📁 آخر الأخبار

ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟ I بسطتهالك bassthalk

ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟

ما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟



الفرق بين الحكم والفصل

يُعدّ مصطلحا "الحكم" و"الفصل" من المفاهيم القرآنية التي تحمل دلالات دقيقة تتعلق بالقضاء الإلهي يوم القيامة. يهدف هذا المقال إلى بيان الفرق بينهما من خلال الآيات القرآنية، مع التركيز على دلالاتهما اللغوية والسياقية، وتوضيح التناسب البلاغي في الآيات ذات الصلة.

الفرق بين الحكم والفصل

  • الحكم: يُشير إلى القضاء الإلهي بين المتخاصمين في مسائل الخلاف، دون أن يترتب عليه بالضرورة تفريق مادي أو مكاني بينهم. قد يكون الحكم بين أطراف تنتمي إلى ملة واحدة أو توجه واحد، كما في قوله تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (البقرة: 113). في هذه الآية، يُحكم الله بين اليهود والنصارى في خلافاتهم، لكنهم قد يتجهون إلى مصير واحد.
  • الفصل: يتضمن الحكم ولكنه أشد، إذ يشمل تفريقًا واضحًا بين الأطراف، كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار. يظهر هذا في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الحج: 17)، حيث يُفصل بين فئات مختلفة كالمؤمنين والمشركين.

أمثلة قرآنية توضح الفرق

  1. الحكم:
    • فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (البقرة: 113): اليهود والنصارى في خلاف، لكن الحكم لا يعني تفريقًا مكانيًا، بل قضاءً في الخلاف.
    • وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (النحل: 124): الخلاف بين اليهود في مسألة السبت، والحكم يتم ضمن ملة واحدة.
    • إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الزمر: 3): الحكم بين المشركين في عبادتهم للأولياء.
  2. الفصل:
    • إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الحج: 17): يُفصل بين المؤمنين والمشركين والمجوس وغيرهم، حيث تتمايز مصائرهم.
    • إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (السجدة: 25): الفصل بين الأنبياء وأممهم أو المؤمنين والمشركين، مع وجود فاصل مكاني.

التناسب البلاغي في الآيات

آية السجدة (26) وعلاقتها بـ"أفلا يسمعون"
  • الآية: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (السجدة: 26).
  • التناسب المعنوي: الآية تشير إلى أمم سابقة أُهلكت، وهذا أمر يُعرف عن طريق السماع (الأخبار المنقولة)، لا الرؤية المباشرة، لأن هذه الأمم لم يعاصروها. لذا جاءت الفاصلة أفلا يسمعون لتناسب طبيعة الموعظة السمعية.
  • التناسب اللفظي: استخدام أفلا يسمعون يتماشى مع السياق البلاغي، حيث يُركز على السمع كوسيلة لتلقي العبرة من الأخبار.
مقارنة مع آية السجدة (27)
  • الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (السجدة: 27).
  • التناسب المعنوي: هنا الدليل مرئي (تسويق الماء وإخراج الزرع)، يُشاهد بالعين، لذا جاءت الفاصلة أفلا يبصرون لتناسب الرؤية البصرية.
  • الدلالة: الفرق بين أفلا يسمعون وأفلا يبصرون يعكس دقة القرآن في اختيار الألفاظ المناسبة للسياق، حيث يُركز على الحاسة المناسبة لنوع الدليل (سمعي أو بصري).
مقارنة الآيات الثلاث
  1. السجدة (26): أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ.
    • تستخدم أوَلَمْ يَهْدِ مع واو العطف، مما يشير إلى ارتباط الآية بما قبلها في سياق العطف، مع التركيز على الهداية القلبية.
    • الفاصلة أفلا يسمعون تتناسب مع الدليل السمعي (أخبار الأمم السابقة).
  2. يس (31): أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ.
    • تستخدم أَلَمْ يَرَوْا بدون واو العطف، مما يشير إلى استئناف لتأكيد المعنى ولفت الانتباه، مع التركيز على الرؤية القلبية (التبين والعلم).
    • غياب العطف يعزز التأكيد على الدليل كجملة مستقلة.
  3. طه (128): أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى.
    • تستخدم أَفَلَمْ يَهْدِ مع الفاء، مما يدل على ترتيب المعنى على ما قبله، مع إيحاء بالتعليل (أي: بعد كل ما ذُكر، ألم يهتدوا؟).
    • الفاصلة لِأُولِي النُّهَى تركز على العقل والتدبر، مما يعزز الهداية القلبية.
دلالة الاختلاف في الفواصل
  • أوَلَمْ يَهْدِ (السجدة: 26): الواو تشير إلى العطف على السياق السابق، مع التركيز على الهداية القلبية من خلال سماع أخبار الأمم السابقة.
  • أَلَمْ يَرَوْا (يس: 31): غياب الواو يشير إلى استئناف لتأكيد المعنى، مع التركيز على الرؤية القلبية (التبين) بأن الأمم السابقة لن تعود.
  • أَفَلَمْ يَهْدِ (طه: 128): الفاء تشير إلى ترتيب وتعليل، مما يربط الآية بما قبلها كنتيجة مترتبة على السياق، مع التركيز على العقل (لِأُولِي النُّهَى).
دلالة (من قبلهم) و(قبلهم)
  • من قبلهم: تشير إلى بداية الغاية، مما يُذكّر بقرب الأمم المهلكة زمنيًا أو مكانيًا، فيزيد التخويف والإنذار.
  • قبلهم: دلالة عامة تشمل جميع الأمم السابقة دون تركيز على القرب، فتكون أقل تأثيرًا عاطفيًا.

تعلُّق آية لقمان (20) بما قبلها

  • الآية: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (لقمان: 20).
  • الارتباط بما قبلها:
    • قبل وصية لقمان، ذُكرت خلق السموات والأرض (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، لقمان: 10)، وهنا يُذكر تسخير ما فيهما، مما يشير إلى ترتيب منطقي: الخلق أولًا، ثم التسخير وإسباغ النعم.
    • الآية تكمل فاتحة السورة (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ، لقمان: 2-3)، حيث يُقابل وصف الكتاب بأنه حكيم وهدى ورحمة مع ذم الذين يجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
  • اللمسات البيانية:
    • استخدام أَلَمْ تَرَوْا يخاطب جمع العقلاء، مما يعمم الخطاب.
    • سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يشير إلى شمولية التسخير، على عكس الآيات التي تحدد الشمس أو القمر.
    • ظاهرة وباطنة يبرز شمول النعم، وبغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يبرز نقيض صفات الكتاب الحكيم.

خاتمة

يُظهر القرآن الكريم دقة بلاغية في استخدام الحكم والفصل، حيث يرتبط الحكم بالقضاء في الخلافات دون تفريق مكاني، بينما يشمل الفصل التفريق بين مصائر مختلفة. كما يتجلى التناسب البلاغي في اختيار الفواصل (أفلا يسمعون، أفلا يبصرون) وفق طبيعة الدليل (سمعي أو بصري)، وفي استخدام أوَلَمْ وأَلَمْ وأَفَلَمْ لتعزيز السياق والتأكيد. آية لقمان (20) تربط بين خلق السموات والأرض وتسخيرها، مكملةً فاتحة السورة ومبرزةً نقيض الجدال بغير علم. نسأل الله أن يزيدنا علمًا وفهمًا. 

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات