باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنايها الا لصيد او زرع او ماشية ونحو ذلك
باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنايها الا لصيد او زرع او ماشية ونحو ذلك
2934- قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَاب»، وَفِي رِوَايَة: «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَاب، فَأَرْسَلَ فِي أَقْطَار الْمَدِينَة أَنْ تُقْتَل» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُر بِقَتْلِ الْكِلَاب، فَتَتَبَّعَتْ فِي الْمَدِينَة وَأَطْرَافهَا، فَلَا نَدَع كَلْبًا إِلَّا قَتَلْنَاهُ، حَتَّى إِنَّا لَنَقْتُل كَلْب الْمِرْيَة مِنْ أَهْل الْبَادِيَة يَتْبَعهَا» وَفِي رِوَايَة: «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَاب إِلَّا كَلْب صَيْد أَوْ كَلْب غَنَم أَوْ مَاشِيَة، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَر: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: أَوْ كَلْب زَرْع، فَقَالَ اِبْن عُمَر: إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَة زَرْعًا»، وَفِي رِوَايَة جَابِر: «أَمَرَنَا رَسُول اللَّه بِقَتْلِ الْكِلَاب حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَة تَقْدَم مِنْ الْبَادِيَة بِكَلْبِهَا فَتَقْتُلهُ، ثُمَّ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيم ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَان» وَفِي رِوَايَة اِبْن الْمُغَفَّل قَالَ: «أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَاب، ثُمَّ قَالَ مَا بَالهمْ وَبَال الْكِلَاب؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْب الصَّيْد وَكَلْب الْغَنَم»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فِي كَلْب الْغَنَم» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فِي كَلْب الْغَنَم وَالصَّيْد وَالزَّرْع»، وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْب مَاشِيَة أَوْ ضَارّ نَقَصَ مِنْ عَمَله كُلّ يَوْم قِيرَاطَانِ» وَفِي رِوَايَة: «يَنْقُص مِنْ أَجْره كُلّ يَوْم قِيرَاطًا» وَفِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْد وَلَا مَاشِيَة وَلَا أَرْض فَإِنَّهُ يَنْقُص مِنْ أَجْره قِيرَاطَانِ كُلّ يَوْم» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْره كُلّ يَوْم قِيرَاط» وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بْن أَبِي زُهَيْر: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَله كُلّ يَوْم قِيرَاط» أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَتْل الْكَلْب، وَالْكَلْب الْعَقُور.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْل مَا لَا ضَرَر فيه؛ فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابنَا: أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِقَتْلِهَا كُلّهَا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَنُهِيَ عَنْ قَتْلهَا إِلَّا الْأَسْوَد الْبَهِيم، ثُمَّ اِسْتَقَرَّ الشَّرْع عَلَى النَّهْي عَنْ قَتْل جَمِيع الْكِلَاب الَّتِي لَا ضَرَر فيها سَوَاء الْأَسْوَد وَغَيْره، وَيُسْتَدَلّ لِمَا ذَكَرَهُ بِحَدِيثِ اِبْن الْمُغَفَّل.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: ذَهَبَ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ فِي قَتْل الْكِلَاب إِلَّا مَا اِسْتَثْنَى مِنْ كَلْب الصَّيْد وَغَيْره.
قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَأَصْحَابه.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا هَلْ كَلْب الصَّيْد وَنَحْوه مَنْسُوخ مِنْ الْعُمُوم الْأَوَّل فِي الْحُكْم بِقَتْلِ الْكِلَاب وَأَنَّ الْقَتْل كَانَ عَامًّا فِي الْجَمِيع أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى ذَلِكَ؟ قَالَ: وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى جَوَاز اِتِّخَاذ جَمِيعهَا، وَنُسِخَ الْأَمْر بِقَتْلِهَا، وَالنَّهْي عَنْ اِقْتِنَائِهَا إِلَّا الْأَسْوَد الْبَهِيم.
قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدِي أَنَّ النَّهْي أَوَّلًا كَانَ نَهْيًا عَامًّا عَنْ اِقْتِنَاء جَمِيعهَا، وَأَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعهَا، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلهَا مَا سِوَى الْأَسْوَد، وَمَنَعَ الِاقْتِنَاء فِي جَمِيعهَا إِلَّا كَلْب صَيْد أَوْ زَرْع أَوْ مَاشِيَة.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ ظَاهِر الْأَحَادِيث، وَيَكُون حَدِيث اِبْن الْمُغَفَّل مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى الْأَسْوَد لِأَنَّهُ عَامّ فَيَخُصّ مِنْهُ الْأَسْوَد بِالْحَدِيثِ الْآخَر.
وَأَمَّا اِقْتِنَاء الْكِلَاب فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يَحْرُم اِقْتِنَاء الْكَلْب بِغَيْرِ حَاجَة، وَيَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَلِلزَّرْعِ وَلِلْمَاشِيَةِ.
وَهَلْ يَجُوز لِحِفْظِ الدُّور وَالدُّرُوب وَنَحْوهَا؟ فيه وَجْهَانِ:أَحَدهمَا لَا يَجُوز لِظَوَاهِر الْأَحَادِيث فَإِنَّهَا مُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ إِلَّا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْد أَوْ مَاشِيَة، وَأَصَحّهَا يَجُوز قِيَاسًا عَلَى الثَّلَاثَة عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الْأَحَادِيث وَهِيَ الْحَاجَة.
وَهَلْ يَجُوز اِقْتِنَاء الْجَرْو وَتَرْبِيَته لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْع أَوْ الْمَاشِيَة؟ فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا جَوَازه.
✯✯✯✯✯✯
2937- قَوْله: (قَالَ اِبْن عُمَر إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَة زَرْعًا) وَقَالَ سَالِم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: أَوْ كَلْب حَرْث، وَكَانَ صَاحِب حَرْث» قَالَ الْعُلَمَاء: لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَة، وَلَا شَكًّا فيها، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِب زَرْع وَحَرْث اِعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ، وَالْعَادَة أَنَّ الْمُبْتَلَى بِشَيْءٍ يُتْقِنهُ مَا لَا يُتْقِنهُ غَيْره، وَيَتَعَرَّف مِنْ أَحْكَامه مَا لَا يَعْرِفهُ غَيْره، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم هَذِهِ الزِّيَادَة وَهِيَ اِتِّخَاذه لِلزَّرْعِ مِنْ رِوَايَة اِبْن الْمُغَفَّل، وَمَنْ رِوَايَة سُفْيَان بْن أَبِي زُهَيْر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اِبْن الْحَكَم، وَاسْمه عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُعْم الْبَجَلِيّ عَنْ اِبْن عُمَر، فَيَحْتَمِل أَنَّ اِبْن عُمَر لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَة، وَتَحَقَّقَهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهَا عَنْهُ بَعْد ذَلِكَ، وَزَادَهَا فِي حَدِيثه الَّذِي كَانَ يَرْوِيه بِدُونِهَا، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْت أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَاهَا، وَنَسِيَهَا فِي وَقْت فَتَرَكَهَا.
وَالْحَاصِل أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَة، بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة فِي رِوَايَتهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ اِنْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَة مَرْضِيَّة مُكَرَّمَة.
✯✯✯✯✯✯
2938- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيم ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَان» مَعْنَى الْبَهِيم الْخَالِص السَّوَاد، وَأَمَّا النُّقْطَتَانِ فُهِّمَا نُقْطَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بَيْضَاوَانِ فَوْق عَيْنَيْهِ وَهَذَا مُشَاهَد مَعْرُوف.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ شَيْطَان» اِحْتَجَّ بِهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَبَعْض أَصْحَابنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوز صَيْد الْكَلْب الْأَسْوَد الْبَهِيم، وَلَا يَحِلّ إِذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ شَيْطَان، إِنَّمَا حَلَّ صَيْد الْكَلْب.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: يَحِلّ صَيْد الْكَلْب الْأَسْوَد كَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إِخْرَاجه عَنْ جِنْس الْكِلَاب، وَلِهَذَا لَوْ وَلَغَ فِي إِنَاء وَغَيْره وَجَبَ غَسْله كَمَا يُغْسَل مِنْ وُلُوغ الْكَلْب الْأَبْيَض.
✯✯✯✯✯✯
2939- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالهمْ وَبَال الْكِلَاب؟» أَيْ مَا شَأْنهمْ؟ أَيْ لِيَتْرُكُوهَا.
✯✯✯✯✯✯
2940- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْب مَاشِيَة أَوْ ضَارِي» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ (ضَارِي بِالْيَاءِ)، وَفِي بَعْضهَا: «ضَارِيًا» بِالْأَلِفِ بَعْد الْيَاء مَنْصُوبًا، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْب ضَارِيَة» وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوَّل رُوِيَ (ضَارِي) بِالْيَاءِ، (وَضَارٍ) بِحَذْفِهَا، (وَضَارِيًا) فَأَمَّا (ضَارِيًا) فَهُوَ ظَاهِر الْإِعْرَاب، وَأَمَّا (ضَارِي وَضَارٍ) فَهُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْعَطْف عَلَى مَاشِيَة وَيَكُون مِنْ إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صِفَته كَمَاءِ الْبَارِد، وَمَسْجِد الْجَامِع، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ} {وَلَدَار الْآخِرَة} وَسَبَقَ بَيَان هَذَا مَرَّات وَيَكُون ثُبُوت الْيَاء فِي (ضَارِي) عَلَى اللُّغَة الْقَلِيلَة فِي إِثْبَاتهَا فِي الْمَنْقُوص مِنْ غَيْر أَلِف وَلَام، وَالْمَشْهُور حَذْفهَا، وَقِيلَ: إِنَّ لَفْظَة (ضَارٍ) هُنَا صِفَة لِلرَّجُلِ الصَّائِد صَاحِب الْكِلَاب الْمُعْتَاد لِلصَّيْدِ فَسَمَّاهُ ضَارِيًا اِسْتِعَارَة كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِلَّا كَلْب مَاشِيَة أَوْ كَلْب صَائِد» وَأَمَّا رِوَايَة: «إِلَّا كَلْب ضَارِيَة» فَقَالُوا: تَقْدِيره إِلَّا كَلْب ذِي كِلَاب ضَارِيَة.
وَالضَّارِي هُوَ الْمُعَلَّم الصَّيْد الْمُعْتَاد لَهُ، يُقَال مِنْهُ ضَرِيَ الْكَلْب يَضْرِي كَشَرِيَ يَشْرِي ضَرًّا وَضَرَاوَة، وَأَضْرَاهُ أَيْ عَوَّدَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ ضَرِيَ بِالصَّيْدِ إِذَا لَهِجَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِنَّ لِلَّحْمِ ضَرَاوَة كَضَرَاوَةِ الْخَمْر.
قَالَ جَمَاعَة: مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ عَادَة يَنْزِع إِلَيْهَا كَعَادَةِ الْخَمْر.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّ لِأَهْلِهِ عَادَة فِي أَكْله كَعَادَةِ شَارِب الْخَمْر فِي مُلَازَمَته، وَكَمَا أَنَّ مَنْ اِعْتَادَ الْخَمْر لَا يَكَاد يَصْبِر عَنْهَا كَذَا مَنْ اِعْتَادَ اللَّحْم.
✯✯✯✯✯✯
2941- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَقَصَ مِنْ أَجْره» وَفِي رِوَايَة: «مِنْ عَمَله كُلّ يَوْم قِيرَاطَانِ» وَفِي رِوَايَة (قِيرَاط) فَأَمَّا رِوَايَة (عَمَله) فَمَعْنَاهُ مِنْ أَجْر عَمَله.
وَأَمَّا الْقِيرَاط هُنَا فَهُوَ مِقْدَار مَعْلُوم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
وَالْمُرَاد نَقَصَ جُزْء مِنْ أَجْر عَمَله.
وَأَمَّا اِخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي قِيرَاط وَقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّهُ فِي نَوْعَيْنِ مِنْ الْكِلَاب أَحَدهمَا أَشَدّ أَذًى مِنْ الْآخَر، وَلِمَعْنًى فيهمَا أَوْ يَكُون ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِع، فَيَكُون الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَة خَاصَّة لِزِيَادَةِ فَضْلهَا، وَالْقِيرَاط فِي غَيْرهَا.
أَوْ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدَائِن وَنَحْوهَا مِنْ الْقُرَى، وَالْقِيرَاط فِي الْبَوَادِي، أَوْ يَكُون ذَلِكَ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاط أَوَّلًا ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَيْنِ.
قَالَ الرُّويَانِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الْبَحْر: اِخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِمَا يَنْقُص مِنْهُ فَقِيلَ: يَنْقُص مِمَّا مَضَى مِنْ عَمَله، وَقِيلَ مِنْ مُسْتَقْبَله.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلّ نَقْص الْقِيرَاطَيْنِ، فَقِيلَ: يَنْقُص قِيرَاط مِنْ عَمَل النَّهَار، وَقِيرَاط مِنْ عَمَل اللَّيْل، أَوْ قِيرَاط مِنْ عَمَل الْفَرْض، وَقِيرَاط مِنْ عَمَل النَّفْل.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي سَبَب نُقْصَان الْأَجْر بِاقْتِنَاءِ الْكَلْب، فَقِيلَ: لِامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَة مِنْ دُخُول بَيْته بِسَبَبِهِ.
وَقِيلَ: لِمَا يَلْحَق الْمَارِّينَ مِنْ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيع الْكَلْب لَهُمْ وَقَصْده إِيَّاهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُ لِاِتِّخَاذِهِ مَا نُهِيَ عَنْ اِتِّخَاذه، وَعِصْيَانه فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: لِمَا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ وُلُوغه فِي غَفْلَة صَاحِبه وَلَا يَغْسِلهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2951- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا» الْمُرَاد بِالضَّرْعِ الْمَاشِيَة كَمَا فِي سَائِر الرِّوَايَات، وَمَعْنَاهُ مَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا لِغَيْرِ زَرْع وَمَاشِيَة.
قَوْله: (وَفَدَ عَلَيْهِمْ سُفْيَان بْن أَبِي زُهَيْر الشَّنَئِيّ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ بِشِينٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مَفْتُوحَة ثُمَّ هَمْزَة مَكْسُورَة مَنْسُوب إِلَى أَزْد شَنُوءَة بِشِينٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مَضْمُومَة ثُمَّ هَمْزَة مَمْدُودَة ثُمَّ هَاء.
وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة (الشَّنَوِيّ) بِالْوَاوِ، وَهُوَ صَحِيح عَلَى إِرَادَة التَّسْهِيل، وَرُوَاة بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ شَنُوِيّ بِضَمِّ النُّون عَلَى الْأَصْل.
باب الامر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنايها الا لصيد او زرع او ماشية ونحو ذلك