البلاغة فى القرآن اسلوب الاحتراس
وهو نوع جميل من أنواع البلاغة ، فهو كلام يؤتى به ليزيل وهما قد يكون فى سياق الجملة .
فقد يقال : زيد عالم ، فيوهم ذلك أنه صالح ، فيقال لكنه فاسق ، أو يقال فلان جاهل ، فيوهم ذلك أنه فاسق ، فيقال لكنه رجل صالح .
والأمثلة من القرآن على الاحتراس كثيرة نذكر منها :
( 1 ) قال الله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )
فلو لم يأت بالصفة الثانية ( رحماء بينهم ) لأوهم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم الغلظة والشدة والفظاظة ، وهى سمة متأصلة فيهم ، يتعاملون بها مع كل الناس .
( 2 ) قال الله تعالى : ( سوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
فلو اكتفى بالصفة الأولى ( أذلة على المؤمنين ) لأوهم ذلك أن الذلة للعجز والجبن ، فلما اقترن ب ( أعزة على الكافرين ) أوضح أن هذه الذلة عن تواضع وحب واحترام لا عن خوف وجبن وعجز .
( 3 ) قال الله تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )
فلولا الجملة الإعتراضية ( والله يعلم إنك لرسوله ) لأوهم أن الله تعالى يكذب المنافقين فى قولهم ( نشهد إنك لرسول الله ) ، وأن الله ينفى عن محمد صلى الله عليه وسلم صفة الرسالة .
( 4 ) قال الله تعالى : ( وأدخل يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) هذا توجيه من الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام ، بأن يدخل يده فى جيب ثيابه ، ( وهى فتحة الثوب من أعلاه تحت الرقبة ) ثم يخرجها ، فتكون بيضاء ، آية من الله لنبيه موسى ، فاحترس بقوله ( من غير سوء ) كى لا يتوهم أن اليد تخرج بيضاء لمرض كالبرص مثلا .
( 5 ) قال الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) فلولا الحتراس بقوله ( على حبه ) لكان من الممكن أن يكون هذا الطعام زائدا عندهم ، لا حاجة لهم به ، من أجل ذلك تصدقوا به ، لكن لما ذكر ( على حبه ) دل ذلك على كرمهم وفضلهم ، وأنهم آثروا إخوانهم على أنفسهم ، رغم حاجتهم إلى هذا الطعام .
( 6 ) قال الله تعالى : ( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون )
فاحترست النملة بقولها ( وهم لا يشعرون ) لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان وجنوده .
والأمثلة من القرآن على ( الاحتراس ) كثيرة ، نكتفى بما ذكرنا ليكون نبراسا وطريقا لمعرفة الباقى .