باب جواز ارداف المراة الاجنبية اذا اعيت في الطريق
باب جواز ارداف المراة الاجنبية اذا اعيت في الطريق
4050- قَوْله: «عَنْ أَسْمَاء إِنَّهَا كَانَتْ تَعْلِف فَرَس زَوْجهَا الزُّبَيْر، وَتَكْفيه مُؤْنَته، وَتَسُوسهُ، وَتَدُقّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَتَعْلِفهُ، وَتَسْتَقِي الْمَاء، وَتَعْجِن» هَذَا كُلّه مِنْ الْمَعْرُوف وَالْمَرْوَات الَّتِي أَطْبَقَ النَّاس عَلَيْهَا، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَة تَخْدُم زَوْجهَا بِهَذِهِ الْأُمُور الْمَذْكُورَة وَنَحْوهَا مِنْ الْخَبْز وَالطَّبْخ وَغَسْل الثِّيَاب وَغَيْر ذَلِكَ، وَكُلّه تَبَرُّع مِنْ الْمَرْأَة وَإِحْسَان مِنْهَا إِلَى زَوْجهَا وَحُسْن مُعَاشَرَة وَفِعْل مَعْرُوف مَعَهُ، وَلَا يَجِب عَلَيْهَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ اِمْتَنَعَتْ مِنْ جَمِيع هَذَا لَمْ تَأْثَم، وَيَلْزَمهُ هُوَ تَحْصِيل هَذِهِ الْأُمُور لَهَا، وَلَا يَحِلّ لَهُ إِلْزَامهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا تَفْعَلهُ الْمَرْأَة تَبَرُّعًا، وَهِيَ عَادَة جَمِيلَة اِسْتَمَرَّ عَلَيْهَا النِّسَاء مِنْ الزَّمَن الْأَوَّل إِلَى الْآن، وَإِنَّمَا الْوَاجِب عَلَى الْمَرْأَة شَيْئَانِ: تَمْكِينهَا زَوْجهَا مِنْ نَفْسهَا، وَمُلَازَمَة بَيْته.
قَوْلهَا: «وَكُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر الَّتِي أَقَطَعَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي، وَهُوَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: أَقَطَعَهُ إِذَا أَعْطَاهُ قَطِيعَة، وَهِيَ قِطْعَة أَرْض، سُمِّيَتْ قَطِيعَة لِأَنَّهَا اِقْتَطَعَهَا مِنْ جُمْلَة الْأَرْض.
وَقَوْله: «عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ» أَيْ مِنْ مَسْكَنهَا بِالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا الْفَرْسَخ فَهُوَ ثَلَاثَة أَمْيَال، وَالْمِيل سِتَّة آلَاف ذِرَاع، وَالذِّرَاع أَرْبَع وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة، وَالْأُصْبُع سِتّ شَعِيرَات مُعْتَرِضَات مُعْتَدِلَات.
وَفِي هَذَا دَلِيل لِجَوَازِ إِقْطَاع الْإِمَام.
فَأَمَّا الْأَرْض الْمَمْلُوكَة لِبَيْتِ الْمَال فَلَا يَمْلِكهَا أَحَد إِلَّا بِإِقْطَاعِ الْإِمَام، ثُمَّ تَارَة يَقْطَع رَقَبَتهَا، وَيَمْلِكهَا الْإِنْسَان يَرَى فيه مَصْلَحَة، فَيَجُوز، وَيَمْلِكهَا كَمَا يَمْلِك مَا يُعْطِيه مِنْ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغَيْرهَا إِذَا رَأَى فيه مَصْلَحَة، وَتَارَة يَقْطَعهُ مَنْفَعَتهَا، فَيَسْتَحِقّ الِانْتِفَاع بِهَا مُدَّة الْإِقْطَاع.
وَأَمَّا الْمَوَات فَيَجُوز لِكُلِّ أَحَد إِحْيَاؤُهُ، وَلَا يَفْتَقِر إِلَى إِذْن الْإِمَام.
هَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُمْلَك الْمَوَات بِالْإِحْيَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام.
وَأَمَّا قَوْلهَا: «وَكُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر» فَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَلْتَقِطهُ مِنْ النَّوَى السَّاقِط فيها مِمَّا أَكَلَهُ النَّاس وَأَلْقَوْهُ قَالَ: فَفيه جَوَاز اِلْتِقَاط الْمَطْرُوحَات رَغْبَة عَنْهَا كَالنَّوَى، وَالسَّنَابِل، وَخِرَق الْمَزَابِل، وَسُقَاطَتهَا، وَمَا يَطْرَحهُ النَّاس مِنْ رَدِيء الْمَتَاع، وَرَدِيء الْخُضَر، وَغَيْرهَا مِمَّا يُعْرَف أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ رَغْبَة عَنْهُ، فَكُلّ هَذَا يَحِلّ اِلْتِقَاطه، وَيَمْلِكهُ الْمُلْتَقِط، وَقَدْ لَقَطَهُ الصَّالِحُونَ وَأَهْل الْوَرَع، وَرَأَوْهُ مِنْ الْحَلَال الْمَحْض، وَارْتَضَوْهُ لِأَكْلِهِمْ وَلِبَاسهمْ.
قَوْلهَا: «فَجِئْت يَوْمًا وَالنَّوَي عَلَى رَأْسِي فَلَقِيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَدَعَانِي وَقَالَ: إِخْ إِخْ لِيَحْمِلنِي خَلْفه، فَاسْتَحْيَيْت، وَعَرَفْت غَيْرَتك» أَمَّا لَفْظَة إِخْ إِخْ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهِيَ كَلِمَة تُقَال لِلْبَعِيرِ لِيَبْرُك.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْإِرْدَاف عَلَى الدَّابَّة إِذَا كَانَتْ مُطِيقَة، وَلَهُ نَظَائِر كَثِيرَة فِي الصَّحِيح سَبَقَ بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا.
وَفيه مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَرَحْمَتهمْ وَمُوَاسَاتهمْ فِيمَا أَمْكَنَهُ.
وَفيه جَوَاز إِرْدَاف الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا وُجِدَتْ فِي طَرِيق قَدْ أَعْيَتْ، لاسيما مَعَ جَمَاعَة رِجَال صَالِحِينَ، وَلَا شَكّ فِي جَوَاز مِثْل هَذَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا خَاصّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ غَيْره، فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاس الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَكَانَتْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاعَدَتهنَّ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّته، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّة لَهُ لِكَوْنِهَا بِنْت أَبِي بَكْر، وَأُخْت عَائِشَة، وَامْرَأَة الزُّبَيْر، فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْله وَنِسَائِهِ، مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْلَك لِإِرْبِهِ.
وَأَمَّا إِرْدَاف الْمَحَارِم فَجَائِز بِلَا خِلَاف بِكُلِّ حَال.
قَوْلهَا: «أَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَادِمٍ» أَيْ جَارِيَة تَخْدُمنِي، يُقَال لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى خَادِم بِلَا هَاء.
✯✯✯✯✯✯
4051- قَوْلهَا فِي الْفَقِير الَّذِي اِسْتَأْذَنَهَا فِي أَنْ يَبِيع فِي ظِلّ دَارهَا وَذَكَرْت الْحِيلَة فِي اِسْتِرْضَاء الزُّبَيْر.
هَذَا فيه حُسْن الْمُلَاطَفَة فِي تَحْصِيل الْمَصَالِح، وَمُدَارَاة أَخْلَاق النَّاس فِي تَتْمِيم ذَلِكَ.
وَاللَّه أَعْلَم.
باب جواز ارداف المراة الاجنبية اذا اعيت في الطريق
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب السلام ﴿ 14 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞