📁 آخر الأخبار

باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة

 

 باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة

باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة


2402- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْم أَكْثَر مِنْ أَنْ يُعْتِق اللَّه فيه عَبْدًا مِنْ النَّار مِنْ يَوْم عَرَفَة وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَة فَيَقُول: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» هَذَا الْحَدِيث ظَاهِر الدَّلَالَة فِي فَضْل يَوْم عَرَفَة، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ رَجُل: اِمْرَأَتِي طَالِق فِي أَفْضَل الْأَيَّام، فَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ: أَحَدهمَا: تَطْلُق يَوْم الْجُمُعَة؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْر يَوْم طَلَعَتْ فيه الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة»، كَمَا سَبَقَ فِي صَحِيح مُسْلِم، وَأَصَحّهمَا: يَوْم عَرَفَة؛ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب، وَيُتَأَوَّل حَدِيث يَوْم الْجُمُعَة عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل أَيَّام الْأُسْبُوع، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ الْمَازِرِيّ: مَعْنَى: «يَدْنُو» فِي هَذَا الْحَدِيث: أَيْ تَدْنُو رَحْمَته وَكَرَامَته، لَا دُنُوّ مَسَافَة وَمُمَاسَّة.

قَالَ الْقَاضِي: يُتَأَوَّل فيه مَا سَبَقَ فِي حَدِيث النُّزُول إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر مِنْ غَيْظ الشَّيْطَان يَوْم عَرَفَة لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّل الرَّحْمَة، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يُرِيد دُنُوّ الْمَلَائِكَة إِلَى الْأَرْض أَوْ إِلَى السَّمَاء بِمَا يَنْزِل مَعَهُمْ مِنْ الرَّحْمَة وَمُبَاهَاة الْمَلَائِكَة بِهِمْ عَنْ أَمْره سُبْحَانه وَتَعَالَى، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ الْحَدِيث فِي صَحِيح مُسْلِم مُخْتَصَرًا، وَذَكَره عَبْد الرَّزَّاق فِي مُسْنَده مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر قَالَ: «إِنَّ اللَّه يَنْزِل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَة يَقُول: هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاؤنِي شُعْثًا غُبْرًا يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْف لَوْ رَأَوْنِي؟» وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيث.

✯✯✯✯✯✯

‏2403- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعُمْرَة إِلَى الْعُمْرَة كَفَّارَة لِمَا بَيْنهمَا» هَذَا ظَاهِر فِي فَضِيلَة الْعُمْرَة وَأَنَّهَا مُكَفِّرَة لِلْخَطَايَا الْوَاقِعَة بَيْن الْعُمْرَتَيْنِ، وَسَبَقَ فِي كِتَاب الطَّهَارَة بَيَان هَذِهِ الْخَطَايَا، وَبَيَان الْجَمْع بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَأَحَادِيث تَكْفِير الْوُضُوء لِلْخَطَايَا، وَتَكْفِير الصَّلَوَات وَصَوْم عَرَفَة وَعَاشُورَاء، وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ فِي نُصْرَة مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور فِي اِسْتِحْبَاب تَكْرَار الْعُمْرَة فِي السَّنَة الْوَاحِدَة مِرَارًا، وَقَالَ مَالِك وَأَكْثَر أَصْحَابه: يُكْرَه أَنْ يَعْتَمِر فِي السَّنَة أَكْثَر مِنْ عُمْرَة، قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَعْتَمِر فِي شَهْر أَكْثَر مِنْ عُمْرَة.

وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيع السَّنَة وَقْت لِلْعُمْرَةِ، فَتَصِحّ فِي كُلّ وَقْت مِنْهَا إِلَّا فِي حَقّ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّس بِالْحَجِّ، فَلَا يَصِحّ اِعْتِمَاره حَتَّى يَفْرُغ مِنْ الْحَجّ، وَلَا تُكْرَه عِنْدنَا لِغَيْرِ الْحَاجّ فِي يَوْم عَرَفَة وَالْأَضْحَى وَالتَّشْرِيق وَسَائِر السَّنَة، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: تُكْرَه فِي خَمْسَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، وَالنَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تُكْرَه فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَهِيَ: عَرَفَة، وَالتَّشْرِيق.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْعُمْرَة: فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا وَاجِبَة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَابْن الْمُسَيَّب وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَسْرُوق وَابْن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيّ وَأَبُو بُرْدَة بْن أَبِي مُوسَى وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد وَدَاوُد، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر: هِيَ سُنَّة وَلَيْسَتْ وَاجِبَة، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ النَّخَعِيِّ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْحَجّ الْمَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة» الْأَصَحّ الْأَشْهَر: أَنَّ الْمَبْرُور هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطهُ إِثْم مَأْخُوذ مِنْ الْبِرّ وَهُوَ الطَّاعَة، وَقِيلَ: هُوَ الْمَقْبُول، وَمِنْ عَلَامَة الْقَبُول أَنْ يَرْجِع خَيْرًا مِمَّا كَانَ، وَلَا يُعَاوِد الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فيه، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُعْقِبهُ مَعْصِيَة، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَا قَبْلهمَا، وَمَعْنَى: «لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة»: أَنَّهُ لَا يَقْتَصِر لِصَاحِبِهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى تَكْفِير بَعْض ذُنُوبه، بَلْ لابد أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2404- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمّه» قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق} وَالرَّفَث: اِسْم لِلْفُحْشِ مِنْ الْقَوْل، وَقِيلَ: هُوَ الْجِمَاع، وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور فِي الْآيَة، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُمْ} يُقَال: رَفَث وَرَفِثَ بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرِهَا، يَرْفُث وَيَرْفِث وَيَرْفَث بِضَمِّ الْفَاء وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا، وَيُقَال أَيْضًا: أَرْفَثَ بِالْأَلِفِ، وَقِيلَ: الرَّفَث: التَّصْرِيح بِذِكْرِ الْجِمَاع، قَالَ الْأَزْهَرِيّ: هِيَ جَامِعَة لِكُلِّ مَا يُرِيدهُ الرَّجُل مِنْ الْمَرْأَة، وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يُخَصِّصهُ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاء، قَالَ: وَمَعْنَى: «كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه»: أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب.

وَأَمَّا الْفُسُوق فَالْمَعْصِيَة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.


باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة

باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة


تعليقات