📁 آخر الأخبار

أثر الوصل والفصل في بلاغة سورة یوسف I بسطتهالك bassthalk

 أثر الوصل والفصل في البلاغة

أثر الوصل والفصل


مقدمه الوصل والفصل

تمیّزالقرآن الکریم عن سائر الکتب السماویة بإعجازه البلاغي وکانت بلاغته من الوسائل المهمة لابراز إعجازه وکشف مکامنه والغوص في بحوره وبیان درره الخفیة التي یعجز البشرأن یأتی بمثلها والنّص القرآني نصّ غنیّ بأفکاره ومعانیه وحکمه ومواعظه التي اختفت وراء ألفاظه وتراکیبه وسورة یوسف (ع) کانت غنیّة بأفکارها ومعانیها اللطیفة المختفیة وراء ألفاظها المتناسقة وتراکیبها المتماسکة لهذا اخترت بحث الوصل والفصل في بلاغة السورة ودراسة أدبیّة.

أهمية الفصل والوصل في البلاغة

تأتي أهمية موضوع الفصل والوصل بوصفه واحداً من الموضاعات التي جعلتها البلاغيون حداً للبلاغة إذ «قيل للفارسي ما البلاغة؟ قال المعرفة الفصل والوصل» 

ولدقة هذا الموضوع وغموضه تعصب معرفته وإدراكه لمن لايعرف أصوله ومواضعة، تلك المواضع التي نجدها في كتب البلاغة. فما من كتاب إلاّ وبحث في هذا الموضوع وحدّد أصوله ومواضعه. الفصل والوصل يرتبط بالعطف وعدمه فـ «مدار الفصل والوصل هوترك العاطف وذكره 

وتمكن البلاغة في الترابط المعنوي بين أجزاء النصّ الأدبي، فإذا كان النصّ الأدبي يعبّر عن معنى الواحد ويوجد بين أجزائه ترابط أوصلة أومناسبة فتنفصل بين تلك الأجزاء، أي يُترك العطف مثل قوله تعالى«ذلك الكتاب لا ريب فيه هديً للمتّقين» . 

وإذا كان النصّ الأدبي لايعبّر عن معنى الواحد ولا يوجد بين أجزائه ترابط أوصلة أومناسبة فتفصل أيضاً مثل فـ «ترك العطف يكون إمّا للإتصال إلى الغاية أوالانفصال إلی الغایة والعطف لما هوواسطةُ بين الأمرين، وكان له حالٌ بين حالين 

وأمّا إذا اختلفت المعاني في النصّ الأدبي فيجب العطف بالواوفيما بينها أي الوصل؛ لأنَّ العطف بالواویدل على الجمع والاشتراك ليس كغيره من الأدوات العطف الأخرى، فالواوتدل على الجمع والإشتراك دون زيادة في حين يدّل العطف بعيرها على زيادة تدل على الترتيب والتعقيب، وثُمَّ دل على الترتيب مع التراخي. ويبقي للتميز بين الفصل والوصل أثرٌ واضح ينعكس على الكلام إذ يكسب التمييز بينهما الكلام بلاغة وابداعاً وهذا ما قاله القزوينيّ «وتمييز موضع أحدهما من موضع الاخر على ما تقتضيه البلاغة فنٌ عظيم»  

فعل الرغم من قلّة شواهد الفصل والوصل في السورة المباركة فإنّنا نراه قد ترك عليها لمسة فنية.

أولاً/الـفـــصـــل:

هوعدم استعمال الواوالعاطفة بين الجمل كما قدمنا إذ قال فيه السكاكي «إنَّ الجملة متى نزلت في كلام المتكلم منزلة الجملة العارية عن المعطوف عليها كما إذا أريد بها القطع عمّا قبلها وأرید بها البدل عن سابقةعليها لم تكن موضعاً لدخول الواووكذا متى نزلت من الأولی نفسها لكمال اتّصالها بها مثل ما إذا كانت موضحة لها و

مبينة أومؤكدة لها ومقرّرة وحقرره لم تكن موضعاً لدخول الواو، وإنّما يكون موضعاً لدخوله إذا توسطت بين كمال الاتصال وبين كمال الانقطاع، ولكلّ من هذه الأنواع حاله تقتضيه، فإذا طابق ورودها تلك الأحوال وطبق المفصل هناك رقي الكلام من البلاغة عند أربابها» . 

ويحدد الجرجاني ثلاثة أنواع للجمل على أساسها يتّم الفصل بين الجمل : 

1. جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكّّد، فلا يكون فيها العطف البتة، لشبه العطف فيها، لوعطفت يعطف الشئ على نفسه

2. جملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غيرالذي قبله، إلاّ أنّه يشاركه في حكم، ويدخل معه في معني، مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلاً أومفعولاً أومضاف اليه، فيكون حقّها العطف.

3. وجملة ليست في شئ من الحالين، بل سبيلها مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه شئ، فلا يكون إيّاه ولا مشاركا له في معني، بل هوشئ إن ذكر/ لم يذكر إلاّ بأمر ينفرد به، ويكون الذكرالذي قبله وترك الذكر سواء في حالة، لعدم التعلق بينه وبينه رأساً، وحق هذا ترك العطف البتة.

وقد حُددّت مواضع الفصل في ثلاث نقاط هي  

أ. كمال الاتصال: وذلك أن يكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، كأنّ تكون الثانية توكيداً للأولى أوبدلاً منها أوبياناً لها.

ب . كمال الانقطاع: وذلك ان تنقطع الصلة بين الجملتين انقطاعاً تامّاً، كاختلافهما في الخبر والإنشاء.

ج . شبه كمال الاتصال: ويسمي (الاستئناف) وبه يتم الفصل بين الجملتين لتنزيل الثانية منزلة الأولى باعتبارها جواباً عن سؤال يستنتج انَّ السامع سيسأله بينه وبين نفسه عند سامع الجملة الأولى.

وقد كان لموضوع الفصل أثر بالغ الأهمية في تحديد مواضعه داخل جمل السورة المباركة؛ لأنها حوت جملاً لا مناسبة بينها، وعلى جمل شديدة التناسب والاقتراب حتّى لكأن الثانية كالاولى، وحوت فضلاً عن ذلك جملاً واقعة جوابا ً لسؤال مقدّر غير موجود بل مستخلص عن الجملة السابقة لها. 

مواضع الفصل فی السورة المبارکة:

1- التلاحم والانسجام المعنويّ:

هوما يسميّ بـ « کمال الاتصال 

ويكون ذلك عندما تكون الجملة الثانية مؤكّدة الأولى أومبيِنة ومفسِّرة لها، وبهذا سوف تتشابك الجملة ان بالمعنى وحينها لا داعى لذكررابط حرفيّ بينهما لأن ترابطهما المعنوي أقوىمن ذلك.

أ/ أن تكون الجملة الثانية مؤكِّدة ومبینة للاولى: 

وجاء ذلك في السورة في مقامي التعظيم والتنزيه للنبي يوسف ففي قوله تعالى على لسان النسوة«...فلمّا رأينه أكبرتُه...ما هذا بشراً. إن هذا إلاّ ملكٌ كريم».

فالمقام في الآية الكريمة مقام تعظيم له(عليه السلام) وتعجب من خلقه وأخلاقه فوجب فيها ترك العطف؛ وذلك لأن الجملة الثانية (إن هذا إلاّ ملكٌ كريم) مشتملة على معنى الجملة الاولى وكأنها هي. فجملة (ما هذا بشراً) تنفي انه من البشر، وحينها لابدَّ من جملة أخرى يؤتي بها لتُبين الجنس الذي ينتمي إليه فتأتي الجملة (إن هذا إلاّ ملكٌ كريم) مبینة لنوع الجنس الذي ينتمي إليه. إذن الجملة الثانية قد بینت مضمون الاولى واكدته واثبتت ما نفي عنه وبهذا كان لابدَّ من الفصل بينهما؛ لانه لا حاجة للوصل بين المؤكِّد والمؤكِّد.

ومثل هذا النوع من الجمل كثير في القرآن الكريم كما في قوله تعالى «ذلك الكتاب لا ريب فيه. هدي للمتقين 

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات