باب الحدود كفارات لاهلها
باب الحدود كفارات لاهلها
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْره عَلَى اللَّه، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ فَأَمْره إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَلَا يَعْضَه بَعْضنَا بَعْضًا، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْره عَلَى اللَّه، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيم عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَته، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ فَأَمْره إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «بَايَعْنَاهُ عَلَى أَلَّا نُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَزْنِي وَلَا نَسْرِق وَلَا نَقْتُل النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه وَلَا نَنْتَهِب وَلَا نَعْصِي، فَالْجَنَّة إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاء ذَلِكَ اللَّه تَعَالَى».
✯✯✯✯✯✯
3223- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ وَفَى» فَبِتَخْفِيفِ الْفَاء، وَقَوْله: «وَلَا يَعْضَه» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، أَيْ لَا يَسْتَحِبّ، وَقِيلَ: لَا يَأْتِي بِبُهْتَانٍ، وَقِيلَ: لَا يَأْتِي بِنَمِيمَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث عَامّ مَخْصُوص، وَمَوْضِع التَّخْصِيص.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» إِلَى آخِره الْمُرَاد بِهِ: مَا سِوَى الشِّرْك، وَإِلَّا فَالشِّرْك لَا يَغْفِر لَهُ وَتَكُون عُقُوبَته كَفَّارَة لَهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد:- مِنْهَا: تَحْرِيم هَذِهِ الْمَذْكُورَات وَمَا فِي مَعْنَاهَا.
وَمِنْهَا: الدَّلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ أَنَّ الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر لَا يَقْطَع لِصَاحِبِهَا بِالنَّارِ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، بَلْ هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَة؛ فَإِنَّ الْخَوَارِج يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي، وَالْمُعْتَزِلَة يَقُولُونَ: لَا يَكْفُر، وَلَكِنْ يُخَلَّد فِي النَّار، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْإِيمَان مَبْسُوطَة بِدَلَائِلِهَا.
وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ اِرْتَكَبَ ذَنْبًا يُوجِب الْحَدّ فَحُدَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْم، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء: الْحُدُود كَفَّارَة اِسْتِدْلَالًا بِهَذَا الْحَدِيث، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة»، قَالَ: وَلَكِنَّ حَدِيث عُبَادَةَ الَّذِي نَحْنُ فيه أَصَحّ إِسْنَادًا وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ، فَيَحْتَمِل أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَبْل حَدِيث عُبَادَةَ فَلَمْ يَعْلَم ثُمَّ عَلِمَ، قَالَ الْمَازِرِيّ: وَمِنْ نَفِيس الْكَلَام وَجَزْله قَوْله: «وَلَا نَعْصِي فَالْجَنَّة إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ»، وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْره عَلَى اللَّه»، وَلَمْ يَقُلْ: فَالْجَنَّة؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى: وَلَا نَعْصِي، وَقَدْ يَعْصِي الْإِنْسَان بِغَيْرِ الذُّنُوب الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث كَشُرْبِ الْخَمْر وَأَكْل الرِّبَا وَشَهَادَة الزُّور، وَقَدْ يَتَجَنَّب الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث، وَيُعْطَى أَجْره عَلَى ذَلِكَ وَتَكُون لَهُ مَعَاصٍ غَيْر ذَلِكَ فَيُجَازَى بِهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب الحدود كفارات لاهلها
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الحدود ﴿ 10 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞