باب حديث التعليم في الخطبة
باب حديث التعليم في الخطبة
قَوْله: «اِنْتَهَيْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه رَجُل غَرِيب جَاءَ يَسْأَل عَنْ دِينه لَا يَدْرِي مَا دِينه قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَته حَتَّى اِنْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْت قَوَائِمه حَدِيدًا قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُعَلِّمنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّه ثُمَّ أَتَى خُطْبَته فَأَتَمَّ آخِرهَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «حَسِبْت» وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم: «خِلْت» بِكَسْرِ الْخَاء وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ بِمَعْنَى حَسِبْت.
قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي نُسْخَة اِبْن الْحَذَّاء: «خَشَب» بِالْخَاءِ وَالشِّين الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَفِي كِتَاب اِبْن قُتَيْبَة: «خُلَب» بِضَمِّ الْخَاء وَآخِره بَاء مُوَحَّدَة، وَفَسَّرَهُ بِاللِّيفِ، وَكِلَاهُمَا تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: «حَسِبْت» بِمَعْنَى ظَنَنْت كَمَا هُوَ فِي نُسَخ مُسْلِم وَغَيْره مِنْ الْكُتُب الْمُعْتَمَدَة.
وَقَوْله: «رَجُل غَرِيب يَسْأَل عَنْ دِينه لَا يَدْرِي مَا دِينه» فيه اِسْتِحْبَاب تَلَطُّف السَّائِل فِي عِبَارَته وَسُؤَاله الْعَالِم.
وَفيه تَوَاضُع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِفْقه بِالْمُسْلِمِينَ، وَشَفَقَته عَلَيْهِمْ، وَخَفْض جَنَاحه لَهُمْ.
وَفيه الْمُبَادَرَة إِلَى جَوَاب الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيم أَهَمّ الْأُمُور فَأَهَمّهَا، وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنْ الْإِيمَان وَقَوَاعِده الْمُهِمَّة.
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَل عَنْ الْإِيمَان وَكَيْفِيَّة الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَجَبَ إِجَابَته وَتَعْلِيمه عَلَى الْفَوْر وَقُعُوده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُرْسِيّ لِيَسْمَع الْبَاقُونَ كَلَامه وَيَرَوْا شَخْصه الْكَرِيم.
وَيُقَال: كُرْسِيّ بِضَمِّ الْكَاف وَكَسْرهَا وَالضَّمّ أَشْهَر.
وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَة الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها خُطْبَة أَمْر غَيْر الْجُمُعَة، وَلِهَذَا قَطَعَهَا بِهَذَا الْفَصْل الطَّوِيل، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا كَانَتْ الْجُمُعَة وَاسْتَأْنَفَهَا، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ لَمْ يَحْصُل فَصْل طَوِيل، وَيَحْتَمِل أَنَّ كَلَامه لِهَذَا الْغَرِيب كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْخُطْبَةِ فَيَكُون مِنْهَا وَلَا يَضُرّ الْمَشْي فِي أَثْنَائِهَا.
باب حديث التعليم في الخطبة