باب في تأديب الصغير
باب في تأديب الصغير
قالت الحُكماء:
مَن أَدَّب ولدَه صغيراً سُرّ به كبيراً.
وقالوا:
اطْبَعِ الطِّن ما كان رَطْباً، واغْمِز العُود ما كان لَدْناً.
وقالوا:
مَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه.
وقال ابن عبّاس:
مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يحب قال الشاعر:
إذا المَرءُ أَعْيَتْه المُروءةُ ناشِئاً
***
فَمَطْلَبها كَهْلاً عليه شديدُ
وقالوا:
ما أشدَّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهَرم.
قال الشاعر:
وتَرُوض عِرْسَك بعد ما هَرمت
***
ومِن العَناء رياضةُ الهَرِم
وكتب شُرَيح إلى معلِّم ولده:
تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها
***
يَبْغِي الهِرَاشَ مع الغُواة الرُّجَّس
" فَليَأتيِنَّك غُدوًة بصحيفة
***
كُتِبت له كصحيفة المُتَلمِّس "
فإذا أتَاكَ فَعَضَّه بمَلامةٍ
***
وعِظَتْه مَوْعِظة الأديب الكَبِّس
فإذا هَمَمْتَ بضربه فبدِرَّةٍ
***
وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِس
واعْلم بأنّك ما أتيتَ فنفْسُه
***
مع ما تُجَرِّعني اعزُّ الأنْفس
وقال صالح بن عبد القدّوس:
وإنَّ مَن أدَّبته في الصبا
***
كالعُود يُسقَى الماءَ في غَرْسِه
حتى تَراه مُورِقاً ناضِراً
***
بَعد الذي أبصرتَ من يُبْسِه
والشيخُ لا يَتْرك أخلاقَه
***
حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه
إذا ارْعوى عادَ له جَهْلهُ
***
كذي الضَّنَى عاد إلى نُكْسِه
ما يَبْلغ الأعداءُ من جاهل
***
ما يَبْلغ الجاهلُ من نَفْسهِ
وقال عمرو بن عُتبة لمعلِّم ولده:
ليكُن أوّلَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك، فإنّ عُيونهم مَعْقودة بعَيْنك، فالحَسن عندهم ما صَنعتَ، والقبيح عندهم ما تَركت. علمَهم كتابَ اللهّ ولا تُكْرههم عليه فيَملّوه، ولا تَتركهم منه فيهجروه؛ رَوِّهم من الحديث أشرفَه، ومن الشعر أعفّه، ولا تَنْقُلهم من عِلم إلى علم حتى يُحْكِموه، فإنّ ازدحام الكلام في القَلْب مَشغلة للفهم، وعَلِّمهم سُنَن الحكماء، وجَنِّبهم محادثة النِّساء، ولا تَتّكَل على عُذْر منّي لك، فقد اتكلتُ على كِفاية منك.
باب في تأديب الصغير
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الياقوتة في العلم والأدب ﴿ 68 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
باب في تأديب الصغير