باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب واثبات وليمة العرس
باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب واثبات وليمة العرس
2567- قَوْله: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» أَيْ فَاخْطُبْهَا لِي مِنْ نَفْسهَا فيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْس أَنْ يَبْعَث الرَّجُل لَخِطْبَة الْمَرْأَة لَهُ مَنْ كَانَ زَوْجهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَه ذَلِكَ كَمَا كَانَ حَال زَيْد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي» مَعْنَاهُ أَنَّهُ هَابَهَا وَاسْتَجَلَّهَا مِنْ أَجَل إِرَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوُّجهَا، فَعَامَلَهَا مُعَامَلَة مَنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِعْظَام وَالْإِجْلَال وَالْمَهَابَة.
وَقَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرهَا» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ: «أَنَّ» أَيْ مِنْ أَجْل ذَلِكَ.
وَقَوْله: «نَكَصْت» أَيْ رَجَعْت.
وَكَانَ جَاءَ إِلَيْهَا لِيَخْطُبهَا، وَهُوَ يَنْظُر إِلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتهمْ، وَهَذَا قَبْل نُزُول الْحِجَاب، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْإِجْلَال تَأَخَّرَ وَخَطَبَهَا وَظَهْره إِلَيْهَا لِئَلَّا يَسْبِقهُ النَّظَر إِلَيْهَا.
قَوْلهَا: «مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أَوَامِر رَبِّي فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا» أَيْ مَوْضِع صَلَاتهَا مِنْ بَيْتهَا.
وَفيه اِسْتِحْبَاب صَلَاة الِاسْتِخَارَة لِمَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْأَمْر ظَاهِر الْخَيْر أَمْ لَا، وَهُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ جَابِر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا الِاسْتِخَارَة فِي الْأُمُور كُلّهَا يَقُول: «إِذَا هَمَّ أَحَدكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْر الْفَرِيضَة إِلَى آخِره»، وَلَعَلَّهَا اِسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِير فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «وَنَزَلَ الْقُرْآن وَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن» يَعْنِي نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكهَا} فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَة.
قَوْله: «وَلَقَدْ رَأَيْتنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْز وَاللَّحْم حِين اِمْتَدَّ النَّهَار» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ (أَنَّ).
وَقَوْله: «حِين اِمْتَدَّ النَّهَار» أَيْ اِرْتَقَعَ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ (حِين) بِالنُّونِ.
قَوْله: «يَتَتَبَّع حُجَر نِسَائِهِ يُسَلِّم عَلَيْهِنَّ» إِلَى آخِره سَبَقَ شَرْحه فِي الْبَاب قَبْله.
✯✯✯✯✯✯
2569- قَوْله: «أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ» يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ لِشِبَعِهِمْ.
قَوْله: «مَا أَوْلَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَر أَوْ أَفْضَل مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَب» يَحْتَمِل أَنَّ سَبَب ذَلِكَ الشُّكْر لِنِعْمَةِ اللَّه فِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِالْوَحْيِ لَا بِوَلِيٍّ وَشُهُود، بِخِلَافِ غَيْرهَا.
وَمَذْهَبنَا الصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا صِحَّةُ نِكَاحه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَلِيّ وَلَا شُهُود لِعَدَمِ الْحَاجَة إِلَى ذَلِكَ فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْخِلَاف فِي غَيْر زَيْنَب، وَأَمَّا زَيْنَب فَمَنْصُوص عَلَيْهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2570- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَز) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْجِيم وَفَتْح اللَّام وَبَعْدهَا زَاي، وَحُكِيَ بِفَتْحِ الْمِيم، وَالْمَشْهُور الْأَوَّل، وَاسْمه (لَاحِق بْن حُمَيْدٍ) قِيلَ: وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَنْ أَوَّل اِسْمه لَام أَلِف غَيْره.
✯✯✯✯✯✯
2572- قَوْله: «عَنْ أَنَس قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْر فَقَالَتْ: يَا أَنَس اِذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْك أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئك السَّلَام وَتَقُول: إِنَّ هَذَا لَك مِنَّا قَلِيل يَا رَسُول اللَّه» فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِأَصْدِقَاءِ الْمُتَزَوِّج أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ بِطَعَامٍ يُسَاعِدُونَهُ بِهِ عَلَى وَلِيمَته، وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي الْبَاب قَبْله، وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَان الْحَيْس، وَفيه الِاعْتِذَار إِلَى الْمَبْعُوث إِلَيْهِ وَقَوْل الْإِنْسَان نَحْو قَوْل أُمّ سُلَيْمٍ: «هَذَا لَك مِنَّا قَلِيل»، وَفيه اِسْتِحْبَاب بَعْث السَّلَام إِلَى الصَّاحِب وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْ الْبَاعِث، لَكِنَّ هَذَا يَحْسُن إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْ مَوْضِعه، أَوْ لَهُ عُذْر فِي عَدَم الْحُضُور بِنَفْسِهِ لِلسَّلَامِ.
(وَالتَّوْر) بِتَاءٍ مُثَنَّاة فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ وَاو سَاكِنَة إِنَاء مِثْل الْقَدَح سَبَقَ بَيَانه فِي بَاب الْوُضُوء.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيت وَسَمَّى رِجَالًا.
قَالَ: فَدَعَوْت مَنْ سَمَّى، وَمَنْ لَقِيت.
قَالَ: قُلْت لِأَنَسٍ عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاء ثَلَاثمِائَةٍ» قَوْله (زُهَاء) بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح الْهَاء وَبِالْمَدِّ، وَمَعْنَاهُ نَحْو ثَلَاثمِائَةٍ.
وَفيه أَنَّهُ يَجُوز فِي الدَّعْوَة أَنْ يَأْذَن الْمُرْسِل فِي نَاسٍ مُعَيَّنِينَ، وَفِي مُبْهَمِين كَقَوْلِهِ: (مَنْ لَقِيت)، (مَنْ أَرَدْت).
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَكْثِيرِ الطَّعَام كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْكِتَاب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«يَا أَنَس هَاتِ التَّوْر» هُوَ بِكَسْرِ التَّاء مِنْ (هَاتِ) كُسِرْت لِلْأَمْرِ كَمَا تُكْسَر الطَّاء مِنْ أَعْطِ.
قَوْله: «وَزَوْجَته مُوَلِّيَة وَجْههَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (وَزَوْجَته) بِالتَّاءِ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيث وَالشِّعْر، وَالْمَشْهُور حَذْفهَا.
قَوْله: «ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ» هُوَ بِضَمِّ الْقَاف الْمُخَفَّفَةبَاب الْأَمْر بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى دَعْوَة:دَعْوَة الطَّعَام بِفَتْحِ الدَّال وَدَعْوَة النَّسَب بِكَسْرِهَا هَذَا قَوْل جُمْهُور الْعَرَب، وَعَكَسَهُ تَيْم الرِّبَاب بِكَسْرِ الرَّاء، فَقَالُوا: الطَّعَام بِالْكَسْرِ، وَالنَّسَب بِالْفَتْحِ.
وَأَمَّا قَوْل قُطْرُب فِي الْمُثَلَّث إِنَّ دَعْوَة الطَّعَام بِالضَّمِّ فَغَلَّطُوهُ فيه.
✯✯✯✯✯✯
2574- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة فَلْيَأْتِهَا» فيه الْأَمْر بِحُضُورِهَا، وَلَا خِلَاف فِي أَنَّهُ مَأْمُور بِهِ، وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَمْر إِيجَاب أَوْ نَدْب؟ فيه خِلَاف.
الْأَصَحّ فِي مَذْهَبنَا أَنَّهُ فَرْض عَيْن عَلَى كُلّ مَنْ دُعِيَ، لَكِنْ يَسْقُط بِأَعْذَارٍ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالثَّانِي أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة.
وَالثَّالِث مَنْدُوب.
هَذَا مَذْهَبنَا فِي وَلِيمَة الْعُرْس، وَأَمَّا غَيْرهَا فَفيها وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدهمَا أَنَّهَا كَوَلِيمَةِ الْعُرْس، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِجَابَة إِلَيْهَا نَدْب، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعُرْس وَاجِبَة.
وَنَقَلَ الْقَاضِي اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب الْإِجَابَة فِي وَلِيمَةِ الْعُرْس.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا.
فَقَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور: لَا تَجِب الْإِجَابَة إِلَيْهَا.
وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: تَجِب الْإِجَابَة إِلَى كُلّ دَعْوَة مِنْ عُرْس وَغَيْره، وَبِهِ قَالَ بَعْض السَّلَف.
وَأَمَّا الْأَعْذَار الَّتِي يَسْقُط بِهَا وُجُوب إِجَابَة الدَّعْوَة أَوْ نَدْبهَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُون فِي الطَّعَام شُبْهَة، أَوْ يَخُصّ بِهَا الْأَغْنِيَاء، أَوْ يَكُون هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مَعَهُ، أَوْ لَا تَلِيق بِهِ مُجَالَسَته، أَوْ يَدْعُوهُ لِخَوْفِ شَرّه، أَوْ لِطَمَعٍ فِي جَاهه، أَوْ لِيُعَاوِنهُ عَلَى بَاطِل، وَأَنْ لَا يَكُون هُنَاكَ مُنْكَر مِنْ خَمْر أَوْ لَهْو أَوْ فُرُش حَرِير أَوْ صُوَر حَيَوَان غَيْر مَفْرُوشَة أَوْ آنِيَة ذَهَب أَوْ فِضَّة.
فَكُلّ هَذِهِ أَعْذَار فِي تَرْك الْإِجَابَة وَمِنْ الْأَعْذَار أَنْ يَعْتَذِر إِلَى الدَّاعِي فَيَتْرُكهُ.
وَلَوْ دَعَاهُ ذِمِّيّ لَمْ تَجِب إِجَابَته عَلَى الْأَصَحّ.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَة ثَلَاثَة أَيَّام فَالْأَوَّل تَجِب الْإِجَابَة فيه، وَالثَّانِي تُسْتَحَبّ، وَالثَّالِث تُكْرَه.
✯✯✯✯✯✯
2576- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة عُرْس فَلْيُجِبْ» قَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَخُصّ وُجُوب الْإِجَابَة بِوَلِيمَةِ الْعُرْس، وَيَتَعَلَّق الْآخَرُونَ بِالرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَة.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوه» وَيَحْمِلُونَ هَذَا عَلَى الْغَالِب أَوْ نَحْوه مِنْ التَّأْوِيل.
و(الْعُرْس) بِإِسْكَانِ الرَّاء وَضَمّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَة، وَفيها لُغَة بِالتَّذْكِيرِ.
✯✯✯✯✯✯
2581- قَوْله: (وَكَانَ عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن عُمَر يَأْتِي الدَّعْوَة فِي الْعُرْس وَغَيْر الْعُرْس وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِم) فيه أَنَّ الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْإِجَابَة، وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابنَا قَالُوا: إِذَا دُعِيَ وَهُوَ صَائِم لَزِمَهُ الْإِجَابَة كَمَا يَلْزَم الْمُفْطِر، وَيَحْصُل الْمَقْصُود بِحُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُل فَقَدْ يَتَبَرَّك بِهِ أَهْل الطَّعَام وَالْحَاضِرُونَ، وَقَدْ يَتَجَمَّلُونَ بِهِ، وَقَدْ يَنْتَفِعُونَ بِدُعَائِهِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ، أَوْ يَنَصَانُون عَمَّا لَا يَنَصَانُون عَنْهُ فِي غَيْبَته وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2582- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاع فَأَجِيبُوا» وَالْمُرَاد بِهِ عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء كُرَاع الشَّاة، وَغَلَّطُوا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى كُرَاع الْغَمِيم، وَهُوَ مَوْضِع بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة عَلَى مَرَاحِل مِنْ الْمَدِينَة.
✯✯✯✯✯✯
2583- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى (فَلْيُصَلِّ) قَالَ الْجُمْهُور: مَعْنَاهُ فَلْيَدْعُ لِأَهْلِ الطَّعَام بِالْمَغْفِرَةِ وَالْبَرَكَة وَنَحْو ذَلِكَ، وَأَصْل الصَّلَاة فِي اللُّغَة الدُّعَاء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وَقِيلَ: الْمُرَاد الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود، أَيْ يَشْتَغِل بِالصَّلَاةِ لِيَحْصُل لَهُ فَضْلهَا، وَلِتَبَرُّكِ أَهْل الْمَكَان وَالْحَاضِرِينَ.
وَأَمَّا الْمُفْطِر فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ، وَفِي الْأُولَى مُخَيَّر وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحّ فِي مَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَجِب الْأَكْل فِي وَلِيمَة الْعُرْس وَلَا فِي غَيْرهَا، فَمَنْ أَوْجَبَهُ اِعْتَمَدَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَتَأَوَّلَ الْأُولَى عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا.
وَمَنْ لَمْ يُوجِبهُ اِعْتَمَدَ التَّصْرِيح بِالتَّخْيِيرِ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى، وَحَمَلَ الْأَمْر فِي الثَّانِيَة عَلَى النَّدْب.
وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْأَكْل فَأَقَلّه لُقْمَة، وَلَا تَلْزَمهُ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُل حَنِثَ بِلُقْمَةٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَيَّل صَاحِب الطَّعَام أَنَّ اِمْتِنَاعه لِشُبْهَةٍ يَعْتَقِدهَا فِي الطَّعَام، فَإِذَا أَكَلَ لُقْمَة زَالَ ذَلِكَ التَّخَيُّل، هَكَذَا صَرَّحَ بِاللُّقْمَةِ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا.
وَأَمَّا الصَّائِم فَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْأَكْل، لَكِنْ إِنْ كَانَ صَوْمه فَرْضًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْل لِأَنَّ الْفَرْض لَا يَجُوز الْخُرُوج مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا جَازَ الْفِطْر وَتَرْكه.
فَإِنْ كَانَ يَشُقّ عَلَى صَاحِب الطَّعَام صَوْمه فَالْأَفْضَل الْفِطْر، وَإِلَّا فَإِتْمَام الصَّوْم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2584- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2585- قَوْله: «شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة» ذَكَرَهُ مُسْلِم مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَة، وَمَرْفُوعًا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَدِيث إِذَا رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا حُكِمَ بِرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح لِأَنَّهَا زِيَادَة ثِقَة.
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث الْإِخْبَار بِمَا يَقَع مِنْ النَّاس بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُرَاعَاة الْأَغْنِيَاء فِي الْوَلَائِم وَنَحْوهَا، وَتَخْصِيصهمْ بِالدَّعْوَةِ، وَإِيثَارهمْ بِطَيِّبِ الطَّعَام، وَرَفْع مَجَالِسهمْ وَتَقْدِيمهمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ الْغَالِب فِي الْوَلَائِم.
وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
✯✯✯✯✯✯
2586- قَوْله: (سَمِعْت ثَابِتًا الْأَعْرَج يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هُوَ ثَابِت بْن عِيَاض الْأَعْرَج الْأَحْنَف الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيُّ مَوْلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب، وَقِيلَ: مَوْلَى عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب، وَقِيلَ: اِسْمه ثَابِت بْن الْأَحْنَف بْن عِيَاض.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب واثبات وليمة العرس
باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب واثبات وليمة العرس