باب تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج اليه لرعي الكلا وتحريم منع بذله وتحريم بيع ضراب الفحل
۞۞۞۞۞۞۞
2925- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع فَضْل الْمَاء» وَفِي رِوَايَة: «عَنْ بَيْع ضِرَاب الْجَمَل، وَعَنْ بَيْع الْمَاء وَالْأَرْض لِتُحْرَث»، وَفِي رِوَايَة: «لَا يُمْنَع فَضْل الْمَاء لِيُمْنَع بِهِ الْكَلَأ»، وَفِي رِوَايَة: «لَا تُبَاع فَضْل الْمَاء لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأ» أَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع فَضْل الْمَاء لِيُمْنَع بِهَا الْكَلَأ فَمَعْنَاهُ أَنْ تَكُون لِإِنْسَانٍ بِئْر مَمْلُوكَة لَهُ بِالْفَلَاةِ، وَفيها مَاء فَاضِل عَنْ حَاجَته، وَيَكُون هُنَاكَ كَلَأ لَيْسَ عِنْده مَاء إِلَّا هَذِهِ، فَلَا يُمْكِن أَصْحَاب الْمَوَاشِي رَعْيه إِلَّا إِذَا حَصَلَ لَهُمْ السَّقْي مِنْ هَذِهِ الْبِئْر فَيَحْرُم عَلَيْهِ مَنْع فَضْل هَذَا الْمَاء لِلْمَاشِيَةِ، وَيَجِب بَذْله لَهَا بِلَا عِوَض، لِأَنَّهُ إِذَا مَنْع بَذْله اِمْتَنَعَ النَّاس مِنْ رَعْي ذَلِكَ الْكَلَأ خَوْفًا عَلَى مَوَاشِيهمْ مِنْ الْعَطَش، وَيَكُون بِمَنْعِهِ الْمَاء مَانِعًا مِنْ رَعْي الْكَلَأ.
وَأَمَّا الرِّوَايَة الْأُولَى: «نَهَى عَنْ بَيْع فَضْل الْمَاء»، فَهِيَ مَحْمُولَة عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَة الَّتِي فيها لِيَمْنَع بِهِ الْكَلَأ، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ فِي غَيْره، وَيَكُون نَهْي تَنْزِيه.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُون الْبَذْل لِحَاجَةِ الْمَاشِيَة لَا لِسَقْيِ الزَّرْع.
وَالثَّالِث أَنْ لَا يَكُون مَالِكه مُحْتَاجًا إِلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح أَنَّ مَنْ نَبَعَ فِي مِلْكه مَاء صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: لَا يَمْلِكهُ.
أَمَّا إِذَا أَخْذ الْمَاء فِي إِنَاء مِنْ الْمَاء الْمُبَاح فَإِنَّهُ يَمْلِكهُ، هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضهمْ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: لَا يَمْلِكهُ، بَلْ يَكُون أَخَصّ بِهِ، وَهَذَا غَلَط ظَاهِر.
✯✯✯✯✯✯
2926- قَوْله: «نَهَى عَنْ ضِرَاب الْجَمَل» مَعْنَاهُ عَنْ أُجْرَة ضِرَابه، وَهُوَ عَسْب الْفَحْل الْمَذْكُور فِي حَدِيث آخَر، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَإِسْكَان السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِجَارَة الْفَحْل وَغَيْره مِنْ الدَّوَابّ لِلضِّرَابِ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر وَآخَرُونَ: اِسْتِئْجَاره لِذَلِكَ بَاطِل وَحَرَام، وَلَا يَسْتَحِقّ فيه عِوَض، وَلَوْ أَنَزَاهُ الْمُسْتَأْجِر لَا يَلْزَمهُ الْمُسَمَّى مِنْ أُجْرَة، وَلَا أُجْرَة مِثْل، وَلَا شَيْء مِنْ الْأَمْوَال.
قَالُوا: لِأَنَّهُ غَرَر مَجْهُول، وَغَيْر مَقْدُور عَلَى تَسْلِيمه، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَالِك وَآخَرُونَ: يَجُوز اِسْتِئْجَاره لِضِرَابِ مُدَّة مَعْلُومَة، أَوْ لِضَرَبَاتٍ مَعْلُومَة، لِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفَعَة مَقْصُودَة، وَحَمَلُوا النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه وَالْحَثّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق كَمَا حَمَلُوا عَلَيْهِ مَا قَرَنَهُ بِهِ مِنْ النَّهْي عَنْ إِجَارَة الْأَرْض وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «نَهَى عَنْ بَيْع الْأَرْض لِتُحْرَث» مَعْنَاهُ نَهَى عَنْ إِجَارَتهَا لِلزَّرْعِ، وَقَدْ سُبِقَتْ الْمَسْأَلَة وَاضِحَة فِي بَاب كِرَاء الْأَرْض، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْجُمْهُور يُجَوِّزُونَ إِجَارَتهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَاب وَنَحْوهَا، وَيَتَأَوَّلُونَ النَّهْي تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّهُ نَهْي تَنْزِيه لِيَعْتَادُوا إِعَارَتهَا وَإِرْفَاق بَعْضهمْ بَعْضًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى إِجَارَتهَا عَلَى أَنْ يَكُون لِمَالِكِهَا قِطْعَة مُعَيَّنَة مِنْ الزَّرْع.
وَحَمَلَهُ الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ الْمُزَارَعَة عَلَى إِجَارَتهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُج مِنْهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2929- قَوْله: «لَا يُبَاع فَضْل الْمَاء لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأ» - فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فَضْل مَاء بِالْفَلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُنَاكَ كَلَأ لَا يُمْكِن رَعْيه إِلَّا إِذَا تَمَكَّنُوا مِنْ سَقْي الْمَاشِيَة مِنْ هَذَا الْمَاء، فَيَجِب عَلَيْهِ بَذْل هَذَا الْمَاء لِلْمَاشِيَةِ بِلَا عِوَض، وَيَحْرُم عَلَيْهِ بَيْعه؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ كَأَنَّهُ بَاعَ الْكَلَأ الْمُبَاح لِلنَّاسِ كُلّهمْ الَّذِي لَيْسَ مَمْلُوكًا لِهَذَا الْبَائِع؛ وَسَبَب ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَاب الْمَاشِيَة لَمْ يَبْذُلُوا الثَّمَن فِي الْمَاء لِمُجَرَّدِ إِرَادَة الْمَاء، بَلْ لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى رَعْي الْكَلَأ، فَمَقْصُودهمْ تَحْصِيل الْكَلَأ، فَصَارَ بِبَيْعِ الْمَاء كَأَنَّهُ بَاعَ الْكَلَأ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ أَهْل اللُّغَة (الْكَلَأ) مَهْمُوز مَقْصُور هُوَ النَّبَات سَوَاء كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَأَمَّا (الْحَشِيش) وَالْهَشِيم فَهُوَ مُخْتَصّ بِالْيَابِسِ، وَأَمَّا (الْخَلَى) فَمَقْصُور غَيْر مَهْمُوز، وَالْعُشْب مُخْتَصّ بِالرَّطْبِ، وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الرُّطْب بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَان الطَّاء.
باب تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج اليه لرعي الكلا وتحريم منع بذله وتحريم بيع ضراب الفحل
باب تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج اليه لرعي الكلا وتحريم منع بذله وتحريم بيع ضراب الفحل