📁 آخر الأخبار

باب فتح مكة باب فتح مكة

 

 باب فتح مكة

 باب فتح مكة


3331- قَوْله: «فَبَعَثَ الزُّبَيْر عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ» هِيَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْجِيم وَكَسْر النُّون وَهُمَا الْمَيْمَنَة وَالْمَيْسَرَة، وَيَكُون الْقَلْب بَيْنهمَا، «وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَة عَلَى الْحُسَّر» وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: أَيْ الَّذِينَ لَا دُرُوع عَلَيْهِمْ.

قَوْله: «فَأَخَذُوا بَطْن الْوَادِي» أَيْ جَعَلُوا طَرِيقهمْ فِي بَطْن الْوَادِي.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ» أَيْ اُدْعُهُمْ لِي.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيّ، ثُمَّ قَالَ: فَأَطَافُوا» إِنَّمَا خَصَّهُمْ لِثِقَتِهِ بِهِمْ، وَرَفْعًا لِمَرَاتِبِهِمْ، وَإِظْهَارًا لِجَلَالَتِهِمْ وَخُصُوصِيَّتهمْ.

قَوْله: «وَوَبَّشَتْ قُرَيْش أَوْبَاشًا لَهَا» أَيْ جَمَعَتْ جُمُوعًا مِنْ قَبَائِل شَتَّى، وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة الْمُشَدَّدَة وَالشِّين الْمُعْجَمَة.

قَوْله: «فَمَا شَاءَ أَحَد مِنَّا أَنْ يَقْتُل أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَمَا أَحَد مِنْهُمْ يُوَجِّه إِلَيْنَا شَيْئًا» أَيْ لَا يَدْفَع أَحَد عَنْ نَفْسه.

قَوْله: «قَالَ أَبُو سُفْيَان: أُبِيحَتْ خَضْرَاء قُرَيْش، لَا قُرَيْش بَعْد الْيَوْم» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: «أُبِيحَتْ» وَفِي الَّتِي بَعْدهَا: «أُبِيدَتْ» وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ أَيْ اُسْتُؤْصِلَتْ قُرَيْش بِالْقَتْلِ وَأُفْنِيَتْ، وَخَضْرَاؤُهُمْ بِمَعْنَى: جَمَاعَتهمْ، وَيُعَبَّر عَنْ الْجَمَاعَة الْمُجْتَمِعَة بِالسَّوَادِ وَالْخُضْرَة وَمِنْهُ السَّوَاد الْأَعْظَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَار أَبِي سُفْيَان فَهُوَ آمِن»، اِسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ عَلَى أَنَّ دُور مَكَّة مَمْلُوكَة يَصِحّ بَيْعهَا وَإِجَارَتهَا؛ لِأَنَّ أَصْل الْإِضَافَة إِلَى الْآدَمِيِّينَ تَقْتَضِي الْمِلْك، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَجَاز، وَفيه تَأْلِيف لِأَبِي سُفْيَان، وَإِظْهَار لِشَرَفِهِ.

قَوْله: «فَقَالَتْ الْأَنْصَار بَعْضهمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُل فَأَدْرَكْته رَغْبَة فِي قَرْيَته، وَرَأْفَة بِعَشِيرَتِهِ وَذَكَرَ نُزُول الْوَحْي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَر الْأَنْصَار، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُول اللَّه، قَالَ: قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُل فَأَدْرَكْته رَغْبَة فِي قَرْيَته وَرَأْفَة بِعَشِيرَتِهِ، قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، قَالَ: كَلَّا إِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله هَاجَرْت إِلَى اللَّه وَإِلَيْكُمْ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَات مَمَاتكُمْ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاَللَّه مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنّ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّه وَرَسُوله يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ»، مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَة: أَنَّهُمْ رَأَوْا رَأْفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّة وَكَفّ الْقَتْل عَنْهُمْ، فَظَنُّوا أَنَّهُ يَرْجِع إِلَى سُكْنَى مَكَّة وَالْمُقَام فيها دَائِمًا، وَيَرْحَل عَنْهُمْ وَيَهْجُر الْمَدِينَة، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ قُلْنَا هَذَا، فَهَذِهِ مُعْجِزَة مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، فَقَالَ: كَلَّا إِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله، مَعْنَى (كَلَّا) هُنَا حَقًّا، وَلَهَا مَعْنَيَانِ: أَحَدهمَا: حَقًّا، وَالْآخَر: النَّفْي.

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله» فَيَحْتَمِل وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنِّي رَسُول اللَّه حَقًّا فَيَأْتِينِي الْوَحَى وَأُخْبِر بِالْمَغِيبَاتِ كَهَذِهِ الْقَضِيَّة وَشَبَههَا، فَثِقُوا بِمَا أَقُول لَكُمْ وَأُخْبِركُمْ بِهِ فِي جَمِيع الْأَحْوَال، وَالْآخَر لَا تُفْتَنُوا بِإِخْبَارِي إِيَّاكُمْ بِالْمَغِيبَاتِ وَتُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ، فَإِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله.

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاجَرْت إِلَى اللَّه وَإِلَيْكُمْ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَات مَمَاتكُمْ» فَمَعْنَاهُ: أَنِّي هَاجَرْت إِلَى اللَّه وَإِلَى دِيَاركُمْ لِاسْتِيطَانِهَا فَلَا أَتْرُكهَا، وَلَا أَرْجِع عَنْ هِجْرَتِي الْوَاقِعَة لِلَّهِ تَعَالَى، بَلْ أَنَا مُلَازِم لَكُمْ: «الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَات مَمَاتكُمْ» أَيْ: لَا أَحْيَا إِلَّا عِنْدكُمْ وَلَا أَمُوت إِلَّا عِنْدكُمْ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْمُعْجِزَات، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ هَذَا بَكَوْا وَاعْتَذَرُوا، قَالُوا: وَاَللَّه مَا قُلْنَا كَلَامنَا السَّابِق إِلَّا حِرْصًا عَلَيْك وَعَلَى مُصَاحَبَتك وَدَوَامك عِنْدنَا لِنَسْتَفِيدَ مِنْك، وَنَتَبَرَّك بِك، وَتَهْدِينَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلهمْ: مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنّ بِك، هُوَ بِكَسْرِ الضَّاد، أَيْ: شُحًّا بِك أَنْ تُفَارِقنَا، وَيَخْتَصّ بِك غَيْرنَا، وَكَانَ بُكَاؤُهُمْ فَرَحًا بِمَا قَالَ لَهُمْ، وَحَيَاء مِمَّا خَافُوا أَنْ يَكُون بَلَغَهُ عَنْهُمْ مِمَّا يَسْتَحْيِي مِنْهُ.

قَوْله: «فَأَقْبَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَر فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» فيه: الِابْتِدَاء بِالطَّوَافِ فِي أَوَّل دُخُول مَكَّة، سَوَاء كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة أَوْ غَيْر مُحْرِم، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهَا فِي هَذَا الْيَوْم، وَهُوَ يَوْم الْفَتْح غَيْر مُحْرِم بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عَلَى رَأْسه الْمِغْفَر، وَالْأَحَادِيث مُتَظَاهِرَة عَلَى ذَلِكَ، وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى تَخْصِيص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا بَعْده لِحَرْبٍ أَوْ بَغْي أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ دُخُولهَا حَلَالًا فَلَيْسَ كَمَا نُقِلَ، بَلْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوز دُخُولهَا حَلَالًا لِلْمُحَارِبِ بِلَا خِلَاف، وَكَذَا لِمَنْ يَخَاف مِنْ ظَالِم لَوْ ظَهَرَ لِلطَّوَافِ وَغَيْره، وَأَمَّا مَنْ لَا عُذْر لَهُ أَصْلًا فَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فيه قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحّهمَا: أَنَّهُ يَجُوز لَهُ دُخُولهَا بِغَيْرِ إِحْرَام لَكِنْ يُسْتَحَبّ لَهُ الْإِحْرَام، وَالثَّانِي: لَا يَجُوز، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي أَوَّل كِتَاب الْحَجّ.

قَوْله: «فَأَتَى عَلَى صَنَم إِلَى جَنْب الْبَيْت كَانُوا يَعْبُدُونَهُ فَجَعَلَ يَطْعَنهُ بِسِيَةِ قَوْسه»، (السِّيَة) بِكَسْرِ السِّين وَتَخْفِيف الْيَاء الْمَفْتُوحَة، الْمُنْعَطِف مِنْ طَرَفَيْ الْقَوْس، وَقَوْله: (يَطْعُن) بِضَمِّ الْعَيْن عَلَى الْمَشْهُور، وَيَجُوز فَتْحهَا فِي لُغَة، وَهَذَا الْفِعْل إِذْلَال لِلْأَصْنَامِ وَلِعَابِدِيهَا، وَإِظْهَار لِكَوْنِهَا لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَدْفَع عَنْ نَفْسهَا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}.

قَوْله: «جَعَلَ يَطْعُن فِي عَيْنه وَيَقُول: جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل» وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «وَحَوْل الْكَعْبَة ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنهَا بِعُودٍ كَانَ فِي يَده وَيَقُول: جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا، جَاءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد»، النُّصُب: الصَّنَم.

وَفِي هَذَا: اِسْتِحْبَاب قِرَاءَة هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عِنْد إِزَالَة الْمُنْكَر.

قَوْله: «ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا» هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَكَسْرهَا، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ يَقُول: إِنَّ مَكَّة فُتِحَتْ عَنْوَة، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيها فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء وَأَهْل السِّيَر: فُتِحَتْ عَنْوَة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ صُلْحًا، وَادَّعَى الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيّ اِنْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْل، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِهَذَا الْحَدِيث، وَبِقَوْلِهِ: أُبِيدَتْ خَضْرَاء قُرَيْش، قَالُوا: وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَلْقَى سِلَاحه فَهُوَ آمِن، وَمَنْ دَخَلَ دَار أَبِي سُفْيَان فَهُوَ آمِن».

 فَلَوْ كَانُوا كُلّهمْ آمِنِينَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا، وَبِحَدِيث أُمّ هَانِئ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا حِين أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ أَرَادَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَتْلهمَا، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت»، فَكَيْف يَدْخُلهَا صُلْحًا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى يُرِيد قَتْل رَجُلَيْنِ دَخَلَا فِي الْأَمَان؟ وَكَيْف يَحْتَاج إِلَى أَمَان أُمّ هَانِئ بَعْد الصُّلْح؟ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالِحهمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ قَبْل دُخُول مَكَّة.

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُحْصُدُوهُمْ»، قَتَلَ خَالِد مَنْ قَتَلَ، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مِنْ كُفَّار مَكَّة قِتَالًا، وَأَمَّا أَمَان مَنْ دَخَلَ دَار أَبِي سُفْيَان وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحه، وَأَمَان أُمّ هَانِئ فَكُلّه مَحْمُول عَلَى زِيَادَة الِاحْتِيَاط لَهُمْ بِالْأَمَانِ، وَأَمَّا هَمّ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِقَتْلِ الرَّجُلَيْنِ، فَلَعَلَّهُ تَأَوَّلَ مِنْهُمَا شَيْئًا، أَوْ جَرَى مِنْهُمَا قِتَال أَوْ نَحْو ذَلِكَ.

✯✯✯✯✯✯

‏3332- وَأَمَّا قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَمَا أَشْرَفَ أَحَد يَوْمئِذٍ لَهُمْ إِلَّا أَنَامُوهُ»، فَمَحْمُول عَلَى مَنْ أَشْرَفَ مُظْهِرًا لِلْقِتَالِ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله: «قُلْنَا ذَاكَ يَا رَسُول اللَّه قَالَ: فَمَا اِسْمِي إِذَنْ كَلَّا إِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل هَذَا وَجْهَيْنِ، أَحَدهمَا: أَنَّهُ أَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي نَبِيّ لِإِعْلَامِي إِيَّاكُمْ بِمَا تَحَدَّثْتُمْ بِهِ سِرًّا.

 وَالثَّانِي لَوْ فَعَلْت هَذَا الَّذِي خِفْتُمْ مِنْهُ، وَفَارَقْتُكُمْ وَرَجَعْت إِلَى اِسْتِيطَان مَكَّة لَكُنْت نَاقِضًا لِعَهْدِكُمْ فِي مُلَازَمَتكُمْ، وَلَكَانَ هَذَا غَيْر مُطَابِق لِمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ اِسْمِي وَهُوَ الْحَمْد، فَإِنِّي كُنْت أُوصَف حِينَئِذٍ بِغَيْرِ الْحَمْد.

قَوْله: (وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَة رَضِي اللَّه عَنْه وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَة فَكَانَ كُلّ رَجُل مِنَّا يَصْنَع طَعَامًا يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ فَكَانَتْ نَوْبَتِي) فيه: دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب اِشْتَرَاك الْمُسَافِرِينَ فِي الْأَكْل، وَاسْتِعْمَالهمْ مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب الْمُعَارَضَة حَتَّى يُشْتَرَط فيه الْمُسَاوَاة فِي الطَّعَام، وَأَلَّا يَأْكُل بَعْضهمْ أَكْثَر مِنْ بَعْض، بَلْ هُوَ مِنْ بَاب الْمُرُوءَات وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَة، فَيَجُوز وَإِنْ تَفَاضَلَ الطَّعَام وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعه، وَيَجُوز وَإِنْ أَكَلَ بَعْضهمْ أَكْثَر مِنْ بَعْض، لَكِنْ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون شَأْنهمْ إِيثَار بَعْضهمْ بَعْضًا.

قَوْله: (فَجَاءُوا إِلَى الْمَنْزِل وَلَمْ يُدْرَك طَعَامنَا فَقُلْت: يَا أَبَا هُرَيْرَة لَوْ حَدَّثْتنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدْرَك طَعَامنَا فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح إِلَى آخِره) فيه: اِسْتِحْبَاب الِاجْتِمَاع عَلَى الطَّعَام وَجَوَاز دُعَائِهِمْ إِلَيْهِ قَبْل إِدْرَاكه، وَاسْتِحْبَاب حَدِيثهمْ فِي حَال الِاجْتِمَاع بِمَا فيه بَيَان أَحْوَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَغَزَوَاتهمْ وَنَحْوهَا، مِمَّا تَنْشَط النُّفُوس لِسَمَاعِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرهَا مِنْ الْحُرُوب وَنَحْوهَا مِمَّا لَا إِثْم فيه، وَلَا يَتَوَلَّد مِنْهُ فِي الْعَادَة ضُرّ فِي دِين وَلَا دُنْيَا وَلَا أَذًى لِأَحَدٍ لِتَنْقَطِع بِذَلِكَ مُدَّة الِانْتِظَار، وَلَا يَضْجَرُوا، وَلِئَلَّا يَشْتَغِل بَعْضهمْ مَعَ بَعْض فِي غِيبَة أَوْ نَحْوهَا مِنْ الْكَلَام الْمَذْمُوم.

وَفيه: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْع مَشْهُور بِالْفَضْلِ أَوْ بِالصَّلَاحِ أَنْ يُطْلَب مِنْهُ الْحَدِيث فَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوا اُسْتُحِبَّ لَهُ الِابْتِدَاء بِالْحَدِيثِ، كَمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِيهِمْ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ غَيْر طَلَب مِنْهُمْ.

قَوْله: (وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَة عَلَى الْبَيَاذِقَة وَبَطْن الْوَادِي) (الْبَيَاذِقَة) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْت وَبِذَالٍ مُعْجَمَة وَقَاف، وَهُمْ الرَّجَّالَة، قَالُوا: وَهُوَ فَارِسِيّ مُعَرَّب، وَأَصْله بِالْفَارِسِيَّةِ: أَصْحَاب رِكَاب الْمَلِك، وَمَنْ يَتَصَرَّف فِي أُمُوره، قِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِخِفَّتِهِمْ وَسُرْعَة حَرَكَتهمْ، هَكَذَا الرِّوَايَة فِي هَذَا الْحَرْف هُنَا، وَفِي غَيْر مُسْلِم أَيْضًا، قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا رِوَايَتنَا فيه، قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات (السَّاقَة)، وَهُمْ الَّذِينَ يَكُونُونَ آخِر الْعَسْكَر، وَقَدْ يُجْمَع بَيْنه وَبَيْن الْبَيَاذِقَة بِأَنَّهُمْ رَجَّالَة وَسَاقَة، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ (الشَّارِفَة) وَفَسَّرُوهُ بِاَلَّذِينَ يُشْرِفُونَ عَلَى مَكَّة، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِي بَطْن الْوَادِي، وَالْبَيَاذِقَة هُنَا هُمْ الْحُسَّر فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة، وَهُمْ رَجَّالَة لَا دُرُوع عَلَيْهِمْ.

قَوْله: «وَقَالَ مَوْعِدكُمْ الصَّفَا» يَعْنِي: قَالَ هَذَا لِخَالِدٍ وَمَنْ مَعَهُ الَّذِينَ أَخَذُوا أَسْفَل مِنْ بَطْن الْوَادِي، وَأَخَذَ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ أَعْلَى مَكَّة.

قَوْله: «فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ أَحَد إِلَّا أَنَامُوهُ» أَيْ: مَا ظَهَرَ لَهُمْ أَحَد إِلَّا قَتَلُوهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْض، أَوْ يَكُون بِمَعْنَى أَسْكَنُوهُ بِالْقَتْلِ كَالنَّائِمِ، يُقَال: نَامَتْ الرِّيح إِذَا سَكَنَتْ، وَضَرَبَهُ حَتَّى سَكَنَ، أَيْ: مَاتَ، وَنَامَتْ الشَّاة وَغَيْرهَا مَاتَتْ، قَالَ الْفَرَّاء: النَّائِمَة الْمَيِّتَة، هَكَذَا تَأَوَّلَ هَذِهِ اللَّفْظَة الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَكَّة فُتِحَتْ عَنْوَة، وَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ صُلْحًا، يَقُول أَنَامُوهُ أَلْقَوْهُ إِلَى الْأَرْض مِنْ غَيْر قَتْل إِلَّا مَنْ قَاتَلَ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.


 باب فتح مكة باب فتح مكة

۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب الجهاد والسير ﴿ 28 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞

۞۞


تعليقات