باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور
باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور
قَوْله: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَمَهْر الْبَغِيّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِن»، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «شَرّ الْكَسْب مَهْر الْبَغِيّ، وَثَمَن الْكَلْب، وَكَسْب الْحَجَّام» وَفِي رِوَايَة: «ثَمَن الْكَلْب خَبِيث، وَمَهْر الْبَغِيّ خَبِيث، وَكَسْب الْحَجَّام خَبِيث» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «سَأَلْت جَابِرًا عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَالسِّنَّوْر فَقَالَ: زَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ».
✯✯✯✯✯✯
وَأَمَّا: «حُلْوَانِ الْكَاهِن» فَهُوَ مَا يُعْطَاهُ عَلَى كِهَانَته.
يُقَال مِنْهُ: حَلَوْته حُلْوَانًا إِذَا أَعْطَيْته.
قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره: أَصْله مِنْ الْحَلَاوَة شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْو مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذهُ سَهْلًا بِلَا كُلْفَة، وَلَا فِي مُقَابَلَة مَشَقَّة.
يُقَال: حَلَوْته إِذَا أَطْعَمْته الْحُلْو، كَمَا يُقَال: عَسَلْته إِذَا أَطْعَمْته الْعَسَل.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَيُطْلَق الْحُلْوَان أَيْضًا عَلَى غَيْر هَذَا.
وَهُوَ أَنْ يَأْخُذ الرَّجُل مَهْر اِبْنَته لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ عَيْب عِنْد النِّسَاء.
قَالَتْ اِمْرَأَة تَمْدَح زَوْجهَا: لَا يَأْخُذ الْحُلْوَان عَنْ بَنَاتنَا.
قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا، وَالْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيم حُلْوَانِ الْكَاهِن؛ لِأَنَّهُ عِوَض عَنْ مُحَرَّم، وَلِأَنَّهُ أَكَلَ الْمَال بِالْبَاطِلِ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيم أُجْرَة الْمُغَنِّيَة لِلْغِنَاءِ، وَالنَّائِحَة لِلنَّوْحِ.
وَأَمَّا الَّذِي جَاءَ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم مِنْ النَّهْي عَنْ كَسْب الْإِمَاء فَالْمُرَاد بِهِ كَسْبهنَّ بِالزِّنَا وَشِبْهِهِ لَا بِالْغَزْلِ وَالْخِيَاطَة وَنَحْوهمَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيّ: قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: وَيُقَال حُلْوَانِ الْكَاهِن الشنع والصهميم.
قَالَ الْخَطَّابِيّ: وَحُلْوَان الْعَرَّاف أَيْضًا حَرَام.
قَالَ: وَالْفَرْق بَيْن الْكَاهِن وَالْعَرَّاف أَنَّ الْكَاهِن إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَنْ الْكَائِنَات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَان، وَيَدَّعِي مَعْرِفَة الْأَسْرَار، وَالْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمَا مِنْ الْأُمُور.
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيّ فِي مَعَالِم السُّنَن فِي كِتَاب الْبُيُوع، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِر الْكِتَاب أَبْسَط مِنْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّ الْكَاهِن هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَة عِلْم الْغَيْب، وَيُخْبِر النَّاس عَنْ الْكَوَائِن.
قَالَ: وَكَانَ فِي الْعَرَب كَهَنَة يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُور؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُم أَنَّ لَهُ رُفَقَاء مِنْ الْجِنّ وَتَابِعَة تُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْك الْأُمُور بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَق فَيَعْرِف الْمَظْنُون بِهِ السَّرِقَة، وَتَتَّهِم الْمَرْأَة بِالرِّيبَةِ فَيُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّم كَاهِنًا قَالَ: وَحَدِيث النَّهْي عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَنْ هَؤُلَاءِ كُلّهمْ، وَعَلَى النَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيب كَاهِنًا، وَرُبَّمَا سَمُّوهُ عَرَّافًا؛ فَهَذَا غَيْر دَاخِل فِي النَّهْي.
هَذَا آخِر كَلَام الْخَطَّابِيّ.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي آخِر كِتَابه الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة: وَيَمْنَع الْمُحْتَسَب مَنْ يَكْتَسِب بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْو، وَيُؤَدِّب عَلَيْهِ الْآخِذ وَالْمُعْطِي.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَكَوْنه مِنْ شَرّ الْكَسْب وَكَوْنه خَبِيثًا فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه، وَأَنَّهُ لَا يَصِحّ بَيْعه، وَلَا يَحِلّ ثَمَنه، وَلَا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لَا، وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَمْ لَا، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَصِحّ بَيْع الْكِلَاب الَّتِي فيها مَنْفَعَة، وَتَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفهَا.
وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ جَابِر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ جَوَاز بَيْع كَلْب الصَّيْد دُون غَيْره.
وَعَنْ مَالِك رِوَايَات إِحْدَاهَا لَا يَجُوز بَيْعه، وَلَكِنْ تَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفه.
وَالثَّانِيَة يَصِحّ بَيْعه، وَتَجِب الْقِيمَة.
وَالثَّالِثَة لَا يَصِحّ، وَلَا تَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفه.
دَلِيل الْجُمْهُور هَذِهِ الْأَحَادِيث.
وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب إِلَّا كَلْب صَيْد وَفِي رِوَايَة: «إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا»، وَأَنَّ عُثْمَان غَرَّمَ إِنْسَانًا ثَمَن كَلْب قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا، وَعَنْ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ التَّغْرِيم فِي إِتْلَافه فَكُلّهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاقِ أَئِمَّة الْحَدِيث، وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي شَرْح الْمُهَذَّب فِي بَاب مَا يَجُوز بَيْعه.
✯✯✯✯✯✯
2932- أَمَّا: «كَسْب الْحَجَّام» وَكَوْنه خَبِيثًا وَمِنْ شَرّ الْكَسْب فَفيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول بِتَحْرِيمِهِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَسْب الْحَجَّام فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: لَا يَحْرُم كَسْب الْحَجَّام، وَلَا يَحْرُم أَكَلَهُ لَا عَلَى الْحُرّ وَلَا عَلَى الْعَبْد، وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَد، وَقَالَ فِي رِوَايَة عَنْهُ قَالَ بِهَا فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ يَحْرُم عَلَى الْحُرّ دُون الْعَبْد، وَاعْتَمَدُوا هَذِهِ الْأَحَادِيث وَشِبْههَا، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّام أَجْره.
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ».
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَحَمَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي فِي النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه وَالِارْتِفَاع عَنْ دَنِيء الْأَكْسَاب، وَالْحَثّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق وَمَعَالِي الْأُمُور.
وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُفَرِّق فيه بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد فَإِنَّهُ لَا يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يُطْعِم عَبْده مَا لَا يَحِلّ.
✯✯✯✯✯✯
2933- وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن السِّنَّوْر فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَع، أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَهْي تَنْزِيه حَتَّى يَعْتَاد النَّاس هِبَته وَإِعَارَته وَالسَّمَاحَة بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِب.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَع وَبَاعَهُ صَحَّ الْبَيْع، وَكَانَ ثَمَنه حَلَالًا هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا مَا حَكَى اِبْن الْمُنْذِر.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِد وَجَابِر بْن زَيْد أَنَّهُ لَا يَجُوز بَيْعه، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَهَذَا هُوَ الْجَوَاب الْمُعْتَمَد.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيّ وَأَبُو عَمْرو بْن عَبْد الْبَرّ مِنْ أَنَّ الْحَدِيث فِي النَّهْي عَنْهُ ضَعِيف فَلَيْسَ كَمَا قَالَا، بَلْ الْحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسْلِم وَغَيْره.
وَقَوْل اِبْن عَبْد الْبَرّ: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر غَيْر حَمَّاد بْن سَلَمَة غَلَط مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَاهُ فِي صَحِيحه كَمَا يُرْوَى مِنْ رِوَايَة مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي الزُّبَيْر؛ فَهَذَانِ ثِقَتَانِ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر، وَهُوَ ثِقَة أَيْضًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب المساقاة ﴿ 9 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞