باب من اكل في عاشوراء فليكف بقية يومه
باب من اكل في عاشوراء فليكف بقية يومه
قَوْله: «مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامه إِلَى اللَّيْل»، وَفِي رِوَايَة: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّة يَوْمه» مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ مَنْ كَانَ نَوَى الْصوم فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُل، أَوْ أَكَلَ فَلْيمسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمه، حُرْمَةً لِلْيَوْمِ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ يَوْم الشَّكّ مُفْطِرًا، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان يَجِب إِمْسَاك بَقِيَّة يَوْمه حُرْمَة لِلْيَوْمِ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَة بِهَذَا الْحَدِيث لِمَذْهَبِهِ: أَنَّ صَوم رَمَضَان وَغَيْره مِنْ الْفَرْض يَجُوز نِيَّتُهُ فِي النَّهَار، وَلَا يُشْتَرَط تَبْيِيتُهَا، قَالَ: لِأَنَّهُمْ نَوَوْا فِي النَّهَار وَأَجْزَأَهُمْ، قَالَ الْجُمْهُور: لَا يَجُوز رَمَضَان وَلَا غَيْره مِنْ الصَّوْم الْوَاجِب إِلَّا بِنِيَّة منْ اللَّيْل، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيث: بِأَنَّ الْمُرَاد إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لَا حَقِيقَةُ الصَّوْمِ.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ أَكَلُوا ثُمَّ أُمِرُوا بِالْإِتْمَامِ، وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَة وَغَيْره عَلَى أَنَّ شَرْط إِجْزَاء النِّيَّة فِي النَّهَار فِي الْفَرْض وَالنَّفْل أَلَّا يَتَقَدَّمَهَا مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَجَوَاب آخَر: أَنَّ صَوْم عَاشُورَاء لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عِنْد الْجُمْهُور كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّل الْبَاب، وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّة مُتَأَكِّدَةً.
وَجَوَابٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ لَيْسَ فيه أَنَّهُ يُجْزِيهِمْ وَلَا يَقْضُونَهُ، بَلْ لَعَلَّهُمْ قَضَوْهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيث: «فَأَتِمُّوا بَقِيَّة يَوْم وَاقْضُوهُ».
قَوْله: «اللُّعْبَة مِنْ الْعِهْن» هُوَ الصُّوف مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الصُّوف الْمَصْبُوغ.
قَوْله: «فَنَجْعَل لَهُمْ اللُّعْبَة مِنْ الْعِهْن فَإِذَا بَكَى أَحَدهمْ عَلَى الطَّعَام أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْد الْإِفْطَار» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «عِنْد الْإِفْطَار».
قَالَ الْقَاضِي: فيه مَحْذُوفٌ، وَصَوَابه: حَتَّى يَكُون عِنْد الْإِفْطَار، فَبِهَذَا يَتِمُّ الْكَلَامُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة مُسَدَّدٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ» وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَمْرِينُ الصِّبْيَان عَلَى الطَّاعَات، وَتَعْوِيدُهُمْ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة أَنَّهُمْ مَتَى أَطَاقُوا الصَّوْم وَجَبَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: «رُفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَة: عَنْ الصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِمَ»، وَفِي رِوَايَة: «يَبْلُغَ».
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.باب من اكل في عاشوراء فليكف بقية يومه
باب من اكل في عاشوراء فليكف بقية يومه
باب من اكل في عاشوراء فليكف بقية يومه