باب الحاء والباء وما يثلثهما
باب الحاء والباء وما يثلثهما
(حبج) الحاء والباء والجيم ليس عندي أصلاً يعوّل عليه ولا يُفَرّع منه، وما أدري ما صحّة قولهم:
حَبَجَ العَلَمُ بَدَا، وحَبَجَت النارُ:
بدَتْ بَغْتَةً.
وحَبِجَت الإبل، إذا أكلت العَرفَج فاشتكت بطونَها، كلُّ ذلك قريبٌ في الضَّعف بعضُه مِن بعض.
وأما حَبَجَ بها، فالجيم مبدلةٌ من قاف.
(حبر) الحاء والباء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد، وهو الأَثرُ في حُسْنٍ وبَهاء.
فالحَبَار:
الأثَر.
قال الشاعر يصف فرساً:
ولم يقلِّبْ أرضَها البَيْطارُ
***
ولا لِحَبْليه بها حَبَارُ ثم يتشعَّب هذا فيُقال للذي يُكتَب به حِبرٌ، وللذي يَكتُب بالحبر حِبرٌ وحَبرٌ، وهو العالِم، وجمعه أحبار.
والحَِبْر:
الجمال والبهاء.
وفي الحديث:
"يخرج من النار رجلٌ قد ذَهب حَِبْرُه وسَِبْرُه".
وقال ابن أحمر:
لبِسْنا حِبْرَهْ حتى اقتُضِينا
***
لأعمالٍ وآجالٍ قُضِينا والمُحَبَّر:
الشيء المزَيَّن.
وكان يقال لطُفيلٍ الغنويِّ محبِّر؛ لأنه كان يحبّر الشعر ويزيِّنه.
وقد يجيء في غير الحُسْنِ أيضاً قياساً.
فيقولون حَبِر الرجلُ، إذا كان بجلده قروحٌ فبرِئتْ وبقيت لها آثار.
والحَِبْر:
صُفرة تعلُو الأسنان.
وثوبٌ حَبِيرٌ من الباب الأول:
جديدٌ حَسَن.
والحَبْرَةُ:
الفرح.
قال الله تعالى:
{فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم 15]،
ويقال قِدْحٌ مُحبَّر، أجيد بَرْيُه.
وأرضٌ مِحبارٌ:
سريعة النبات.
والحَبِير من السحاب:
الكثير الماء.
ومما شذَّ عن الباب قولهم:
ما فيه حَبَرْبَرٌ، أي شيءٌ.
والحُبَارَى:
طائر ويقولون:
"مات فلانٌ كَمَدَ الحُبَارَى" وذلك أنها تُلقِي ريشَها مع إلقاء سائر* الطيرِ ريشَه، ويُبطئ نباتُ ريشها.
فإذا طار الطير ولم تَقْدِر هي على الطَّيران ماتت كَمَداً.
قال:
وزَيدٌ ميِّتٌ كَمَد الحُبارَى
***
إذا ظعنت هُنَيْدةُ أو مُلِمُّ أي مقاربٌ.
وقال الراعي في الحُبارى:
حلفتُ لهم لا يحسبون شَتِيمَتِي
***
بعَيْنَيْ حُبارَى في حِبالةِ مُعْزِبِ رأتْ رجلاً يسعى إليها فحملقَتْ
***
إليه بمَأْقي عينها المتقلِّبِ تنوشُ برجليها وقد بَلّ ريشَها
***
رَشاشٌ كغِسْلِ الوفرة… المُعْزِب:
الصائد؛ لأنه لا يأوي إلى أهله.
وحَمْلقَتْ:
قَلَبت حملاقَ عينِها.
والمعنى أن شتمكم إيّاي لا يذهب باطلاً، فأكون بمنزلةِ الحبارى التي لا حيلة عندها إذا وقعت في الحِبالة إلا تقليبُ عينها.
وهي من أذَلّ الطير.
وتنوشُ برجليها:
تضربُ بهما.
والغِِسْل:
الخِطمى.
يريد سلحَتْ على ريشها.
ومثلُه قول الكُميت:
وَعِيدَ الحُبارَى من بعيدٍ تنفَّشت
***
لأزرقَ مَعْلولِ الأظافير بالخَضْبِ
(حبس) الحاء والباء والسين.
يقال حَبَسْتُه حَبْساً.
والحَبْس:
ما وُقِف.
يقال أَحْبَسْتُ فرساً في سبيل الله.
والحِبْسُ:
مَصنعةٌ للماء، والجمع أحباس.
(حبش) الحاء والباء والشين كلمةٌ واحدة تدلُّ على التجمُّع.
فالأحابيشُ:
جماعات يتجمَّعون من قبائلَ شتَّى.
قال ابن رَوَاحةَ:
وجئنا إلى موجٍ من البحر زاخرٍ
***
أحابِيشَ منهم حاسرٌ ومُقَنَّعُ
(حبص) الحاء والباء والصاد ليس أصلاً.
ويزعمون أنّ فيه كلمةً واحدة.
ذكر ابن دريد:
حَبَصَ الفَرَسُ، إذا عدا عدْواً شديداً.
(حبض) الحاء والباء والضاد أصلان:
أحدهما التحرّك، والآخَرَ النقص.
فالحَبَضُ:
التحرُّك، ومنه الحابض، وهو السَّهم الذي يقع بين يدي رامِيهِ، وذلك نقصانه على الغرض.
ويقال حَبَضَ ماءُ الرّكِيَّة:
نَقَص.
ويقال من الثاني:
أحْبَض فلانٌ بِحقِّي إحباضاً، أي أبطله.
وأمَّا المحابض، وهي المَشاوِر:
عيدانٌ تُشْتار بها العَسَل، فممكن أن يكون من الأول.
قال ابن مُقبِل:
كأنَّ أصواتَها من حيثُ تسمعُها
***
صَوْتُ المحابض ينْزعِن المَحارينا
(حبط) الحاء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بطلانٍ أو ألَمٍ.
يقال:
أحبط اللهُ عملَ الكافر، أي أبطله.
وأمّا الألَم فالحَبَط:
أن تأكل الدَّابةُ حَتَّى تُنْفَخ لذلك بطنُها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّ مما يُنبِت الرَّبيعُ ما يقتُل حَبَطاً أو يُلِمّ".
وسُمِّي الحارثُ الحَبَِطَ لأنّه كان في سفرٍ؛ فأصابه مثلُ هذا.
وهم هؤلاء الذين يُسَمَّوْن الحَبِطَاتِ من تميم.
ومما يقرب من هذا الباب حَبِطَ الجِلدُ، إذا كانت به جراحٌ فَبَرَأت وبقيتْ بها آثارٌ.
(حبق) الحاء والباء والقاف ليس عندي بأصلٍ يُؤخَذُ به ولا معنى له.
لكنهم يقولون حبَّق متاعَه، إذا جمعه.
ولا أدري كيف صحَّتُه.
(حبك) الحاء والباء والكاف أصل منقاسٌ مطّرِد؛ وهو إحكام الشَّيء في امتدادٍ واطِّراد.
يقال بعيرٌ مَحْبُوكُ القَرَى، أي قويُّه.
ومن الاحتباك الاحتباء، وهو شد الإزار؛ وهو قياس الباب.
وحُبُك السماء في قوله تعالى:
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات 7]، فقال قومٌ:
ذاتِ الخَلْق الحَسن المُحْكَم.
وقال آخرون:
الحُبُك الطرائق، الواحدة حَبِيكة.
ويراد بالطّرائِق طرائِق النُّجوم.
ويقال كساءٌ مُحَبَّكٌ، أي مخطَّط.
(حبل) الحاء والباء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتداد الشيء.
ثمّ يحمل عليه، ومَرْجِع الفروع مرجعٌ واحد.
فالحبل الرَّسَن، معروف، والجمع حِبال.
والحبل:
حبل العاتق.
والحَبل:
القطعة من الرّمل يستطيل.
والمحمول عليه الحَبْل، وهو العهد.
قال الأعشى:
وإذا تُجَوِّزها حبالُ قبيلةٍ
***
*أخذت من الأخرى إليك حبالَها ويريد الأمانَ وعُهودَ الخََُِفارة.
يريد أنّه يُخفَر من قبيلةٍ حتّى يصل إلى قبيلةٍ أخرى، فتخفر هذه حتّى تبلغ.
والحِبالة:
حِبالة الصائد.
ويقال احتَبَلَ الصّيدَ، إذا صادَهُ بالحبالة.
قال الكميت:
ولا تجعلوني في رجائِيَ وُدَّكُمْ
***
كَراجٍ على بيض الأنوق احتبالَها لا تجعلوني كَمنْ رجا مَن لا يكون؛ لأنّ الرخَمَة لا يُوصَل إليها، فمَنْ رجا أن يَصِيدَها على بيضها فقد رجا ما لا يكون.
وأمّا قول لبيد:
ولقد أغْدُو وما يُعْدِمُني
***
صاحبٌ غَيْرُ طويلِ المحْتَبَلْ فإنّه يريد بمحتَبَلِهِ أرساغَه، لأنّ الحبلَ يكون فيها إذا شُكِلَ.
ويقال للواقف مكانَه لا يفرّ.
"حَبِيلُ بَرَاحٍ"، كأنّه محبولٌ، أي قد شُدّ بالحِبال.
وزعم ناسٌ أنّ الأسدَ يقال له حَبِيلُ بَرَاحٍ.
ومن المشتق من هذا الأصلِ الحِبْل، بكسر الحاء، وهي الداهية.
قال:
فلا تَعْجَلِي يا عَزَّ أنْ تتفهَّمِي
***
بنُصْحٍ أتَى الواشونَ أم بِحُبولِ ووجْهُهُ عندي أنّ الإنسان إذا دُهِي فكأنّه قد حُبِل، أي وقع في الحِبالة، كالصَّيد الذي يُحبَل.
وليس هذا ببعيدٍ.
ومن الباب الحَبَل، وهو الحَمْل، وذلك أن الأيّام تَمْتَدُّ به.
وأمّا الكَرْم فيقال له حَبْلة وحَبَلَة، وهو من الباب، لأنه في نباتِهِ كالأرشية.
وأما الحُبْلَة فثمر العِضاه.
وقال سعد بن أبي وقّاص:
"كنا نَغزُو مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وما لنا طعامٌ إلاّ الحُبْلَة وورق السَّمُر".
وفيما أحسب أنّ الحُبْلَة، وهي حَلْي يُجعَل في القلائد، من هذا، ولعلَّه مشبَّه بثمرِهِ.
قال:
ويَزِينها في النَّحر حَلْيٌ واضِحٌ
***
وقلائدٌ من حُبْلَةٍ وسُلوسِ
(حبن) الحاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ، فيه كلمتان محمولةٌ إحداهما على الأخرى.
فالحِبْن كالدُّمَّل في الجَسد،
ويقال بل الرّجُل الأحْبَن الذي به السِّقْي.
والكلمة الأُخْرى أمُّ حُبَيْن، وهي دابّة قدرُ كفِّ الإنسان.
(حبو) الحاء والباء والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو القُرْب والدنُوّ؛ وكل دانٍ حابٍ.
وبه سُمِّي حَبِيُّ السَّحاب، لدنُوِّه من الأفق.
ومن الباب حبَوْتُ الرّجلَ، إذا أعطيتَه حُبْوة وحِبْوة، والاسم الحِباء.
وهذا لا يكون إلا للتألُّف والتقريب.
ومنه احتَبَى الرّجُل، إذا جَمَع ظَهْرَه وساقَيه بثوبٍ، وهي الحِبوة والحُبْوة أيضاً، لغتانِ.
والحابي:
السهم الذي يزحَفُ إلى الهَدَف.
والعرب تقول:
حبَوْت للخَمْسِينَ، إذا دنوتَ لها.
وذكر الأصمعيُّ كلمةً لعلها تبعُد في الظاهر من هذا الأصل قليلاً، وليست في التحقيق بعيدة
قال:
فلان يَحْبُو ما حَوْلَه، أي يحميه ويَمنعُه.
قال ابنُ أحمر:
وراحَتِ الشَّوْلُ ولم يَحْبُها
***
فَحْلٌ ولم يَعْتَسَّ فيها مُدِرّْ ويقال، وهو القياس المطَّرِد، إنّ الحِبَى مقصور مكسور الحاء:
خاصّةُ المَلِك، وجمعه أحْبَاء.
وقال بعضهم:
بل الواحد حَبَأٌ مهموز مقصور.
وسمي بذلك لقُربه ودُنُوِّه.
فلم يُخْلِفْ من الباب شيءٌ.
والله أعلم.
باب الحاء والباء وما يثلثهما
باب الحاء والباء وما يثلثهما
باب الحاء والباء وما يثلثهما