حقيقة الميزان الصرفي في الاصطلاح
حقيقة الميزان الصرفي
الميزان الصرفي هو معيار لفظي، اصطلح علماء الصرف عليه (فعل)، فاتخذوه من أحرف (ف ع ل)، ليزنوا به ما يدخله التصريف من أنواع الكلمات العربية، فكما احتاج الصائغ مثلا إلى ميزان يعرف به القدر الذي يصوغه، احتاج الصرفي إلى ميزان يعرف به عدد حروف المادة وترتيبها، وما فيها من أصول وزوائد، وحركات وسكنات، أي كما يفعل أصحاب الحرف إذ يتخذون لهم معايير مختلفة لمعرفة مقادير الأشياء، وقد جرى على ذلك علماء الصرف، فقد اتخذوا من نفس حروف الهجاء المعيار الذي يزنون به كلماتهم، وقد اختاروا معيارهم اللفظي، ليزنوا به، وجعلوا أحرفه (الفاء والعين واللام)…
فصناعة التصريف شبيهة بالصياغة، فالصائغ يصوغ من الأصل الواحد أشياء مختلفة، والصرفي يحول المادة إلى صور مختلفة، لهذا احتاج الصرفي في صناعته إلى ميزان يعرف به عدد حروف المادة وترتيبها وما فيها من أصول وزوائد، وحركات وسكنات، وما طرأ عليها من تغيير، كما يحتاج الصائغ إلى ميزان يعرف به مقدار ما يصوغه من أصله، فيكون المقصود من الميزان الصرفي هو المعيار اللفظي الذي اصطلحه الصرفيون، ليدلوا به على هيئة الكلمة من ناحية الضبط، والأصالة والزيادة، والحذف والإعلال، والنقل والإدغام، وغير ذلك ممّا يعرض الكلمة سوى الإعراب…
وقد يطلق على الميزان الصرفي اسم (المثل)، فالمثل هي الأوزان الصرفية، وقد يطلق عليه أيضا (باب التمثيل)…
والفائدة من الميزان الصرفي هو وجود ميزان يتميز به الزائد عن الأصلي، فالعارف بالأصول والزوائد في الاسماء والأفعال إذا أراد أن يتعرض إلى الزائد والأصل في كلّ لفظ لأدّى ذلك إلى التطويل، فبدلا من قولك (إنّ الهمزة والسين والتاء من الفعل (استخرج) هي أحرف زوائد في الفعل، وامّا الخاء والراء والجيم من الفعل (استخرج) هي أحرف أصول)، فإنّك تقول انّ الفعل (استخرج) على وزن (استفعل)، أي من فوائد الميزان الصرفي معرفة الحرف الأصلي والزائد في الكلمة سواء أكانت اسما أم فعلا بصورة سريعة، فإذا قلت : انّ وزن (استخراج) هو (استفعال) كان قولك أسرع من أن تقول : إنّ الهمزة والسين والتاء والألف زوائد…
وإلى هذه الفائدة أشار ابن عصفور الأشبيلي في كتابه (الممتع في التصريف) حيث قال { فإن قيل : وما الفائدة في وزن الكلمة ب(الفعل) ؟ فالجواب : انّ المراد بذلك الإعلام بمعرفة الزائد من الأصلي، على طريق الاختصار، ألا أنّك إذا وزنت (أحمد) ب(أفعل) غنى ذلك عن قولك : الهمزة من (أحمد) زائدة وسائر حروفه أصول، وكان أخصر منه }…
وقد أطلق علماء الصرف على الحرف الأصلي الأول (فاء الكلمة)، وعلى الحرف الثاني الأصلي (عين الكلمة)، وعلى الحرف الثالث الأصلي (لام الكلمة)، فكان المجموع (فعل)، ف(كتب) على وزن (فعل)، وقد أشار المحقق الرضي في شرح الكافية إلى هذا المطلب بقوله { إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الأصول بالفاء والعين واللام، أي : جعلت في الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة، كما تقول (ضرب) على وزن (فعل) }…
وقال علماء الصرف انّ الأصل في الميزان الصرفي هو (فعل) لأنّ الأصل في الكلمات العربية أن تكون على ثلاثة أحرف، أي جعل علماء الصرف الأصل في الكلمات العربية أن تكون على ثلاثة أحرف، وسبب ذلك كثرة الكلمات الثلاثية التي كلّها أصول في لسان العرب بالقياس إلى الكلمات الرباعية والخماسية التي كلّها أصول، ولمّا أراد الصرفيون أن يجعلوا ميزانا صرفيا للكلمات العربية، قالوا : لا بدّ أن يكون الأصل في الميزان الصرفي على ثلاثة أحرف (فعل)، لأنّ الأصل في الكلمات العربية هو كونها على ثلاثة أحرف لكثرتها في كلام العرب بالنسبة إلى غيرها