باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الافراط في السرعة واباحة سورتين فاكثر في الركعة
باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الافراط في السرعة واباحة سورتين فاكثر في الركعة
1358- ذَكَرَ فِي الْإِسْنَاد الْأَوَّل (اِبْن أَبِي شَيْبَة وَابْن نُمَيْر عَنْ وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ اِبْن مَسْعُود) وَفِي الثَّانِي (أَبَا كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ كُوفِيُّونَ.
قَوْله لِلَّذِي سَأَلَ اِبْن مَسْعُود عَنْ {آسِن}: (كُلّ الْقُرْآن قَدْ أَحْصَيْت غَيْر هَذَا الْحَرْف) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَرْشِد فِي سُؤَاله، إِذْ لَوْ كَانَ مُسْتَرْشِدًا لَوَجَبَ جَوَابه وَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ.
قَوْله: (إِنِّي لَأَقْرَأ الْمُفَصَّل فِي رَكْعَة فَقَالَ اِبْن مَسْعُود: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْر) مَعْنَاهُ: أَنَّ الرَّجُل أَخْبَرَ بِكَثْرَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود: تَهُذُّهُ هَذًّا، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الذَّال، وَهُوَ شِدَّة الْإِسْرَاع وَالْإِفْرَاط فِي الْعَجَلَة.
فَفيه النَّهْي عَنْ الْهَذّ، وَالْحَثّ عَلَى التَّرْتِيل وَالتَّدَبُّر، وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء.
قَالَ الْقَاضِي: وَأَبَاحَتْ طَائِفَة قَلِيلَة الْهَذّ.
قَوْله: (كَهَذِّ الشِّعْر) مَعْنَاهُ فِي تَحَفُّظه وَرِوَايَته لَا فِي إِسْنَاده وَتَرَنُّمه؛ لِأَنَّهُ يُرَتَّل فِي الْإِنْشَاد وَالتَّرَنُّم فِي الْعَادَة.
قَوْله: (إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز تَرَاقِيَهُمْ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْب فَرَسَخَ فيه نَفَعَ) مَعْنَاهُ: أَنَّ قَوْمًا لَيْسَ حَظّهمْ مِنْ الْقُرْآن إِلَّا مُرُوره عَلَى اللِّسَان فَلَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ لِيَصِل قُلُوبهمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوب، بَلْ الْمَطْلُوب تَعَلُّقه وَتَدَبُّره بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْب.
قَوْله: (إِنَّ أَفْضَل الصَّلَاة الرُّكُوع وَالسُّجُود) هَذَا مَذْهَب اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَل الصَّلَاة طُول الْقُنُوت» وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَب مَا يَكُون الْعَبْد مِنْ رَبّه وَهُوَ سَاجِد» بَيَان مَذَاهِب الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة.
قَوْله (لَأَعْلَمُ النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُن بَيْنهنَّ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَة) وَفَسَّرَهَا فَقَالَ: (عِشْرُونَ سُورَة فِي عَشْر رَكَعَات مِنْ الْمُفَصَّل فِي تَأْلِيف عَبْد اللَّه) قَالَ الْقَاضِي: هَذَا صَحِيح مُوَافِق لِرِوَايَةِ عَائِشَة وَابْن عَبَّاس أَنَّ قِيَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِحْدَى عَشْرَة رَكْعَة بِالْوِتْرِ، وَأَنَّ هَذِهِ كَانَ قَدْر قِرَاءَته غَالِبًا، وَأَنَّ تَطْوِيله الْوَارِد إِنَّمَا كَانَ فِي التَّدَبُّر وَالتَّرْتِيل، وَمَا وَرَدَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ فِي قِرَاءَته الْبَقَرَة وَالنِّسَاء وَآلَ عِمْرَان كَانَ فِي نَادِر مِنْ الْأَوْقَات.
وَقَدْ جَاءَ بَيَان هَذِهِ السُّورَة الْعِشْرِينَ فِي رِوَايَة فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ: الرَّحْمَن وَالنَّجْم فِي رَكْعَة، وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّة فِي رَكْعَة وَالطُّور وَالذَّارِيَات فِي رَكْعَة، وَالْوَاقِعَة وَنُون فِي رَكْعَة، وَسَأَلَ سَائِل وَالنَّازِعَات فِي رَكْعَة، وَوَيْل لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَة، وَالْمُدَّثِّر وَالْمُزَّمِّل فِي رَكْعَة، وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِم فِي رَكْعَة، وَعَمَّ وَالْمُرْسَلَات فِي رَكْعَة، وَالدُّخَان وَإِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ فِي رَكْعَة، وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِقِصَرِ سُوَره وَقُرْب اِنْفِصَال بَعْضهنَّ مِنْ بَعْض.
✯✯✯✯✯✯
1359- قَوْله فِي هَذِهِ الرِوَايَة: (ثَمَانِيَة عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّل وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُفَصَّل مَا بَعْد آل حم.
وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُولَى (عِشْرُونَ مِنْ الْمُفَصَّل)، وَقَوْله هُنَا: (ثَمَانِيَة عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّل وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم) لَا تَعَارُض فيه، لِأَنَّ مُرَاده فِي الْأُولَى مُعْظَم الْعِشْرِينَ مِنْ الْمُفَصَّل.
قَالَ الْعُلَمَاء: أَوَّل الْقُرْآن السَّبْع الطِّوَال ثُمَّ ذَوَات الْمَئِين، وَهُوَ مَا كَانَ فِي السُّورَة مِنْهَا مِائَة آيَة وَنَحْوهَا، ثُمَّ الْمَثَانِي، ثُمَّ الْمُفَصَّل وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الْخِلَاف فِي أَوَّل الْمُفَصَّل فَقِيلَ: مِنْ الْقِتَال، وَقِيلَ: مِنْ الْحُجُرَات، وَقِيلَ مِنْ (ق).
قَوْله: (فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيَّة) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء غَيْر مَهْمُوز، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَاضِحًا فِي بَاب مَا يُقَال فِي اِفْتِتَاح الصَّلَاة.
قَوْله: (مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أَذِنَ لَكُمْ فَقُلْنَا: لَا إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعْض أَهْل الْبَيْت نَائِم، فَقَالَ: ظَنَنْتُمْ بِآلِ اِبْن أُمّ عَبْد غَفْلَة) مَعْنَاهُ: لَا مَانِع لَنَا إِلَّا تَوَهُّمنَا أَنَّ بَعْض أَهْل الْبَيْت نَائِم فَنُزْعِجهُ، وَمَعْنَى قَوْلهمْ (ظَنَنَّا) تَوَهَّمْنَا وَجَوَّزْنَا، لَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا الظَّنّ الْمَعْرُوف لِلْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ رُجْحَان الِاعْتِقَاد، وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُرَاعَاة الرَّجُل لِأَهْلِ بَيْته وَرَعِيَّته فِي أُمُور دِينهمْ.
قَوْله: (اُنْظُرِي هَلْ طَلَعَتْ الشَّمْس) فيه قَبُول خَبَر الْوَاحِد وَخَبَر الْمَرْأَة وَالْعَمَل بِالظَّنِّ مَعَ إِمْكَان الْيَقِين؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِقَوْلِهَا وَهُوَ مُفِيد لِلظَّنِّ مَعَ قُدْرَته عَلَى رُؤْيَة الشَّمْس.
قَوْله: (ثَمَانِيَة عَشَرَ مِنْ الْمُفَصَّل) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول الْمَشْهُورَة ثَمَانِيَة عَشَرَ.
وَفِي نَادِر مِنْهَا (ثَمَان عَشْرَة) وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا عَلَى تَقْدِير ثَمَانِيَة عَشَرَ نَظِيرًا.
قَوْله: (وَسُورَتَيْنِ مِنْ آل حم) يَعْنِي مِنْ السُّوَر الَّتِي أَوَّلهَا حم كَقَوْلِك: فُلَان مِنْ آلِ فُلَان، قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد (حم) نَفْسهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث: «مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ» أَيْ: دَاوُدَ نَفْسه.
✯✯✯✯✯✯
1361- قَوْله: (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُن بَيْنهنَّ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاء وَفيه جَوَاز سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَة.
باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الافراط في السرعة واباحة سورتين فاكثر في الركعة