باب في تاويل الرويا
باب في تاويل الرويا
4214- قَوْله: «أَرَى اللَّيْلَة فِي الْمَنَام ظُلَّة تَنْطِفُ السَّمْن وَالْعَسَل، فَأَرَى النَّاس يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ، وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا» أَمَّا (الظُّلَّة) فَهِيَ السَّحَابَة.
(وَتَنْطِفُ) بِضَمِّ الطَّاء وَكَسْرهَا أَيْ تَقْطُرُ قَلِيلًا قَلِيلًا.
(وَيَتَكَفَّفُونَ) يَأْخُذُونَ بِأَكُفِّهِمْ.
و: (السَّبَب) الْحَبْل.
و: (الْوَاصِل) بِمَعْنَى الْمَوْصُول.
وَأَمَّا (اللَّيْلَة) فَقَالَ ثَعْلَب وَغَيْره: يُقَالُ: رَأَيْت اللَّيْلَة مِنْ الصَّبَاح إِلَى زَوَال الشَّمْس، وَمَنْ الزَّوَال إِلَى اللَّيْل رَأَيْت الْبَارِحَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْت بَعْضًا، وَأَخْطَأْت بَعْضًا» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة وَآخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَصَبْت فِي بَيَان تَفْسِيرهَا، وَصَادَفْت حَقِيقَة تَأْوِيلهَا، وَأَخْطَأْت فِي مُبَادَرَتك بِتَفْسِيرِهَا مِنْ غَيْر أَنْ آمُرَك بِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن قُتَيْبَة وَمُوَافِقُوهُ فَاسِد؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: اُعْبُرْهَا وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي تَرْكه تَفْسِير بَعْضهَا، فَإِنَّ الرَّائِي قَالَ: رَأَيْت ظُلَّة تَنْطِفُ السَّمْن وَالْعَسَل، فَفَسَّرَهُ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْقُرْآنِ حَلَاوَته وَلِينه، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ تَفْسِير الْعَسَل، وَتَرَكَ تَفْسِير السَّمْن وَتَفْسِيره السُّنَّة، فَكَانَ حَقّه أَنْ يَقُول: الْقُرْآن وَالسُّنَّة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَطَأ وَقَعَ فِي خَلْع عُثْمَان، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَنَام أَنَّهُ أَخَذَ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اِنْخِلَاعه بِنَفْسِهِ، وَفَسَّرَهُ الصِّدِّيق بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُل فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، وَعُثْمَان قَدْ خُلِعَ قَهْرًا، وَقُتِلَ، وَوُلِّيَ غَيْره.
فَالصَّوَاب فِي تَفْسِيره أَنْ يُحْمَلَ وَصْله عَلَى وِلَايَة غَيْره مِنْ قَوْمه، وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَطَأ فِي سُؤَاله لِيَعْبُرَهَا.
قَوْله: «فَوَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّه لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْت قَالَ: لَا تُقْسِمْ» هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ إِبْرَار الْمُقْسِم الْمَأْمُور بِهِ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْإِبْرَار مَفْسَدَة وَلَا مَشَقَّة ظَاهِرَة.
فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِبْرَارِ، لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبَرَّ قَسَم أَبِي بَكْر لَمَّا رَأَى فِي إِبْرَاره مِنْ الْمَفْسَدَة، وَلَعَلَّ الْمَفْسَدَة مَا عَلِمَهُ مِنْ سَبَب اِنْقِطَاع السَّبَب مَعَ عُثْمَان، وَهُوَ قَتْله.
وَتِلْكَ الْحُرُوب وَالْفِتَن الْمُتَرَتِّبَة عَلَيْهِ، فَكَرِهَ ذِكْرَهَا مَخَافَة مِنْ شُيُوعهَا، أَوْ أَنَّ الْمَفْسَدَة لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُبَادَرَته وَوَبَّخَهُ بَيْن النَّاس، أَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي تَرْكِ تَعْيِين الرِّجَال الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِالسَّبَبِ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي بَيَانه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيَانهمْ مَفْسَدَة.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز عَبْر الرُّؤْيَا، وَأَنَّ عَابِرهَا قَدْ يُصِيبُ، وَقَدْ يُخْطِئُ.
وَأَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ عَلَى الْإِطْلَاق، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ وَجْههَا.
وَفيه أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إِبْرَار الْمُقْسِم إِذَا كَانَ فيه مَفْسَدَة أَوْ مَشَقَّة ظَاهِرَة.
قَالَ الْقَاضِي: وَفيه أَنَّ مَنْ قَالَ أُقْسِمُ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
لِأَنَّ أَبَا بَكْر لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْله: أُقْسِمُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي عَجَب، فَإِنَّ الَّذِي فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم أَنَّهُ قَالَ: «فَوَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّه لَتُحَدِّثَنِّي» وَهَذَا صَرِيح يَمِين، وَلَيْسَ فيها أُقْسِمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ لِمَالِكٍ: أَيَعْبُرُ الرَّجُل الرُّؤْيَا عَلَى الْخَيْر وَهِيَ عِنْده عَلَى الشَّرّ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّه أَبِالنُّبُوَّةِ يَتَلَعَّبُ؟ هِيَ مِنْ أَجْزَاء النُّبُوَّة.
قَوْله: «كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَة عِنْدهمْ كَثِيرًا مَا كَانَ يَفْعَل كَذَا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ شَأْنه.
وَفِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى عِلْم الرُّؤْيَا وَالسُّؤَال عَنْهَا وَتَأْوِيلهَا، قَالَ الْعُلَمَاء: وَسُؤَالهمْ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ تَأْوِيلهَا وَفَضِيلَتهَا وَاشْتِمَالهَا عَلَى مَا شَاءَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ.
باب في تاويل الرويا
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الرؤيا ﴿ 4 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞