باب بيان نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
باب بيان نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
قَوْله: (عَنْ سَلَمَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا)، وَفِي رِوَايَة: (قَالَ كُنَّا فِي رَمَضَان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي الْأُولَى هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُور: مَنْسُوخَة، كَقَوْلِ سَلَمَة، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا هَلْ بَقِيَ مِنْهَا مَا لَمْ يُنْسَخْ؟ فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَالْجُمْهُور أَنَّ حُكْم الْإِطْعَام بَاقٍ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ لِكِبَرٍ، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَمَالِك وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد: جَمِيع الْإِطْعَام مَنْسُوخٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْكَبِير إِذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ إِطْعَامٌ، وَاسْتَحَبَّهُ لَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِكَبِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ فيه، وَبَقِيَ فِيمَنْ لَا يُطِيقُ، وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره: نَزَلَتْ فِي الْكَبِير وَالْمَرِيض اللَّذَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الصَّوْم، فَهِيَ عِنْده مَحْكَمَةٌ، لَكِنَّ الْمَرِيض يَقْضِي إِذَا بَرِئَ، وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا إِطْعَام عَلَى الْمَرِيض، وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ: هِيَ مَحْكَمَةٌ، وَنَزَلَتْ فِي الْمَرِيض يُفْطِر ثُمَّ يَبْرَأُ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ آخَرُ، فَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ ثُمَّ يَقْضِي بَعْدَهُ مَا أَفْطَرَ، وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، فَأَمَّا مَنْ اِتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ، بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاء فَقَطْ، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيُّ وَغَيْره: وَالضَّمِير فِي: {يُطِيقُونَهُ} عَائِدٌ عَلَى الْإِطْعَام لَا عَلَى الصَّوْم، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَهِيَ عِنْده عَامَّة، ثُمَّ جُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِطْعَام عَنْ كُلّ يَوْم مُدٍّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: مُدَّانِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ، وَقَالَ أَشْهَب الْمَالِكِيّ: مُدٌّ وَثُلُث لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّ الْمَرَض الْمُبِيح لِلْفِطْرِ هُوَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ، وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ لِكُلِّ مَرِيضٍ.
هَذَا آخِر كَلَامِ الْقَاضِي.باب بيان نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
باب بيان نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية} بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}