باب الاستيذان
باب الاستيذان
4006- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِسْتَأْذَنَ أَحَدكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فَلْيَرْجِعْ» أَجْمَع الْعُلَمَاء أَنَّ الِاسْتِئْذَان مَشْرُوع، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَإِجْمَاع الْأُمَّة.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبّ تَقْدِيم السَّلَام ثُمَّ الِاسْتِئْذَان، أَوْ تَقْدِيم الِاسْتِئْذَان ثُمَّ السَّلَام؟ الصَّحِيح الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّة، وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، أَنَّهُ يُقَدِّم السَّلَام، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ وَالثَّانِي يُقَدَّم الِاسْتِئْذَان.
وَالثَّالِث وَهُوَ اِخْتِيَار الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا إِنْ وَقَعَتْ عَيْن الْمُسْتَأْذِن عَلَى صَاحِب الْمَنْزِل قَبْل دُخُوله قُدِّمَ السَّلَام، وَإِلَّا قُدِّمَ الِاسْتِئْذَان.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ فِي تَقْدِيم السَّلَام.
أَمَّا إِذَا اِسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهُ، فَفيه ثَلَاثَة مَذَاهِب: أَشْهَرهَا أَنَّهُ يَنْصَرِف، وَلَا يُعِيد الِاسْتِئْذَان.
وَالثَّانِي يَزِيد فيه.
وَالثَّالِث إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَان الْمُتَقَدِّم لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ.
فَمَنْ قَالَ بِالْأَظْهَرِ فَحُجَّته قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث: «فَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فَلْيَرْجِعْ».
وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي حَمَلَ الْحَدِيث عَلَى مَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَمْ يَأْذَن.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «قَالَ عُمَر: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، وَإِلَّا أَوْجَعْتُك، فَقَالَ اِبْن أَبِي كَعْب: لَا يَقُوم مَعَهُ إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم قَالَ أَبُو سَعِيد: قُلْت: أَنَا أَصْغَر الْقَوْم فَأَذْهَب بِهِ» مَعْنَى كَلَام أَبِي بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر فِي إِنْكَاره الْحَدِيث.
وَأَمَّا قَوْله: «لَا يَقُوم مَعَهُ إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم» فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَدِيث مَشْهُور بَيْننَا، مَعْرُوف لِكِبَارِنَا وَصِغَارنَا، حَتَّى إِنَّ أَصْغَرنَا يَحْفَظهُ، وَسَمِعَهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ يَقُول: لَا يُحْتَجّ بِخَبَرِ الْوَاحِد، وَزَعَمَ أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَدّ حَدِيث أَبِي مُوسَى هَذَا لِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل، وَقَدْ أَجْمَع مَنْ يَعْتَدّ بِهِ عَلَى الِاحْتِجَاج بِخَبَرِ الْوَاحِد وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ، وَدَلَائِله مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ وَسَائِر الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَر.
وَأَمَّا قَوْل عُمَر لِأَبِي مُوسَى: «أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة» فَلَيْسَ مَعْنَاهُ رَدّ خَبَر الْوَاحِد مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَر وَاحِد، وَلَكِنْ خَافَ عُمَر مُسَارَعَة النَّاس إِلَى الْقَوْل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَقَوَّل عَلَيْهِ بَعْض الْمُبْتَدِعِينَ أَوْ الْكَاذِبِينَ أَوْ الْمُنَافِقِينَ وَنَحْوهمْ مَا لَمْ يَقُلْ، وَأَنَّ كُلّ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّة وُضِعَ فيها حَدِيثًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ سَدّ الْبَاب خَوْفًا مِنْ غَيْر أَبِي مُوسَى لَا شَكًّا فِي رِوَايَة أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ عِنْد عُمَر أَجَل مِنْ أَنْ يُظَنّ بِهِ أَنْ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ، بَلْ أَرَادَ زَجْر غَيْره بِطَرِيقِهِ، فَإِنَّ مَنْ دُون أَبِي مُوسَى إِذَا رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّة أَوْ بَلَغَتْهُ، وَكَانَ فِي قَلْبه مَرَض، أَوْ أَرَادَ وَضْع حَدِيث خَافَ مِنْ مِثْل قَضِيَّة أَبِي مُوسَى، فَامْتَنَعَ مِنْ وَضْع الْحَدِيث وَالْمُسَارَعَة إِلَى الرِّوَايَة بِغَيْرِ يَقِين.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عُمَر لَمْ يَرُدّ خَبَر أَبِي مُوسَى لِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ إِخْبَار رَجُل آخَر حَتَّى يَعْمَل بِالْحَدِيثِ، وَمَعْلُوم أَنَّ خَبَر الِاثْنَيْنِ خَبَر وَاحِد، وَكَذَا مَا زَادَ حَتَّى يَبْلُغ التَّوَاتُر، فَمَا لَمْ يَبْلُغ التَّوَاتُر فَهُوَ خَبَر وَاحِد.
وَمِمَّا يُؤَيِّدهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة مِنْ قَضِيَّة أَبِي مُوسَى هَذِهِ أَنَّ أُبَيًّا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا اِبْن الْخَطَّاب فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سُبْحَان اللَّه إِنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّت».
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة وَإِلَّا أَوْجَعْتُك» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَاللَّه لَأَوْجِعَنَّ ظَهْرك وَبَطْنك أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَد» وَفِي رِوَايَة: «لَأَجْعَلَنَّكَ نَكَالًا» هَذَا كُلّه مَحْمُول عَلَى أَنَّ تَقْدِيره لَأَفْعَلَنَّ بِك هَذَا الْوَعِيد إِنْ بَانَ أَنَّك تَعَمَّدْت كَذِبًا.
وَاللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
4007- قَوْله: «فَلَوْ مَا اِسْتَأْذَنْت» أَيْ هَلَّا اِسْتَأْذَنْت، وَمَعْنَاهَا التَّحْضِيض عَلَى الِاسْتِئْذَان.
✯✯✯✯✯✯
4008- قَوْله: «فَهَا وَإِلَّا فَلَأَجْعَلَنَّك عِظَة».
أَيْ فَهَاتِ الْبَيِّنَة.
قَوْله: «يَضْحَكُونَ» سَبَب ضَحِكهمْ التَّعَجُّب مِنْ فَزِعَ أَبِي مُوسَى وَذُعْره وَخَوْفه مِنْ الْعُقُوبَة، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا أَنْ يَنَالهُ عُقُوبَة أَوْ غَيْرهَا لِقُوَّةِ حُجَّته، وَسَمَاعهمْ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
✯✯✯✯✯✯
4009- قَوْله: «أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ» أَيْ التِّجَارَة وَالْمُعَامَلَة فِي الْأَسْوَاق.
✯✯✯✯✯✯
4010- سبق شرحه بالباب.
باب الاستيذان باب الاستيذان
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الآداب ﴿ 7 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞