📁 آخر الأخبار

باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتين


باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتين فاكثر وان الافضل لمن اطاقه بلا ضرر ان يصوم ولمن يشق عليه ان يفطر

باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتين
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي صَوْم رَمَضَان فِي السَّفَر، فَقَالَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر: لَا يَصِحّ صَوْم رَمَضَان فِي السَّفَر، فَإِنْ صَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ؛ لِظَاهِرِ الْآيَة وَلِحَدِيث: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء وَجَمِيع أَهْل الْفَتْوَى: يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي السَّفَر، وَيَنْعَقِد وَيُجْزِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الصَّوْم أَفْضَل أَمْ الْفِطْر أَمْ هُمَا سَوَاءٌ؟ فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرُونَ: الصَّوْم أَفْضَل لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا مَشَقَّة ظَاهِرَة، وَلَا ضَرَر، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ، فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ، وَاحْتَجُّوا بِصَوْمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة وَغَيْرهمَا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث؛ وَلِأَنَّهُ يَحْصُل بِهِ بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الْحَال.
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ: الْفِطْر أَفْضَل مُطْلَقًا، وَحَكَاهُ بَعْض أَصْحَابنَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ غَرِيب، وَاحْتَجُّوا بِمَا سَبَقَ لِأَهْلِ الظَّاهِر، وَبِحَدِيثِ حَمْزَة بْن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ الْمَذْكُور فِي مُسْلِم فِي آخِر الْبَاب، وَهُوَ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ رُخْصَة مِنْ اللَّه فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُوم فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ» وَظَاهِره تَرْجِيح الْفِطْر، وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ هَذَا كُلّه فِيمَنْ يَخَاف ضَرَرًا أَوْ يَجِد مَشَقَّة، كَمَا هُوَ صَرِيح فِي الْأَحَادِيث، وَاعْتَمَدُوا حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ الْمَذْكُور فِي الْبَاب قَالَ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان، فَمِنَّا الصَّائِم، وَمِنَّا الْمُفْطِر، فَلَا يَجِد الصَّائِم عَلَى الْمُفْطِر، وَلَا الْمُفْطِر عَلَى الصَّائِم، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ»، وَهَذَا صَرِيح فِي تَرْجِيح مَذْهَب الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ تَفْضِيل الصَّوْم لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ، وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: الْفِطْر وَالصَّوْم سَوَاء؛ لِتَعَادُلِ الْأَحَادِيث، وَالصَّحِيح قَوْل الْأَكْثَرِينَ.
 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
‏1875- قَوْله: «خَرَجَ عَامَ الْفَتْح فِي رَمَضَان فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد ثُمَّ أَفْطَرَ» يَعْنِي بِالْفَتْحِ: فَتْح مَكَّة، وَكَانَ سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة، و(الْكَدِيد) بِفَتْحِ الْكَاف وَكَسْر الدَّال الْمُهْمَلَة، وَهِيَ عَيْنٌ جَارِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَة سَبْع مَرَاحِل أَوْ نَحْوهَا، وَبَيْنهَا وَبَيْن مَكَّة قَرِيب مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهِيَ أَقْرَب إِلَى الْمَدِينَة مِنْ عُسْفَان.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: (الْكَدِيد) عَيْن جَارِيَة عَلَى اِثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّة، قَالَ: وَعُسْفَان قَرْيَة جَامِعَة، بِهَا مِنْبَر عَلَى سِتَّة وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّة، قَالَ: وَالْكَدِيد مَا بَيْنهَا وَبَيْن قَدِيدٍ.
 وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاع الْغَمِيم» وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ وَادٍ أَمَام عُسْفَان بِثَمَانِيَةِ أَمْيَال، يُضَاف إِلَيْهِ هَذَا الْكُرَاع، وَهُوَ جَبَل أَسْوَد مُتَّصِل بِهِ، و(الْكُرَاع) كُلّ أَنْف سَالَ مِنْ جَبَل أَوْ حَرَّةٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا كُلّه فِي سَفَر وَاحِد فِي غَزَاة الْفَتْح، قَالَ: وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِع فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث لِتَقَارُبِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عُسْفَان مُتَبَاعِدَة شَيْئًا عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِع، لَكِنَّهَا كُلّهَا مُضَافَة إِلَيْهَا، وَمِنْ عَمَلِهَا، فَاشْتَمَلَ اِسْم عُسْفَان عَلَيْهَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُون عَلِمَ حَالَ النَّاس وَمَشَقَّتَهُمْ فِي بَعْضهَا، فَأَفْطَرَ وَأَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي بَعْضهَا، هَذَا كَلَام الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا فِي مَسَافَة عُسْفَان، فَإِنَّ الْمَشْهُور أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَة بُرُدٍ مِنْ مَكَّة، وَكُلّ بَرِيد أَرْبَعَة فَرَاسِخ، وَكُلّ فَرْسَخ ثَلَاثَة أَمْيَال، فَالْجُمْلَة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَعْرُوف الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُور.
قَوْله: «فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد ثُمَّ أَفْطَرَ» فيه دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُور: أَنَّ الصَّوْم وَالْفِطْر جَائِزَانِ.
 وَفيه: أَنَّ الْمُسَافِر لَهُ أَنْ يَصُوم بَعْض رَمَضَان دُون بَعْض، وَلَا يَلْزَمهُ بِصَوْمِ بَعْضِهِ إِتْمَامُهُ، وَقَدْ غَلِطَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي فَهْم هَذَا الْحَدِيث، فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَدِيد وَكُرَاع الْغَمِيم قَرِيب مِنْ الْمَدِينَة، وَأَنَّ قَوْله: «فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد وَكُرَاع الْغَمِيم» كَانَ فِي الْيَوْم الَّذِي خَرَجَ فيه مِنْ الْمَدِينَة، فَزَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة صَائِمًا، فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاع الْغَمِيم فِي يَوْمه أَفْطَرَ فِي نَهَار، وَاسْتَدَلَّ بِهِ هَذَا الْقَائِل عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ بَعْد طُلُوع الْفَجْر صَائِمًا لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي يَوْمه.
وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: أَنَّهُ لَا يَجُوز الْفِطْر فِي ذَلِكَ الْيَوْم، وَإِنَّمَا يَجُوز لِمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْر فِي السَّفَر، وَاسْتِدْلَال هَذَا الْقَائِل بِهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْعَجَائِب الْغَرِيبَة؛ لِأَنَّ الْكَدِيد وَكُرَاع الْغَمِيم عَلَى سَبْع مَرَاحِل أَوْ أَكْثَر مِنْ الْمَدِينَة.
 وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (وَكَانَ صَحَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُونَ الْأَحْدَث فَالْأَحْدَث مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا عَلِمُوا مِنْهُ النَّسْخ أَوْ رُجْحَان الثَّانِي مَعَ جَوَازهمَا، وَإِلَّا فَقَدْ طَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيره.
 وَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً.
 وَنَظَائِر ذَلِكَ مِنْ الْجَائِزَات الَّتِي عَمِلَهَا مَرَّة أَوْ مَرَّات قَلِيلَة؛ لِبَيَانِ جَوَازهَا، وَحَافَظَ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْهَا.
✯✯✯✯✯✯
‏1876- قَوْله: «قَالَ اِبْن عَبَّاس: فَصَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» فيه دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُور فِي جَوَاز الصَّوْم وَالْفِطْر جَمِيعًا.
✯✯✯✯✯✯
‏1878- قَوْله: «فَقِيلَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ: إِنَّ بَعْض النَّاس قَدْ صَامَ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاة.
 أُولَئِكَ الْعُصَاة» هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ، أَوْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْفِطْرِ أَمْرًا جَازِمًا لِمَصْلَحَةِ بَيَان جَوَازه، فَخَالَفُوا الْوَاجِب، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُون الصَّائِم الْيَوْم فِي السَّفَر عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ، وَيُؤَيِّد التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «إِنَّ النَّاس قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ».
✯✯✯✯✯✯
‏1879- قَوْله: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَر» مَعْنَاهُ: إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمْ الضَّرَر، وَسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيل، وَهَذِهِ الرِّوَايَة مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَة: «لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَمَعْنَى الْجَمِيع فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ.
✯✯✯✯✯✯
‏1880- قَوْله فِي حَدِيث مُحَمَّد بْن رَافِع: «فَصَبَّحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَان» ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَان».
 وَفِي رِوَايَة: «لِثَمَانِ عَشْرَة خَلَتْ»، وَفِي رِوَايَة: «فِي ثِنْتَيْ عَشْرَة»، وَفِي رِوَايَة: «لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ» وَالْمَشْهُور فِي كُتُب الْمَغَازِي: أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي غَزْوَة الْفَتْح مِنْ الْمَدِينَة لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَان، وَدَخَلَهَا لِتِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ.
باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتينباب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتينباب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية اذا كان سفره مرحلتين
تعليقات