📁 آخر الأخبار

من رثى جاريته من رثى جاريته


من رثى جاريته من رثى جاريته

من رثى جاريته من رثى جاريته

كان لمُعلّى الطائِي جارية يُقال لها وَصْف، وكانت أديبةً شاعرة، فأخبرني محمد بن وَضّاح، قال:
 أدركتُ معلَّى الطائي بمصر، وأعْطِي بجاريته وَصْف أربعةَ الآف دينار فباعها. فلما دَخل عليها قالت له:
 بِعْتني يا مُعلى! قال نعم، قالت:
 واللّه لو مَلَكْتً منك مثلَ ما تَمْلك مني ما بِعْتك بالدُّنيا وما فيها. فَردَ الدَّنانير، واستقال صاحبَه، فأصيب بها إلى ثمانية أيام، فقال يَرْثيها:

***
 قَدَّمْتها وتَرَكْتَني خَلْفَا
هَلا ذَهَبْتَ بنا معاً فَلَقد
***
 ظَفِرَتْ يَدَاك فسُمْتَني خَسْفا
وأَخَذْتَ شِقَّ النَفْس من بَدَني
***
 فَقَبَرْتَه وتَرَكْتَ لي النِّصْفا
فَعَلَيك بالباقي بلا أجَل
***
 فالموتُ بعد وفاتها أعفي
يا موتُ ما بَقّيت لي أحداً
***
 لما زَفَفْت إلى البِلَى وَصْفا
هَلاّ رَحِمْت شَبَابَ غَانِيةٍ
***
 رَيَّا العِظام وشَعْرَها الوَحْفا
ورَحِمْت عَيْني ظَبْية جَعَلت
***
 بين الرّياض تُناظِر الخِشْفا
تُغْفي إذا انتصبت فرائصه
***
 ولَظَلُّ تَرْعاه إذا أغفى
فإذا مَشىِ اختلفت قوائمهُ
***
 وَقْت الرَّضاع فَيَنْطَوِي ضعْفا
متحيراً في المَشيْ مُرْتَعِشاً
***
 يَخْطو فَيَضْرِب ظِلْفُه الظّلْفا
فكأَنها وَصْفٌ إذا جَعَلت
***
 نحوي تُدِير مَحَاجِراً وُطْفا
يا مَوْتُ أنت كذا لكلِّ أخِي
***
 إلفٍ يَصُون ببرِّه الإلْفا
خَلَّيتني فَرْداً وبِنْت بها
***
 ما كنتُ قَبْلَك حافلا وكفا
فَتَرَكْتُها بالرَّغْم في جَدَث
***
 للرّيح يَنْسِف تُرْبَه نَسْفا
دون المُقَطَّم لا ألبسها
***
 من زينةٍ قُرْطاً ولا شَنْفا
أسْكَنْتها في قَعْر مُظلِمة
***
 بيتاً يُصافِح تُرْبُه السقْفا
بيتاً إذا ما زَاره أَحَدٌ
***
 عَصَفَت به أيْدِي البِلَى عَصْفا
لَبِسَتْ ثِيَاب الحَتْفِ جاريةٌ
***
 قد كنتُ أَلْبَس دونها الحَتْفا
فكأَنّها والنفسُ زاهِقةٌ
***
 غُصْن من الرَّيْحانِ قد جَفّا
يا قبرُ أبْقِ على محاسنها
***
 فلقد حويت النور والظرْفا
لما هُزِم مَرْوان بن محمد وخَرج نحو مِصرْ، كتب إلى جارية له خَلَّفها بالرَّمْلة:

وما زَال يَدْعُوِني إلى الصَّبر ما أَرى
***
 فآبى ويَثْنِيني الذي لكِ في صَدْري
وكانَ عزيزاَ أنّ بَيْني وبينها
***
 حِجاباً فقد أَمسيتُ منك على عَشر
وأنْكاهما لِلْقَلْب واللّه فاعلمي
***
 إذا ازددتُ مِثلَيها فَصِرْتُ على شَهْر
وأعظمُ من هَذَينِ واللّه أنني
***
 أخاف بأن لا نَلْتَقي آخرَ الدَّهر
سأَبْكِيك لا مُستَبْقِياَ فَيْض عَبْرة
***
 ولا طالباً بالصبر عاقبةَ الصَّبر
وَجدوا على قبر جارية إلى جَنب قَبر أبي نُواس أبياتاً ذكروا أنَ أبا نُواس قالها، وهى:

أَقُولُ لقبْرٍ زُرْتُه مُتَلَثِّما
***
 سَقَي اللهّ بَرْدَ العَفْو صاحبَة القَبْر
لقد غيَّبوا تَحت الثّرَى قَمر الدُّجَى
***
 وشَمْس الضًّحَى بين الصَّفائح والعَفر
عَجِبتُ لِعَينْ بَعدها مَلَت البُكا
***
 وقلْب عَلْيها يَرْتَجي راحَة الصَّبر
وقال حَبِيب الطائي يَرثِي جارِية أصِيب بها:

جُفوف البِلَى أَسْرَعْتَ في الغُصُنِ الرَّطْبوخَطْبَ الردى والموتِ أَبْرحْتَ من خَطْبِ
لقد شَرِقَت في الشَّرق بالموت غادةٌ
***
 تَبَدَّلْتُ منها غُرْبة الدَّار في الغَرْب
وألبسنى ثوباً من الحُزْن والأسيَ
***
 هِلاَلٌ عليه نَسْجُ ثَوْب من التُّرب
وكنتُ أرَجِّي القُرْبَ وهي بعيدة
***
 فقد ثقُلَت بَعْدي عن الًبُعدِ والقُرْب
أقول وقد قالوا استراح بموتها
***
 من الكرب رَوْح المَوْت شَرٌّ من الكَرْب
لها مَنزل تحت الثَّرَى وعَهدتُها
***
 لها منزلٌ بين الجَوانِح والقَلْب
وقال يرْثيها:

ألم تَرَني خَلَيتُ نَفْسي وشانَها
***
 ولم أحفِل الدُّنيا ولا حَدَثانَها
لقد خوَفَتْني النائباتُ صُرُوفَها
***
 ولو أَمَّنَتْني ما قِبِلتُ أمانَها
وكيف على نارِ اللًيالي مُعرَّسي
***
 إذا كان شَيْبُ العارِضَين دُخانَها
أُصِبْتُ بِخَوْد سوف أَعْبُر بعدها
***
 حليفَ أسى أبكى زماناً زمانَها
عِنَانٌ من اللَذَّات قد كان في يَدِي
***
 فلما قَضىَ الإلْفُ استردت عِنَانَهَا
مَنَحْتُ المَهَاهَجْرِي فَلاَ مُحْسِناتها
***
 أَوَدُّ ولا يَهْوىَ فُؤَادِي حِسانَها
يقولون هَلْ يبكي الفَتَىِ لِخَريدةٍ
***
 إذا ما أراد اعتاض عَشْراً مَكانَها
وهل يَسْتَعِيض المَرْءُ من خمْس كَفّه
***
 ولو صاغَ مِن حًرِّ اللُّجَينْ بنانَها
وقال أعرابي يَرْثي آمراته:

فوالله ما أدْري إذا الليلُ جَنَّني
***
 وذَكَّرَنيها أيُّنا هو أَوْجعُ
أمُنْفَصِلٌ عن ثَدْي أم كريمةٍ
***
 أم العاشقُ النَّابي به كلُّ مَضْجَع
وقال محمود الورّاق يَرْثي جاريتَه نَشْو:

ومنتصح يُرَدِّد ذِكْر نَشْوٍ
***
 على عَمْدٍ لِيَبْعَثَ لي اْكتئاباً
أقول وَعَدَّ ما كانت تُسَاويسَيَحْسُبُ ذاك مَن خَلَقَ الْحِسابا
عَطِيَّته إذا أعطَى سُرور
***
 وإن أخذ الذي أعطَى أَثَابَا
فأيُ النِّعمتينْ أعمُّ نَفْعاً
***
 وأحسَنُ في عَواقِبها إيابا
أنعِمْته التي أهْدت سروراً
***
 أم الأًخْرى التي أهدت ثَوَابا
بل الأخرى وَإِنْ نَزَلَت بحُزْن
***
 أحَقُ بِشُكْرِ مَن صَبَرَ احتسابا
أبو جَعفر البغداديّ قال:
 كان لنا جارٌ وكانت له جاريةٌ جَميلة، وكان شَديد المحبَّة لها، فماتت فَوَجد عليها وَجْداً شديداً، فبينا هو ذاتَ لَيْلة نائمٌ إذ أتتْه الجاريةُ في نَوْمه فأنشدتْه هذه الأبيات:

جاءت تَزور وسادِي بعدما دُفِنتْ
***
 في النَّوْم ألْثِمُ خَدًّا زَانَه الجيدُ
فقلتُ قُرَّةَ عيني قد نُعيتِ لنا
***
 فكيفَ ذا وطَريقُ القبر مسدود
قالت هُناك عِظامي فيه مُلْحَدةٌ
***
 ينْهَشْنَ منها هَوَامُ الأرض والدُّود
وهذه النفسُ قد جاءتْك زائرةً
***
 فاقبَلْ زيارةَ من في القَبر مَلْحُود
فانتبه وقد حَفِظها، وكان يحدّث الناس بذلك ويُنشدهم. فما بَقي بعدَها إلا أيَّاماً يَسيرة حتى لَحِق بها.
من رثى جاريته من رثى جاريته
۞۞۞۞۞۞۞۞
 كتاب الدرة في المعازي والمراثي ﴿ 10 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞
من رثى جاريته من رثى جاريته

تعليقات