باب استحقاق القاتل سلب القتيل
باب استحقاق القاتل سلب القتيل
3295- قَوْله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى التَّمِيمِيّ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر اِبْن كَثِير بْن أَفْلَح عَنْ أَبِي مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ وَكَانَ جَلِيسًا لِأَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ) وَاقْتَصَّ الْحَدِيث، قَالَ مُسْلِم: وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا لَيْث عَنْ يَحْيَى عَنْ عُمَر اِبْن كَثِير عَنْ أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: وَسَاقَ الْحَدِيث، قَالَ مُسْلِم: وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِر وَاللَّفْظ لَهُ، أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب قَالَ: سَمِعْت مَالِك اِبْن أَنَس يَقُول: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن كَثِير بْن أَفْلَح عَنْ أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام حُنَيْنٍ» إِلَى آخِره، اِعْلَمْ أَنَّ قَوْله: (فِي الطَّرِيق الْأَوَّل وَاقْتَصَّ الْحَدِيث) وَقَوْله فِي الثَّانِي: (وَسَاقَ الْحَدِيث) يَعْنِي بِهِمَا: الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الثَّالِث الْمَذْكُور بَعْدهمَا، وَهُوَ قَوْله: (وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِر) وَهَذَا غَرِيب مِنْ عَادَة مُسْلِم فَاحْفَظْ مَا حَقَّقْته لَك، فَقَدْ رَأَيْت بَعْض الْكِتَاب غَلِطَ فيه، وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّق بِالْحَدِيثِ السَّابِق قَبْلهمَا كَمَا هُوَ الْغَالِب الْمَعْرُوف مِنْ عَادَة مُسْلِم، حَتَّى إِنَّ هَذَا الْمُشَار إِلَيْهِ تَرْجَمَ لَهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا وَتَرْجَمَ لِلطَّرِيقِ الثَّالِث بَابًا آخَر، وَهَذَا غَلَط فَاحِش فَاحْذَرْهُ.
وَإِذَا تَدَبَّرْت الطُّرُق الْمَذْكُورَة تَيَقَّنْت مَا حَقَقْته لَك وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْم أَبِي مُحَمَّد هَذَا: نَافِع بْن عَبَّاس الْأَقْرَع الْمَدَنِيّ الْأَنْصَارِيّ مَوْلَاهُمْ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ يَحْيَى بْن سَعِيد وَعُمَر وَأَبُو مُحَمَّد.
قَوْله: «كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَة» بِفَتْحِ الْجِيم، أَيْ: اِنْهِزَام وَخِيفَة ذَهَبُوا فيها، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي بَعْض الْجَيْش، وَأَمَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَة مَعَهُ فَلَمْ يُوَلُّوا، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِذَلِكَ مَشْهُورَة، وَسَيَأْتِي بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا.
وَقَدْ نَقَلُوا إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُقَال اِنْهَزَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَد قَطُّ أَنَّهُ اِنْهَزَمَ بِنَفْسِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْطِن مِنْ الْمَوَاطِن، بَلْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِإِقْدَامِهِ وَثَبَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيع الْمَوَاطِن.
قَوْله: «فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» يَعْنِي: ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْله أَوْ صَرْعه، وَجَلَسَ عَلَيْهِ لِقَتْلِهِ.
قَوْله: «فَضَرَبْته عَلَى حَبْل عَاتِقه» هُوَ مَا بَيْن الْعُنُق وَالْكَتِف.
قَوْله: «فَضَمَّنِي ضَمَّة وَجَدْت مِنْهَا رِيح الْمَوْت» يَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ شِدَّة كَشِدَّةِ الْمَوْت، وَيَحْتَمِل قَارَبْت الْمَوْت.
قَوْله: «ثُمَّ إِنَّ النَّاس رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلَهُ سَلَبَهُ» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن جَرِير وَغَيْرهمْ: يَسْتَحِقّ الْقَاتِل سَلَب الْقَتِيل فِي جَمِيع الْحُرُوب سَوَاء قَالَ أَمِير الْجَيْش قَبْل ذَلِكَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبه أَمْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ قَالُوا: وَهَذِهِ فَتْوَى مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْبَار عَنْ حُكْم الشَّرْع، فَلَا يَتَوَقَّف عَلَى قَوْل أَحَد، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك وَمَنْ تَابَعَهُمَا رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى: لَا يَسْتَحِقّ الْقَاتِل بِمُجَرَّدِ الْقَتْل سَلَب الْقَتِيل، بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَة، إِلَّا أَنْ يَقُول الْأَمِير قَبْل الْقِتَال: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبه.
وَحَمَلُوا الْحَدِيث عَلَى هَذَا، وَجَعَلُوا هَذَا إِطْلَاقًا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِفَتْوَى وَإِخْبَار عَامّ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْقِتَال وَاجْتِمَاع الْغَنَائِم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَشْتَرِط فِي اِسْتِحْقَاقه أَنْ يَغْزُوَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْل كَافِر مُمْتَنِع فِي حَال الْقِتَال، وَالْأَصَحّ أَنَّ الْقَاتِل لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ رَضْخ وَلَا سَهْم لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ وَالْعَبْد، اِسْتَحَقَّ السَّلَب، وَقَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَا يَسْتَحِقّهُ إِلَّا الْمُقَاتِل، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّامِيُّونَ.
لَا يَسْتَحِقّ السَّلَبَ إِلَّا فِي قَتِيل قَتَلَهُ قَبْل اِلْتِحَام الْحَرْب، فَأَمَّا مَنْ قَتَلَ فِي اِلْتِحَام الْحَرْب فَلَا يَسْتَحِقّهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْمِيس السَّلَبِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلَانِ الصَّحِيح مِنْهُمَا عِنْد أَصْحَابه.
لَا يُخَمَّس، هُوَ ظَاهِر الْأَحَادِيث، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَابْن جَرِير وَابْن الْمُنْذِر وَآخَرُونَ، وَقَالَ مَكْحُول وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ.
يُخَمَّس، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ: يُخَمَّس إِذَا كَثُرَ، وَعَنْ مَالِك رِوَايَة اِخْتَارَهَا إِسْمَاعِيل الْقَاضِي أَنَّ الْإِمَام بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ خَمَّسَهُ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلَهُ سَلَبه» فَفيه: تَصْرِيح بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ أَنَّ السَّلَب لَا يُعْطَى إِلَّا لِمَنْ لَهُ بَيِّنَة بِأَنَّهُ قَتَلَهُ، وَلَا يُقْبَل قَوْله بِغَيْرِ بَيِّنَة، وَقَالَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَى بِقَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَة، قَالَا: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ السَّلَب فِي هَذَا الْحَدِيث بِقَوْلِ وَاحِد، وَلَمْ يُحَلِّفهُ، وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِل بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُق، وَقَدْ صَرَّحَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُلْغَى، وَقَدْ يَقُول الْمَالِكِيّ: هَذَا مَفْهُوم، وَلَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ عِنْده، وَيُجَاب بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى» الْحَدِيث.
فَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَد فِي دَلِيل الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَأَمَّا مَا يَحْتَجّ بِهِ بَعْضهمْ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ إِنَّمَا يَسْتَحِقّ السَّلَب بِإِقْرَارِ مَنْ هُوَ فِي يَده فَضَعِيف؛ وَإِنَّ الْإِقْرَار إِنَّمَا يَنْفَع إِذَا كَانَ الْمَال مَنْسُوبًا إِلَى مَنْ هُوَ فِي يَده، فَيُؤْخَذ بِإِقْرَارِهِ وَالْمَال هُنَا مَنْسُوب إِلَى جَمِيع الْجَيْش، وَلَا يُقْبَل إِقْرَار بَعْضهمْ عَلَى الْبَاقِينَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «قَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَاهَا اللَّه إِذًا لَا يَعْمِد إِلَى أَسَد مِنْ أُسْد اللَّه تَعَالَى يُقَاتِل عَنْ اللَّه وَعَنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيك سَلَبه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ» هَكَذَا فِي جَمِيع رِوَايَات الْمُحَدِّثِينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا: «لَاهَا اللَّه إِذًا» بِالْأَلِفِ وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا وَأَهْل الْعَرَبِيَّة وَقَالُوا: هُوَ تَغْيِير مِنْ الرُّوَاة، وَصَوَابه (لَاهَا اللَّه ذَا) بِغَيْرِ أَلِف فِي أَوَّله، وَقَالُوا: و(هَا) بِمَعْنَى الْوَاو الَّتِي يُقْسَم بِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: (لَا وَاَللَّه ذَا) قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِرِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: مَعْنَاهُ لَاهَا اللَّه ذَا يَمِينِي أَوْ ذَا قَسَمِي.
وَقَالَ أَبُو زَيْد (ذَا) زَائِدَة، وَفيها لُغَتَانِ: الْمَدّ وَالْقَصْر، قَالُوا: وَيَلْزَم الْجَرّ بَعْدهَا كَمَا يَلْزَم بَعْد الْوَاو، قَالُوا: وَلَا يَجُوز الْجَمْع بَيْنهمَا فَلَا يُقَال: لَاهَا وَاَللَّه.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة تَكُون يَمِينًا، قَالَ أَصْحَابنَا: إِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِين كَانَتْ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَعَارَفَة فِي الْأَيْمَان.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (لَا يَعْمِد) فَضَبَطُوهُ بِالْيَاءِ وَالنُّون، وَكَذَا قَوْله بَعْد: (فَيُعْطِيك) بِالْيَاءِ وَالنُّون، وَكِلَاهُمَا ظَاهِر.
وَقَوْله: «يُقَاتِل عَنْ اللَّه وَرَسُوله» أَيْ: يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه نُصْرَةً لِدِينِ اللَّه وَشَرِيعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق فِي إِفْتَائِهِ بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِدْلَاله لِذَلِكَ، وَتَصْدِيق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ.
وَفيه: مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِأَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَمَّاهُ أَسَدًا مِنْ أُسْد اللَّه تَعَالَى يُقَاتِل عَنْ اللَّه وَرَسُوله، وَصَدَّقَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ مَنْقَبَة جَلِيلَة مِنْ مَنَاقِبه.
وَفيه أَنَّ السَّلَب لِلْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: «يُعْطِيك سَلَبه»، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَة» أَمَّا بَنُو سَلِمَة فَبِكَسْرِ اللَّام، وَأَمَّا (الْمَخْرَف) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَالرَّاء وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ الْقَاضِي: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الرَّاء كَالْمَسْجِدِ وَالْمَسْكِن بِكَسْرِ الْكَاف، وَالْمُرَاد بِالْمَخْرَفِ هُنَا الْبُسْتَان، وَقِيلَ: السِّكَّة مِنْ النَّخْل تَكُون صَفَّيْنِ، يُخْرِف مِنْ أَيّهَا شَاءَ، أَيْ: يَجْتَنِي، وَقَالَ اِبْن وَهْب: هِيَ الْجُنَيْنَة الصَّغِيرَة، وَقَالَ غَيْره: هِيَ نَخَلَات يَسِيرَة.
وَأَمَّا (الْمِخْرَف) بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الرَّاء فَهُوَ الْوِعَاء الَّذِي يُجْعَل فيه مَا يُجْتَنَى مِنْ الثِّمَار، وَيُقَال: اِخْتَرَفَ الثَّمَر إِذَا جَنَاهُ، وَهُوَ ثَمَر مَخْرُوف.
قَوْله: «فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَال تَأَثَّلْته فِي الْإِسْلَام» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة بَعْد الْأَلِف أَيْ اِقْتَنَيْته وَتَأَثَّلْته، وَأَثَلَة الشَّيْء أَصْله.
قَوْله: «لَا تُعْطِهِ أُضَيْبِع مِنْ قُرَيْش»، قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ رُوَاة كِتَاب مُسْلِم فِي هَذَا الْحَرْف عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: رِوَايَة السَّمَرْقَنْدِيّ (أُصَيْبِغ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة.
وَالثَّانِي: رِوَايَة سَائِر الرُّوَاة (أُضَيْبِع) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة، قَالَ: وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفَ فيه رُوَاة الْبُخَارِيّ، فَعَلَى الثَّانِي هُوَ تَصْغِير ضَبُع عَلَى غَيْر قِيَاس، كَأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ أَبَا قَتَادَةَ بِأَنَّهُ أَسَد مُصَغَّر هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ وَشَبَّهَهُ بِالضُّبَيْعِ؛ لِضَعْفِ اِفْتِرَاسهَا، وَمَا تُوصَف بِهِ مِنْ الْعَجْز وَالْحُمْق.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْه الْأَوَّل فَوَصْفه بِهِ لِتَغَيُّرِ لَوْنه، وَقِيلَ: حَقَّرَهُ وَذَمَّهُ بِسَوَادِ لَوْنه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ صَاحِب لَوْن غَيْر مَحْمُود، وَقِيلَ: وَصَفَه بِالْمَهَانَةِ وَالضَّعْف، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: (الْأُصَيْبِغ) نَوْع مِنْ الطَّيْر، قَالَ: وَيَجُوز أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِنَبَاتٍ ضَعِيف يُقَال لَهُ: الصُّيْبِغَا، أَوَّل مَا يَطْلُع مِنْ الْأَرْض يَكُون مِمَّا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أَصْفَر.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3296- قَوْله: «تَمَنَّيْت لَوْ كُنْت بَيْن أَضْلَع مِنْهُمَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (أَضْلَع) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَبِالْعَيْنِ، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم، وَهُوَ الْأَصْوَب، قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْض رِوَايَات الْبُخَارِيّ (أَصْلُح) بِالصَّادِ وَالْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ مُسَدَّد، قُلْت: وَكَذَا وَقَعَ فِي حَاشِيَة بَعْض نُسَخ صَحِيح مُسْلِم، وَلَكِنَّ الْأَوَّل أَصَحّ وَأَجْوَد مَعَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ صَحِيحَانِ وَلَعَلَّهُ قَالَهُمَا جَمِيعًا، وَمَعْنَى: «أَضْلَعَ»: أَقْوَى.
قَوْله: «لَا يُفَارِق سَوَادِي سَوَاده» أَيْ: شَخْصِي شَخْصه.
قَوْله: «حَتَّى يَمُوت الْأَعْجَل مِنَّا» أَيْ: لَا أُفَارِقهُ حَتَّى يَمُوت أَحَدنَا، وَهُوَ الْأَقْرَب أَجَلًا.
قَوْله: «فَلَمْ أَنْشَب أَنْ نَظَرْت إِلَى أَبِي جَهْل يَزُول فِي النَّاس»، مَعْنَاهُ لَمْ أَلْبَث.
قَوْله: (يَزُول) هُوَ بِالزَّايِ وَالْوَاو هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا، وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاضِي عَنْ جَمَاهِير شُيُوخهمْ، قَالَ: وَوَقَعَ عِنْد بَعْضهمْ عَنْ اِبْن مَاهَانَ (يَرْفُل) بِالرَّاءِ وَالْفَاء، قَالَ: وَالْأَوَّل أَظْهَر وَأَوْجَه، وَمَعْنَاهُ: يَتَحَرَّك وَيُزْعَج وَلَا يَسْتَقِرّ عَلَى حَالَة، وَلَا فِي مَكَان، وَالزَّوَال: الْقَلَق، قَالَ: فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَمَعْنَاهُ: يُسْبِل ثِيَابه وَدِرْعه وَيَجُرّهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْته، فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا.
فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح»، وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذ اِبْن عَمْرو بْن الْجَمُوحِ، وَمُعَاذ بْن عَفْرَاء.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ أَصْحَابنَا: اِشْتَرَكَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي جِرَاحَته، لَكِنَّ مُعَاذ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح ثَخِنَهُ أَوَّلًا فَاسْتَحَقَّ السَّلَب، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْآخَر مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ مُشَارَكَة فِي قَتْله، وَإِلَّا فَالْقَتْل الشَّرْعِيّ الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ اِسْتِحْقَاق السَّلَب وَهُوَ الْإِثْخَان وَإِخْرَاجه عَنْ كَوْنه مُتَمَنِّعًا إِنَّمَا وُجِدَ مِنْ مُعَاذ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح، فَلِهَذَا قَضَى لَهُ بِالسَّلَبِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا أَخَذَ السَّيْفَيْنِ لِيَسْتَدِلّ بِهِمَا عَلَى حَقِيقَة كَيْفِيَّة قَتْلهمَا، فَعَلِمَ أَنَّ اِبْن الْجَمُوحِ أَثْخَنَهُ، ثُمَّ شَارَكَهُ الثَّانِي بَعْد ذَلِكَ وَبَعْد اِسْتِحْقَاقه السَّلَب، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقّ فِي السَّلَب.
هَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ أَصْحَاب مَالِك: إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِمَام مُخَيَّر فِي السَّلَب يَفْعَل فيه مَا شَاءَ، وَقَدْ سَبَقَ الرَّدّ عَلَى مَذْهَبهمْ هَذَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالرَّجُلَانِ مُعَاذ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح وَمُعَاذ اِبْن عَفْرَاء» فَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ رِوَايَة يُوسُف بْن الْمَاجِشُونِ، وَجَاءَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، أَنَّ الَّذِي ضَرَبَهُ اِبْنَا عَفْرَاء، وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة اِبْن مَسْعُود، وَأَنَّ اِبْنَيْ عَفْرَاء ضَرَبَاهُ حَتَّى بَرَدَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِم بَعْد هَذَا، وَذَكَرَ غَيْرهمَا أَنَّ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَأْسه، وَكَانَ وَجَدَهُ وَبِهِ رَمَق، وَلَهُ مَعَهُ خَبَر مَعْرُوف، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قَوْل أَكْثَر أَهْل السِّيَر، قُلْت: يُحْمَل عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَة اِشْتَرَكُوا فِي قَتْله، وَكَانَ الْإِثْخَان مِنْ مُعَاذ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح، وَجَاءَ اِبْن مَسْعُود بَعْد ذَلِكَ وَفيه رَمَق فَحَزَّ رَقَبَته.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: الْمُبَادَرَة إِلَى الْخَيْرَات، وَالِاشْتِيَاق إِلَى الْفَضَائِل.
وَفيه: الْغَضَب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفيه: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْتَقَر أَحَد، فَقَدْ يَكُون بَعْض مَنْ يُسْتَصْغَر عَنْ الْقِيَام بِأَمْرٍ أَكْبَر مِمَّا فِي النُّفُوس وَأَحَقّ بِذَلِكَ الْأَمْر كَمَا جَرَى لِهَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، وَاحْتَجَّتْ بِهِ الْمَالِكِيَّة فِي أَنَّ اِسْتِحْقَاق الْقَاتِل السَّلَب يَكْفِي فيه قَوْله بِلَا بَيِّنَة، وَجَوَاب أَصْحَابنَا عَنْهُ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرهَا.
✯✯✯✯✯✯
3297- قَوْله: «عَنْ عَوْف بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَتَلَ رَجُل مِنْ حِمْيَر رَجُلًا مِنْ الْعَدُوّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِد بْن الْوَلِيد، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْف اِبْن مَالِك فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ: مَا مَنَعَك أَنْ تُعْطِيه سَلَبه؟ قَالَ: اِسْتَكْثَرْته يَا رَسُول اللَّه، قَالَ اِدْفَعْهُ إِلَيْهِ، فَمَرَّ خَالِد بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، فَقَالَ: هَلْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَسَمِعَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: لَا تُعْطِهِ يَا خَالِد لَا تُعْطِهِ يَا خَالِد هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي» إِلَى آخِره، هَذِهِ الْقَضِيَّة جَرَتْ فِي غَزْوَة مُؤْتَة سَنَة ثَمَان كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث قَدْ يَسْتَشْكِل مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِل قَدْ اِسْتَحَقَّ السَّلَب، فَكَيْف مَنَعَهُ إِيَّاهُ؟ وَيُجَاب عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ:أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ أَعْطَاهُ بَعْد ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِعَوْفِ بْن مَالِك لِكَوْنِهِمَا أَطْلَقَا أَلْسِنَتهمَا فِي خَالِد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَانْتَهَكَا حُرْمَة الْوَالِي وَمَنْ وَلَّاهُ.
الْوَجْه الثَّانِي: لَعَلَّهُ اِسْتَطَابَ قَلْب صَاحِبه فَتَرَكَهُ صَاحِبه بِاخْتِيَارِهِ، وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْمَقْصُود بِذَلِكَ اِسْتَطَابَةُ قَلْب خَالِد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ فِي إِكْرَام الْأُمَرَاء.
قَوْله: «فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ: لَا تُعْطِهِ يَا خَالِد» فيه: جَوَاز الْقَضَاء فِي حَال الْغَضَب وَنُفُوذه، وَأَنَّ النَّهْي لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْأَقْضِيَة قَرِيبًا وَاضِحَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي»، هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ (تَارِكُوا) بِغَيْرِ نُون، وَفِي بَعْضهَا (تَارِكُونَ) بِالنُّونِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْل، وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا، وَهِيَ لُغَة مَعْرُوفَة، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الْإِيمَان.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة الْأُمَرَاء وَالرَّعِيَّة: «فَصَفْوُهُ لَكُمْ» يَعْنِي الرَّعِيَّة: «وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ» يَعْنِي: عَلَى الْأُمَرَاء، قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الصَّفْو) هُنَا بِفَتْحِ الصَّاد لَا غَيْر، وَهُوَ الْخَالِص، فَإِذَا أَلْحَقُوهُ الْهَاء فَقَالُوا: الصَّفْوَة، كَانَتْ الصَّاد مَضْمُومَة وَمَفْتُوحَة وَمَكْسُورَة ثَلَاث لُغَات.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ الرَّعِيَّة يَأْخُذُونَ صَفْو الْأُمُور، فَتَصِلُهُمْ أَعْطِيَاتهمْ بِغَيْرِ نَكَد، وَتُبْتَلَى الْوُلَاة بِمُقَاسَاةِ الْأُمُور، وَجَمْع الْأَمْوَال عَلَى وُجُوههَا، وَصَرْفهَا فِي وُجُوههَا، وَحِفْظ الرَّعِيَّة وَالشَّفَقَة عَلَيْهِمْ، وَالذَّبّ عَنْهُمْ، وَإِنْصَاف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض، ثُمَّ مَتَى وَقَعَ عَلَقَة أَوْ عَتَب فِي بَعْض ذَلِكَ؛ تَوَجَّهَ عَلَى الْأُمَرَاء دُون النَّاس.
قَوْله: «غَزْوَة مُؤْتَة» هِيَ بِضَمِّ الْمِيم ثُمَّ هَمْزَة سَاكِنَة وَيَجُوز تَرْك الْهَمْز كَمَا فِي نَظَائِره، وَهِيَ قَرْيَة مَعْرُوفَة فِي طَرَف الشَّام عِنْد الْكَرْك.
قَوْله: «وَرَافَقَنِي مَدَدِي» يَعْنِي: رَجُل مِنْ الْمَدَد، وَاَلَّذِينَ جَاءُوا يَمُدُّونَ جَيْش مُؤْتَة وَيُسَاعِدُونَهُمْ.
✯✯✯✯✯✯
3298- قَوْله: «فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَضَحَّى» أَيْ: نَتَغَذَّى، مَأْخُوذ مِنْ (الضَّحَاء) بِالْمَدِّ وَفَتْح الضَّاد وَهُوَ بَعْد اِمْتِدَاد النَّهَار وَفَوْق الضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْر.
قَوْله: «ثُمَّ اِنْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ»، أَمَّا (الطَّلَق) فَبِفَتْحِ الطَّاء وَاللَّام وَبِالْقَافِ وَهُوَ الْعِقَال مِنْ جِلْد، وَأَمَّا قَوْله: (مِنْ حَقَبه) فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَالْقَاف، وَهُوَ حَبْل الشَّدّ عَلَى حَقْو الْبَعِير، قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَرْف إِلَّا بِفَتْحِ الْقَاف، قَالَ: وَكَانَ بَعْض شُيُوخنَا يَقُول: صَوَابه بِإِسْكَانِهَا أَيْ: مِمَّا اِحْتَقَبَ خَلْفه وَجَعَلَهُ فِي حَقِيبَته، وَهِيَ الرِّفَادَة فِي مُؤْخِرَة الْقَتَب، وَوَقَعَ هَذَا الْحَرْف فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ (حَقْوه) وَفَسَّرَهُ مُؤْخِره، قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَنْ يَكُون (حَقْوَه) فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: «حُجْزَته وَحِزَامه» وَالْحَقْو: مَعْقِد الْإِزَار مِنْ الرَّجُل، وَبِهِ سُمِّيَ الْإِزَار حَقْوًا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة السَّمَرْقَنْدِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي مُسْلِم: «مِنْ جَعْبَته» بِالْجِيمِ وَالْعَيْن، فَإِنْ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا فَلَهُ وَجْه بِأَنْ عَلَّقَهُ بِجَعْبَةِ سِهَامه، وَأَدْخَلَهُ فيها.
قَوْله: «وَفِينَا ضَعْفَة وَرِقَّة» ضَبَطُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَرِوَايَة الْأَكْثَرِينَ بِفَتْحِ الضَّاد وَإِسْكَان الْعَيْن، أَيْ حَالَة ضَعْف وَهُزَال، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الصَّوَاب، وَالثَّانِي: بِفَتْحِ الْعَيْن جَمْع ضَعِيف، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «وَفِينَا ضَعْف» بِحَذْفِ الْهَاء.
قَوْله: «خَرَجَ يَشْتَدّ» أَيْ: يَعْدُو.
وَقَوْله: «ثُمَّ أَنَاخَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَثَارَهُ»، أَيْ: رَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ قَائِمًا.
قَوْله: «نَاقَة وَرْقَاء»، أَيْ: فِي لَوْنهَا سَوَاد كَالْغُبْرَةِ.
قَوْله: «فَاخْتَرَطْت سَيْفِي» أَيْ