باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من اذى المشركين والمنافقين
باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من اذى المشركين والمنافقين
3349- قَوْله: (أَيّكُمْ يَقُوم إِلَى سَلَا جَزُور بَنِي فُلَان إِلَى آخِره) (السَّلَا) بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف اللَّام مَقْصُور، وَهُوَ: اللِّفَافَة الَّتِي يَكُون فيها الْوَلَد فِي بَطْن النَّاقَة وَسَائِر الْحَيَوَان، وَهِيَ مِنْ الْآدَمِيَّة: الْمَشِيمَة.
قَوْله: (فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْم) هُوَ: عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَفِي هَذَا الْحَدِيث إِشْكَال، فَإِنَّهُ يُقَال: كَيْف اِسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاة مَعَ وُجُود النَّجَاسَة عَلَى ظَهْره؟ وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاض: بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَجِسٍ.
قَالَ: لِأَنَّ الْفَرْث وَرُطُوبَة الْبَدَن طَاهِرَانِ، وَالسَّلَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّجِس الدَّم، وَهَذَا الْجَوَاب يَجِيء عَلَى مَذْهَب مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَآخَرِينَ نَجَاسَته، وَهَذَا الْجَوَاب الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي ضَعِيف أَوْ بَاطِل؛ لِأَنَّ هَذَا السَّلَا يَتَضَمَّن النَّجَاسَة مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْفَكّ مِنْ الدَّم فِي الْعَادَة، وَلِأَنَّهُ ذَبِيحَة عُبَّاد الْأَوْثَان فَهُوَ نَجِس، وَكَذَلِكَ اللَّحْم، وَجَمِيع أَجْزَاء هَذَا الْجَزُور.
وَأَمَّا الْجَوَاب الْمُرْضِيّ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم مَا وُضِعَ عَلَى ظَهْره، فَاسْتَمَرَّ فِي سُجُوده اِسْتِصْحَابًا لِلطَّهَارَةِ، وَمَا نَدْرِي هَلْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاة فَرِيضَة فَتَجِب إِعَادَتهَا عَلَى الصَّحِيح عِنْدنَا أَمْ غَيْرهَا فَلَا تَجِب؟ فَإِنْ وَجَبَتْ الْإِعَادَة فَالْوَقْت مُوَسَّع لَهَا فَإِنْ قِيلَ يَبْعُد أَلَّا يُحِسّ بِمَا وَقَعَ عَلَى ظَهْره، قُلْنَا: وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ فَمَا يَتَحَقَّق أَنَّهُ نَجَاسَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَة طَرَحْته) هِيَ بِفَتْحِ النُّون، وَحُكِيَ إِسْكَانهَا، وَهُوَ شَاذّ ضَعِيف، وَمَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ لِي قُوَّة تَمْنَع أَذَاهُمْ، أَوْ كَانَ لِي عَشِيرَة بِمَكَّةَ تَمْنَعنِي، وَعَلَى هَذَا (مَنَعَة) جَمْع (مَانِع) كَكَاتِبِ وَكَتَبَة.
قَوْله: «وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا» فيه: اِسْتِحْبَاب تَكْرِير الدُّعَاء ثَلَاثًا.
وَقَوْله: (وَإِذَا سَأَلَ) هُوَ الدُّعَاء، لَكِنْ عَطَفَهُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ تَوْكِيدًا.
قَوْله: «ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِأَبِي جَهْل بْن هِشَام وَعُتْبَةَ بْن رَبِيعَة وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُقْبَةَ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم (وَالْوَلِيد بْن عُقْبَةَ) بِالْقَافِ، اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ غَلَط، وَصَوَابه (وَالْوَلِيد بْن عُتْبَةَ) بِالتَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر اِبْن أَبِي شَيْبَة بَعْد هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَغَيْره مِنْ أَئِمَّة الْحَدِيث عَلَى الصَّوَاب، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان فِي آخِر الْحَدِيث فَقَالَ: الْوَلِيد بْن عُقْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيث غَلَط، قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْوَلِيد بْن عُقْبَةَ بِالْقَافِ هُوَ اِبْن أَبِي مُعَيْط، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْت مَوْجُودًا أَوْ كَانَ طِفْلًا صَغِيرًا جِدًّا، فَقَدْ أَتَى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح وَهُوَ قَدْ نَاهَزَ الِاحْتِلَام لِيَمْسَحَ عَلَى رَأْسه.
قَوْله: «وَذَكَرَ السَّابِع وَلَمْ أَحْفَظهُ» وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ تَسْمِيَة السَّابِع أَنَّهُ عُمَارَة بْن الْوَلِيد.
قَوْله: «وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْت الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْم بَدْر ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيب قَلِيب بَدْر» هَذِهِ إِحْدَى دَعَوَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُجَابَة، (وَالْقَلِيب): هِيَ الْبِئْر الَّتِي لَمْ تُطْوَ، وَإِنَّمَا وُضِعُوا فِي الْقَلِيب تَحْقِيرًا لَهُمْ، وَلِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاس بِرَائِحَتِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ دَفْنًا لِأَنَّ الْحَرْبِيّ لَا يَجِب دَفْنه، قَالَ أَصْحَابنَا: بَلْ يُتْرَك فِي الصَّحْرَاء، إِلَّا أَنْ يُتَأَذَّى بِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِعْتَرَضَ بَعْضهمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي قَوْله: رَأَيْتهمْ صَرْعَى بِبَدْرٍ، وَمَعْلُوم أَنَّ أَهْل السِّيَر قَالُوا: إِنَّ عُمَارَة بْن الْوَلِيد وَهُوَ أَحَد السَّبْعَة، كَانَ عِنْد النَّجَاشِيّ، فَاتَّهَمَهُ فِي حَرَمه، وَكَانَ جَمِيلًا، فَنَفَخَ فِي إِحْلِيله سِحْرًا فَهَامَ مَعَ الْوُحُوش فِي بَعْض جَزَائِر الْحَبَشَة فَهَلَكَ، قَالَ الْقَاضِي: وَجَوَابه أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ رَأَى أَكْثَرهمْ بِدَلِيلِ أَنَّ عُقْبَةَ بْن أَبِي مُعَيْط مِنْهُمْ وَلَمْ يُقْتَل بِبَدْرٍ، بَلْ حُمِلَ مِنْهَا أَسِيرًا، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبْرًا بَعْد اِنْصِرَافه مِنْ بَدْر بِعِرْقِ الظُّبْيَة، قُلْت: الظُّبْيَة: ظَاء مُعْجَمَة مَضْمُومَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة سَاكِنَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت ثُمَّ هَاء، هَكَذَا ضَبَطَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابه الْمُؤْتَلِف فِي الْأَمَاكِن، قَالَ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هُوَ مِنْ الرَّوْحَاء عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة.
✯✯✯✯✯✯
3350- قَوْله: «تَقَطَّعَتْ أَوْصَاله فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْر» الْأَوْصَال: الْمَفَاصِل.
قَوْله: «فَلَمْ يُلْقَ» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ بِالْقَافِ فَقَطْ، وَفِي أَكْثَرهَا (فَلَمْ يُلْقَى) بِالْأَلِفِ وَهُوَ جَائِز عَلَى لُغَة، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه مَرَّات وَقَرِيبًا.
قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة: «وَكَانَ يُسْتَحَبّ ثَلَاثًا» هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا: (يُسْتَحَبّ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة فِي آخِره، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِهَاءٍ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ، قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَر، وَمَعْنَاهُ الْإِلْحَاح.
✯✯✯✯✯✯
3352- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمْ أَسْتَفِق إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِب» أَيْ: لَمْ أَفْطِن لِنَفْسِي وَأَتَنَبَّه لِحَالِي وَلِلْمَوْضِعِ الَّذِي أَنَا ذَاهِب إِلَيْهِ.
وَفيه، إِلَّا وَأَنَا عِنْد قَرْن الثَّعَالِب لِكَثْرَةِ هَمِّي الَّذِي كُنْت فيه، قَالَ الْقَاضِي: قَرْن الثَّعَالِب وَهُوَ قَرْن الْمَنَازِل، وَهُوَ مِيقَات أَهْل نَجْد، وَهُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّة، وَأَصْل الْقَرْن: كُلّ جَبَل صَغِير يَنْقَطِع مِنْ جَبَل كَبِير.
قَوْله: «إِنْ شِئْت أَطْبَقْت عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ» هُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالْخَاءِ وَالشِّين الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَهُمَا جَبَلَا مَكَّة: أَبُو قُبَيْس، وَالْجَبَل الَّذِي يُقَابِلهُ.
✯✯✯✯✯✯
3353- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَع دَمِيتِ وَفِي سَبِيل اللَّه مَا لَقِيت» لَفْظ (مَا) هُنَا بِمَعْنَى (الَّذِي) أَيْ: الَّذِي لَقِيته مَحْسُوب فِي سَبِيل اللَّه، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب غَزْوَة حُنَيْنٍ أَنَّ الرَّجَز هَلْ هُوَ شِعْر؟ وَأَنَّ مَنْ قَالَ: هُوَ شِعْر قَالَ: شَرَطَ أَنْ يَكُون مَقْصُودًا، وَهَذَا لَيْسَ مَقْصُودًا، وَأَنَّ الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة: دَمِيتِ وَلَقِيت بِكَسْرِ التَّاء، وَأَنَّ بَعْضهمْ أَسْكَنَهَا.
قَوْله: «كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَار فَنُكِبَتْ أُصْبُعه» كَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (فِي غَار) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْكِنَانِيّ: لَعَلَّهُ (غَازِيًا) فَتَصَحَّفَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فِي بَعْض الْمُشَاهَدَة»، وَكَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «بَيْنَمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَر»، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يُرَاد بِالْغَارِ هُنَا الْجَيْش وَالْجَمْع، لَا الْغَار الَّذِي هُوَ الْكَهْف، فَيُوَافِق رِوَايَة بَعْض الْمُشَاهَد، وَمِنْهُ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «مَا ظَنّك بِامْرِئٍ بَيْن هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ» أَيْ: الْعَسْكَرَيْنِ وَالْجَمْعَيْنِ.
✯✯✯✯✯✯
3355- قَوْله: «وَاشْتَكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَجَاءَتْهُ اِمْرَأَة فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّد إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون شَيْطَانك قَدْ تَرَكَك، لَمْ أَرَهُ قَرِبَك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاث، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَى}» قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: مَا وَدَّعَك، أَيْ: مَا قَطَعَك مُنْذُ أَرْسَلَك، وَمَا قَلَى: أَيْ: مَا أَبْغَضَك، وَسُمِّيَ الْوَدَاع وَدَاعًا لِأَنَّهُ فِرَاق وَمُتَارَكَة، وَقَوْله: (مَا قَرِبَك) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاء، وَالْمُضَارِع يَقْرَبك بِفَتْحِهَا، وَقَوْله: (مَا وَدَّعَك) هُوَ بِتَشْدِيدِ الدَّال عَلَى الْقِرَاءَات الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْقُرَّاء السَّبْعَة، وَقُرِئَ فِي الشَّاذّ بِتَخْفِيفِهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ مِنْ وَدَعَهُ يَدَعهُ، مَعْنَاهُ: مَا تَرَكَك، قَالَ الْقَاضِي: النَّحْوِيُّونَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَأْتِي مِنْهُ مَاضٍ أَوْ مَصْدَر، قَالُوا: وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْهُ الْمُسْتَقْبَل وَالْأَمْر لَا غَيْر، وَكَذَلِكَ (يَذَر) قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ جَاءَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل مِنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَكَأَنَّ مَا قَدَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَكْثَر نَفْعًا مِنْ الَّذِي وَدَعُوا وَقَالَ: مَا الَّذِي غَالَهُ فِي الْوَادّ حَتَّى يَدَعهُ غَالَهُ: بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة، أَيْ أَخَذَهُ.
باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من اذى المشركين والمنافقين
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 35 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞