📁 آخر الأخبار

حقيقة الإنشاء واقسامه

 في حقيقة الإنشاء وتقسيمه

الإنشاء لغة: الإيجاد، واصطلاحًا: كلام لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا لذاته،١ نحو: اغفر وارحم، فلا يُنسب إلى قائله صدق أو كذب.

وإن شئت فقل في تعريف الإنشاء: «هو ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقق إلا إذا تلفظت به» فطلب الفعل في «افعَلْ»، وطلب الكف في «لا تفعل»، وطلب المحبوب في «التمنِّي»، وطلب الفهم في «الاستفهام»، وطلب الإقبال في «النداء»؛ كل ذلك ما حصل إلا بنفس الصيغ المتلفظ بها.


وينقسم الإنشاء إلى نوعين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي.

«فالإنشاء غير الطلبي» ما لا يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح، والذم، وصيغ العقود، والقسم، والتعجب والرجاء، ويكون برُبَّ ولعلَّ، وكم الخبرية.

(١)أما المدح والذم: فيكونان بنعم وبئس وما جرى مجراهما، نحو: حبذا ولا حبذا، والأفعال المحولة إلى فعل، نحو: طاب عليٌّ نفسًا، وخبث بكر أصلًا.

(٢)وأما العقود: فتكون بالماضي كثيرًا، نحو: بعتُ واشتريت ووهبتُ وأعتقتُ، وبغيره قليلًا نحو: أنا بائع، وعبدي حر لوجه الله تعالى.

(٣)وأما القسم: فيكون بالواو والباء والتاء وبغيرها، نحو: لعمرك ما فعلت كذا.

(٤)وأما التعجب: فيكون قياسًا بصيغتين، ما أفعله وأفْعِلْ به، وسماعًا بغيرهما، نحو: لله دره عالمًا كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ.

(٥)وأما الرجاء: فيكون بعسى وحرى واخلولق، نحو: فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ.

واعلم أن الإنشاء غير الطلبي لا تبحث عنه علماء البلاغة؛ لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء، وإنما المبحوث عنه في علم المعاني هو «الإنشاء الطلبي» لما يمتاز به من لطائف بلاغية.


«إذن يتضح أن الإنشاء الطلبي» هو الذي يستدعي مطلوبًا٢ غير حاصل٣ في اعتقاد المتكلم وقت الطلب.

وأنواعه خمسة: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء.٤

وفي هذا الباب خمسة مباحث.


(١) المبحث الأول: في الأمر

الأمر: هو طلب حصول الفعل من المُخاطب على وجه الاستعلاء٥ مع الإلزام، وله أربع صيغ:

(١)فعل الأمر، كقوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ.

(٢)والمضارع المجزوم بلام الأمر، كقوله سبحانه وتعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ.

(٣)واسم فعل الأمر، نحو: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.

(٤)والمصدر النائب على فعل الأمر، نحو: سعيًا في سبيل الخير.

وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي وهو «الإيجاب والإلزام» إلى معانٍ أخرى تستفاد من سياق الكلام، وقرائن الأحوال.

(١)كالدعاء في قوله تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ.

(٢)والالتماس، كقولك لمن يساويك: أعطني القلم أيها الأخ.

(٣)والإرشاد، كقوله تعالى: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ.

(٤)والتهديد، كقوله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

(٥)والتعجيز، كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.

(٦)والإباحة، كقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.

ونحو: اجلس كما تشاء.


(٧)والتسوية، نحو قوله تعالى: اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا.

(٨)والإكرام، كقوله تعالى: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ.

(٩)والامتنان، كقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ.

(١٠)والإهانة، كقوله تعالى: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا.

(١١)والدوام، كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

(١٢)والتمني، كقول امرئ القيس:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح وما الإصباح منك بأمثل

(١٣)والاعتبار، كقوله تعالى: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ.

(١٤)والإذن، كقولك لمن طرق الباب: «ادخلْ».

(١٥)والتكوين، كقوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ.

(١٦)والتخيير، نحو: تزوَّجْ هندًا أو أختها.

(١٧)والتأديب، نحو: كُلْ مما يليك.

(١٨)والتعجب، كقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ.

تمرين

بيِّن ما المراد من صيغ الأمر في التراكيب الآتية:


فصبرًا في مجال الموت صبرًا فما نيل الخلود بمستطاع

فغُضَّ الطَّرْفَ إنك مِن نُمَيْرٍ فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كلابًا

فيا موتُ زُرْ إن الحياة ذميمة ويا نفسُ جدِّي إنَّ دهرَكِ هازلُ

(١) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.


(٢) أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مَقْلِيَّة إن تقلت

(٣) يا ليلُ طُل يا نوم زُل يا صبح قف لا تطلعِ

(٤) عِشْ ما بدا لك سالمًا في ظل شاهقة القصور

(٥) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.


(٦) ترفق أيها المولى عليهم فإن الرفق بالجاني عتابُ

(٧) أرى العنقاء تكبر أن تُصادا فعاند من تطيق له عنادا

(٨) خليليَّ هُبَّا طالما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما

(٩) أريني جوادًا مات هُزلًا لعلني أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلًا مُخْلَدا

(١٠) قال تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.


(١١) قد رشحوك لأمر إن فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

(١٢) رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.


(١٣) ليس هذا بعشُّكِ فادرُجي.


(١٤) «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.»


(١٥) فمن شاء فليبخل ومن شاء فليجُدْ كفاني نداكم عن جميع المطالب

يا رب لا تسلبني حبها أبدًا ويرحم الله عبدًا قال آمينا

(١٦) أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

أروني بخيلًا طال عمرًا ببخله وهاتوا كريمًا مات من كثرة البذل

وحسن ظنك بالأيام معجزة فظن شرًّا وكن منها على حذر

الرقم صيغة الأمر الغرض منها

(١) خذ العفو الإرشاد

(٢) أسيئي بنا التسوية

(٣) طل – زل التمني

(٤) عش سالمًا الدعاء

(٥) أسروا قولكم التسوية

(٦) ترفق الدعاء

(٧) عائد الإهانة

(٨) هبا الالتماس

(٩) أريني جوادًا التعجيز

(١٠) هاتوا برهانكم التعجيز

(١١) فاربأ بنفسك الإرشاد

(١٢) اشرح لي صدري الدعاء

(١٣) أدرجي الإهانة

(١٤) اعمل لدنياك الإرشاد

(١٥) فليبخل التخيير

(١٦) جئني التعجيز

نموذج

بيِّن نوع الإنشاء وصيغته في الأمثلة الآتية:


(١) يا أيها المتحلي غير شيمته ومن شمائله التبديل والمَلَق

ارجع إلى خُلقك المعروف ديدنه إن التخلق يأتي دونه الخلق

(٢) يا ابنتي إن ردت آية حُسن وجمالًا يزين جسمًا وعقلا

فانبذي عادة التبرج نبذًا فجمال النفوس أسمى وأعلى

يصنع الصانعون وردًا ولكن وردة الروض لا تُضارَع شكلا

(٣) يا ليت من يمنع المعروف يمنعه حتى يذوق رجال غبَّ ما صنعوا

(٤) لعمرك ما بالعقل يُكتسب الغنى ولا باكتساب المال يُكتسب العقل

رقم المثال صيغة الإنشاء نوعه طريقته

(١) يا أيها المتحلى غير شيمته … إلخ طلبي النداء

  ارجع إلى خلقك المعروف طلبي الأمر

(٢) يا ابنتي إن أردت آية حسن طلبي النداء

  فانبذي عادة التبرج طلبي الأمر

(٣) يا ليت من يمنع المعروف طلبي التمني

(٤) لعمرك ما بالعقل يكتسب الغنى غير طلبي

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات