي حديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجلٍ:
"حافِظْ على العَصْرَين".
قال الرَّجل:
وما كانت من لغتنا، فقلت:
وما العصران؟
قال:
"صلاةٌ قبلَ طُلوع الشَّمس، وصلاةٌ قبل غروبها"، يريد صلاة الصُّبح وصلاة العصر.
فأمّا الجارية المُعصِر فقد قاسه ناسٌ هذا القياس، وليس الذي قالوه فيه ببعيد.
قال الخليل وغيره:
الجارية إذا رأت في نفسها زيادةَ الشَّباب فقد أعْصَرَتْ، وهي مُعْصِرٌ بلغت عَصْرَ شبابِها وإدراكها.
قال أبو ليلى:
إذا بلغت الجاريةُ وقَرُبت من حَيْضها فهي مُعْصِر.
وأنشد:
جاريةٌ بسَفَوان دارُها
***
قد أعصَرَتْ أو قَدْ دنا إعصارُها قال قومٌ:
سمِّيت معصراً لأنَّها تغيَّرَت عن عَصْرها.
وقال آخرونَ فيه غير هذا، وقد ذكرناه في موضعه.
والأصل الثَّاني العُصارة:
ما تحَلَّبَ من شيءٍ تَعصِره.
قال:
* عصارة الخُبز الذي تَحَلَّبا * وهو العصير.
وقال في العُصَارة:
العودُ يُعصَر ماؤُه
***
ولكلِّ عِيدانٍ عُصَارهْ وقال ابن السِّكِّيت:
تقول العربُ:
"لا أفعله مادامَ الزيتُ يُعْصَر".
قال أوس:
* فلا بُرْء من ضَبَّاءَ والزيتُ يُعْصَر * والعرب تجعل العُصارة والمُعْتَصَر مثلاً للخير والعطاء، إنه لكريم العُصارة وكريم المعتصر.
وعَصَرت العنب، إذا وَلِيتَه بنَفْسك.
واعتصرته، إذا عُصِر لك خَاصّةً.
والمِعْصار:
شيء كالمِخْلاة يُجعل فيه العِنَبُ ويُعصَر.
ومن الباب:
المُعْصِرات:
سحائبُ تجيءُ بمطَر.
قال الله سبحانه:
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِراتِ مَاءً ثَجّاجاً} [النبأ 14].
وأُعْصِرَ القومُ، إذا أتاهم المطر.
وقرئت:
{فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفيهِ يُعْصَرُون} [يوسف 49]، أي يأتيهم المطر.
وذلك مشتقٌّ من عَصْر العنب وغيره.
فأمَّا الرِّياح وتسميتُهم إيَّاها المُعْصِرات فليس يبعُد أنْ يُحمَل على هذا الباب من جهة المجاورَة، لأنَّها لمّا أثارت السَّحابَ المعصرات سمِّيت معصِرات وإعصاراً.
قال في المُعصِرات:
وكأنَّ سُهْكَ المُعْصِرات كَسَوْنها
***
تُرْبَ الفَدَافِدِ والبقاعِ بِمُنْخُلِ والإعصار:
الغبار الذي يسطع مستديراً*؛ والجمع الأعاصير.
قال:
وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتبطاً
***
إذ صار في الرَّمْسِ تَعفوه الأعاصيرُ
ويقال في غُبار العَجاجة أيضاً:
إعصار.
قال الله تعالى:
{فأَصَابَها إعصارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة 266].
ويقال:
مرَّ فلانٌ ولثيابهِ عَصَرَةٌ، أي فَوْحُ طِيبٍ وهَيْجُه.
وهو مأخوذ من الإعصار.
وفي الحديث:
"مرَّت امرأة متطيِّبة لذَيْلها عَصَرَة".
ومن الباب العَصْر والاعتصار.
قال الخليل:
الاعتصار:
أن يَخْرُج من إنسانٍ مالٌ بغُرْمٍ أو بوجه من الوُجوه.
قال ابنُ الأعرابيّ:
يقال:
بنو فلانٍ يعتصرون العطاء.
قال الأصمعي:
المعْتَصِر:
الذي يأخذ من الشَّيء يُصيب منه.
قال ابن أحمر:
وإنَّما العَيشُ برُبَّانِهِ
***
وأنت من أفنانِهِ مُعْتَصِرْ
ويقال للغَلّة عُصارة.
وفسِّر قولُه تعالى:
{وفيه يَعْصِرُون} [يوسف 49]،
قال:
يستغلُّون بأرَضيهِم.
وهذا من القياس، لأنَّه شيءٌ كأنّه اعْتُصر كما يُعتَصر العِنَبُ وغيرُه.
قال الخليل:
العَصْر:
العطاء.
قال طرَفة:
لو كان في أملاكنا أحدٌ
***
يَعصِرُ فينا كالذي تَعْصِرُ أي تُعطِي.
والأصل الثالث:
العَصَر:
الملجأ، يقال اعتَصَر بالمكان، إذا التجأ إليه.
قال أبو دُواد:
مِسَحٍّ لا يواري العَيـ
***
ـرَ منه عَصَرُ اللَّهْبِ ويقال:
ليس لك من هذا الأمر عُصْرة، على فُعلة، وعَصَر على تقدير [فَعَلٍ، أي ] ملجأ.
وقال في العُصْرَة:
* ولقد كان عُصْرةَ المنجودِ *
ويقال في قول القائل:
أعْشَى رأيتَ الرُّمْحَ أو هو مبصرٌ
***
لأستاهكمْ إذ تطرحون المَعَاصِرا إنّ المعاصر:
العمائم.
وقالوا:
هي ثيابٌ سُود.
والصحيح من ذلك أنَّ المعاصر الدّروع، مأخوذ من العَصْر، لأنّه يُعْصَرُ بها.
والله أعلم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب العين ﴿ 21 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞