📁 آخر الأخبار

باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوايها

 

 باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوايها

باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوايها


2439- قَوْله: «فَأَرَدْت أَنْ أَنْقُل عِيَالِي إِلَى بَعْض الرِّيف» قَالَ أَهْل اللُّغَة: الرِّيف: بِكَسْرِ الرَّاء هُوَ الْأَرْض الَّتِي فيها زَرْع وَخِصْب، وَجَمْعه أَرْيَاف، وَيُقَال: أَرْيَفْنَا صِرْنَا إِلَى الرِّيف، وَأَرَافَتْ الْأَرْض أَخْصَبَتْ فَهِيَ رَيِّفَة.

قَوْله: «وَإِنْ عِيَالنَا لَخُلُوف» هُوَ بِضَمِّ الْخَاء، أَيْ لَيْسَ عِنْدهمْ رِجَال وَلَا مَنْ يَحْمِيهِمْ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَل» هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْحَاء، أَيْ يَشُدّ عَلَيْهَا رَحْلهَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ لَا أَحُلّ لَهَا عُقْدَة حَتَّى أَقْدَمَ الْمَدِينَة» مَعْنَاهُ: أُوَاصِل السَّيْر وَلَا أَحُلّ عَنْ رَاحِلَتِي عُقْدَة مِنْ عُقَد حِمْلهَا وَرَحْلهَا حَتَّى أَصِلَ الْمَدِينَة لِمُبَالَغَتِي فِي الْإِسْرَاع إِلَى الْمَدِينَة.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة حَرَامًا مَا بَيْن مَأْزِمَيْهَا» (الْمَأْزِم) بِهَمْزَةِ بَعْد الْمِيم وَبِكَسْرِ الزَّاي وَهُوَ الْجَبَل، وَقِيلَ: الْمَضِيق بَيْن الْجَبَلَيْنِ وَنَحْوه، وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب هُنَا، وَمَعْنَاهُ: مَا بَيْن جَبَلَيْهَا كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيث أَنَس وَغَيْره.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُخْبَط فيها شَجَرَة إِلَّا لِعَلْفٍ» هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّام، وَهُوَ مَصْدَر عُلِفَتْ عَلْفًا، وَأَمَّا (الْعَلَف) بِفَتْحِ اللَّام فَاسْم لِلْحَشِيشِ وَالتِّبْن وَالشَّعِير وَنَحْوهَا.

وَفيه: جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلْفِ، وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا بِخِلَافِ خَبْط الْأَغْصَان وَقَطْعهَا؛ فَإِنَّهُ حَرَام.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ الْمَدِينَة شِعْب وَلَا نَقْب إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِلَيْهَا» فيه بَيَان فَضِيلَة الْمَدِينَة وَحِرَاسَتهَا فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَثْرَة الْحُرَّاس، وَاسْتِيعَابهمْ الشِّعَاب زِيَادَة فِي الْكَرَامَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الشِّعْب) بِكَسْرِ الشِّين، هُوَ: الْفُرْجَة النَّافِذَة بَيْن الْجَبَلَيْنِ، وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: هُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل، (وَالنَّقْب) بِفَتْحِ النُّون عَلَى الْمَشْهُور، وَحَكَى الْقَاضِي ضَمّهَا أَيْضًا وَهُوَ مِثْل الشِّعْب، وَقِيلَ: هُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل، قَالَ الْأَخْفَش: أَنْقَاب الْمَدِينَة طُرُقهَا وَفِجَاجهَا.

قَوْله: «فَمَا وَضَعْنَا رِحَالنَا حِين دَخَلْنَا الْمَدِينَة حَتَّى أَغَارَ عَلَيْنَا بَنُو عَبْد اللَّه بْن غَطَفَان وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْل ذَلِكَ شَيْء» مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَدِينَة فِي حَال غَيْبَتهمْ كَانَتْ مَحْمِيَّة مَحْرُوسَة، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّ بَنِي عَبْد اللَّه بْن غَطَفَان أَغَارُوا عَلَيْهَا حِين قَدِمْنَا وَلَمْ يَكُنْ قَبْل ذَلِكَ يَمْنَعهُمْ مِنْ الْإِغَارَة عَلَيْهَا مَانِع ظَاهِر، وَلَا كَانَ لَهُمْ عَدُوّ يَهِيجُهُمْ وَيَشْتَغِلُونَ بِهِ، بَلْ سَبَب مَنْعهمْ قَبْل قُدُومنَا حِرَاسَة الْمَلَائِكَة، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَهْل اللُّغَة يُقَال: هَاجَ الشَّرّ، وَهَاجَتْ الْحَرْب، وَهَاجَها النَّاس، أَيْ تَحَرَّكَتْ، وَحَرَّكُوهَا.

 وَهِجْت زَيْدًا حَرَّكْته لِلْأَمْرِ، كُلّه ثَلَاثِي.

وَأَمَّا قَوْله: (بَنُو عَبْد اللَّه) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (عَبْد اللَّه) بِفَتْحِ الْعَيْن مُكَبَّر، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرهَا (عُبَيْد اللَّه) بِضَمِّ الْعَيْن مُصَغَّر، وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب بِلَا خِلَاف بَيْن أَهْل هَذَا الْفَنّ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: حَدَّثَنَا بِهِ مُكَبَّرًا أَبُو مُحَمَّد الْخُشَنِيُّ عَنْ الطَّبَرِيّ عَنْ الْفَارِسِيّ (بَنُو عَبْد اللَّه) عَلَى الصَّوَاب، قَالَ: وَوَقَعَ عِنْد شُيُوخنَا فِي نُسَخ مُسْلِم مِنْ طَرِيق اِبْن مَاهَان، وَمَنْ طَرِيق الْجُلُودِيّ (بَنُو عُبَيْد اللَّه) مُصَغَّر، وَهُوَ خَطَأ.

قَالَ: وَكَانَ يُقَال لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة (بَنُو عَبْد الْعُزَّى) فَسَمَّاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَنِي عَبْد اللَّه) فَسَمَّتْهُمْ الْعَرَب (بَنِي مُحَوَّلَة) لِتَحْوِيلِ اِسْمهمْ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2441- قَوْله: (جَاءَ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ لَيَالِي الْحَرَّة) يَعْنِي الْفِتْنَة الْمَشْهُورَة الَّتِي نُهِبَتْ فيها الْمَدِينَة سَنَة ثَلَاث وَسِتِّينَ.

قَوْله: (فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلَاء) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمَدّ، وَهُوَ الْفِرَار مِنْ بَلَد إِلَى غَيْره.

✯✯✯✯✯✯

‏2443- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَة: «إِنَّهَا حَرَم آمِن» فيه: دَلَالَة لِمَذْهَبِ الْجُمْهُور فِي تَحْرِيم صَيْدهَا وَشَجَرهَا، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة.

✯✯✯✯✯✯

‏2444- قَوْلهَا: (قَدِمْنَا الْمَدِينَة وَهِيَ وَبِيئَة) هِيَ بِهَمْزَةِ مَمْدُودَة، يَعْنِي ذَات وَبَاء، بِالْمَدِّ وَالْقَصْر وَهُوَ الْمَوْت الذَّرِيع، هَذَا أَصْلهُ، وَيُطْلَق أَيْضًا عَلَى الْأَرْض الْوَخِمَة الَّتِي تَكْثُر بِهَا الْأَمْرَاض لاسيما لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُسْتَوْطِنِيهَا.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْف قَدَمُوا عَلَى الْوَبَاء، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر فِي الصَّحِيح النَّهْي عَنْ الْقُدُوم عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهمَا الْقَاضِي، أَحَدهمَا: أَنَّ هَذَا الْقُدُوم كَانَ قَبْل النَّهْي؛ لِأَنَّ النَّهْي كَانَ فِي الْمَدِينَة بَعْد اِسْتِيطَانهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ هُوَ الْقُدُوم عَلَى الْوَبَاء الذَّرِيع وَالطَّاعُون، وَأَمَّا هَذَا الَّذِي كَانَ فِي الْمَدِينَة فَإِنَّمَا كَانَ وَخَمًا يَمْرَض بِسَبَبِهِ كَثِير مِنْ الْغُرَبَاء.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَة» قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: كَانَ سَاكِنُو الْجُحْفَة فِي تِلْكَ الْوَقْت يَهُودًا، فَفيه: دَلِيل لِلدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّار بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَام وَالْهَلَاك.

 وَفيه: الدُّعَاء لِلْمُسْلِمِينَ بِالصِّحَّةِ وَطِيب بِلَادهمْ وَالْبَرَكَة فيها وَكَشْف الضُّرّ وَالشَّدَائِد عَنْهُمْ، وَهَذَا مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا خِلَاف قَوْل بَعْض الْمُتَصَوِّفَة: إِنَّ الدُّعَاء قَدْح فِي التَّوَكُّل وَالرِّضَا، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكه، وَخِلَاف قَوْل الْمُعْتَزِلَة أَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الدُّعَاء مَعَ سَبْق الْقَدَر، وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة أَنَّ الدُّعَاء عِبَادَة مُسْتَقِلَّة، وَلَا يُسْتَجَاب مِنْهُ إِلَّا مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَر، وَاَللَّه أَعْلَم.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث: عَلَم مِنْ أَعْلَام نُبُوَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْجُحْفَة مِنْ يَوْمئِذٍ مُجْتَنَبَة، وَلَا يَشْرَب أَحَد مِنْ مَائِهَا إِلَّا حُمَّ.

✯✯✯✯✯✯

‏2446- قَوْله: (عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْر) هُوَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاة تَحْت وَفَتْح الْحَاء الْمُهْمَلَة وَكَسْر النُّون وَفَتَحَهَا، وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالسِّين مُهْمَلَة، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (يُحَنَّسَ مَوْلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر) هُوَ لِأَحَدِهِمَا حَقِيقَة وَلِلْآخَرِ مَجَازًا.

قَوْله: (إِنَّ اِبْن عُمَر قَالَ لِمَوْلَاتِه: اُقْعُدِي لَكَاع) هِيَ بِفَتْحِ اللَّام، وَأَمَّا الْعَيْن فَمَبْنِيَّة عَلَى الْكَسْر.

قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: اِمْرَأَة لَكَاع، وَرَجُل لُكَع، بِضَمِّ اللَّام وَفَتْح الْكَاف، وَيُطْلَق ذَلِكَ عَلَى اللَّئِيم، وَعَلَى الْعَبْد، وَعَلَى الْغَبِيّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي لِكَلَامِ غَيْره، وَعَلَى الصَّغِير.

 وَخَاطَبَهَا اِبْن عُمَر بِهَذَا إِنْكَارًا عَلَيْهَا لَا دَلَالَة عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَتَعَلَّق بِهِ، وَحَثَّهَا عَلَى سُكْنَى الْمَدِينَة لِمَا فيه مِنْ الْفَضْل.

قَالَ الْعُلَمَاء: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب مَعَ مَا سَبَقَ وَمَا بَعْدهَا دَلَالَات ظَاهِرَة عَلَى فَضْل سُكْنَى الْمَدِينَة، وَالصَّبْر عَلَى شَدَائِدهَا، وَضِيق الْعَيْش فيها، وَأَنَّ هَذَا الْفَضْل بَاقٍ مُسْتَمِرّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.

وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُجَاوَرَة بِمَكَّة وَالْمَدِينَة قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَطَائِفَة: تُكْرَه الْمُجَاوَرَة بِمَكَّة، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَطَائِفَة: لَا تُكْرَه الْمُجَاوَرَة بِمَكَّة بَلْ تُسْتَحَبّ، وَإِنَّمَا كَرِهَهَا مَنْ كَرِهَهَا لِأُمُورٍ مِنْهَا: خَوْف الْمَلَل وَقِلَّة الْحُرْمَة لِلْأُنْسِ، وَخَوْف مُلَابَسَة الذُّنُوب، فَإِنَّ الذَّنْب فيها أَقْبَح مِنْهُ فِي غَيْرهَا، كَمَا أَنَّ الْحَسَنَة فيها أَعْظَم مِنْهَا فِي غَيْرهَا.

 وَاحْتَجَّ مَنْ اِسْتَحَبَّهَا بِمَا يَحْصُل فيها مِنْ الطَّاعَات الَّتِي لَا تَحْصُل بِغَيْرِهَا، وَتَضْعِيف الصَّلَوَات وَالْحَسَنَات وَغَيْر ذَلِكَ، وَالْمُخْتَار أَنَّ الْمُجَاوَرَة بِهِمَا جَمِيعًا مُسْتَحَبَّة إِلَّا أَنْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه الْوُقُوع فِي الْمَحْذُورَات الْمَذْكُورَة وَغَيْرهَا، وَقَدْ جَاوَرَتْهُمَا خَلَائِق لَا يُحْصُونَ مِنْ سَلَف الْأُمَّة وَخَلَفهَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْمُجَاوِرِ الِاحْتِرَاز مِنْ الْمَحْذُورَات وَأَسْبَابهَا.

 وَاَللَّه أَعْلَم.


باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوايها

باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوايها



تعليقات