باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين ياتيه الوحي
باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين ياتيه الوحي
4304- قَوْله: «كَيْف يَأْتِيك الْوَحْي؟ فَقَالَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس، وَهُوَ أَشَدُّ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْته، وَأَحْيَانًا مَلَك فِي مِثْل صُورَة الرَّجُل، فَأَعِي مَا يَقُولُ» أَمَّا (الْأَحْيَان) فَأَزْمَان، وَيَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَوْت مُتَدَارَك، يَسْمَعُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَوْ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ مِنْ بَعْد ذَلِكَ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَفَرَّغَ سَمْعُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَبْقَى فيه وَلَا فِي قَلْبه مَكَان لِغَيْرِ صَوْت الْمَلَك.
وَمَعْنَى (وَعَيْت) جَمَعْت وَفَهِمْت وَحَفِظْت.
وَأَمَّا (يَفْصِمُ) فَبِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْفَاء وَكَسْر الصَّاد الْمُهْمَلَة أَيْ يُقْلِعُ، وَيَنْجَلِي مَا يَتَغَشَّانِي مِنْهُ.
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.
قَالَ الْعُلَمَاء: الْفَصْم هُوَ الْقَطْع مِنْ غَيْر إِبَانَة، وَأَمَّا (الْقَصْم) بِالْقَافِ فَقَطْعٌ مَعَ الْإِبَانَة وَالِانْفِصَال.
وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَلَك يُفَارِقُ عَلَى أَنْ يَعُودَ، وَلَا يُفَارِقُهُ مُفَارَقَة قَاطِع لَا يَعُودُ.
وَرُوِيَ هَذَا الْحَرْف أَيْضًا (يُفْصَمُ) بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْر الصَّاد عَلَى أَنَّهُ أَفْصَمَ يُفْصِم رُبَاعِيّ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة، وَهِيَ مِنْ أَفْصَمَ الْمَطَر إِذَا أَقْلَعَ وَكَفَّ.
قَالَ الْعُلَمَاء: ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيث حَالَيْنِ مِنْ أَحْوَال الْوَحْي، وَهُمَا مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس، وَتَمَثُّل الْمَلَك رَجُلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّؤْيَا فِي النَّوْم، وَهِيَ مِنْ الْوَحْي، لِأَنَّ مَقْصُود السَّائِل بَيَان مَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَخْفَى فَلَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَته.
وَأَمَّا الرُّؤْيَا فَمُشْتَرَكَة مَعْرُوفَة.
✯✯✯✯✯✯
4305- قَوْله: «كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ» هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاء، وَمَعْنَى: «تَرَبَّدَ» أَيْ تَغَيَّرَ، وَصَارَ كَلَوْنِ الرَّمَاد.
وَفِي ظَاهِر هَذَا مُخَالَفَة لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّل كِتَاب الْحَجّ فِي حَدِيث الْمُحْرِم الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ خَلُوق، وَأَنَّ يَعْلَى بْن أُمِّيَّة نَظَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال نُزُول الْوَحْي، وَهُوَ مُحَمَّر الْوَجْه.
وَجَوَابه أَنَّهَا حُمْرَةُ كُدْرَة، وَهَذَا مَعْنَى التَّرَبُّد، وَأَنَّهُ فِي أَوَّله يَتَرَبَّد، ثُمَّ يَحْمَرّ أَوْ بِالْعَكْسِ.
✯✯✯✯✯✯
4306- قَوْله: «أُتْلِيَ عَنْهُ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم نُسَخ بِلَادنَا: «أُتْلِيَ» بِهَمْزَةٍ وَمُثَنَّاة فَوْقُ سَاكِنَة وَلَام وَيَاء، وَمَعْنَاهُ اِرْتَفَعَ عَنْهُ الْوَحْي.
هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِب التَّحْرِير وَغَيْره.
وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ (أُجْلِيَ) بِالْجِيمِ، وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: (اِنْجَلَى)، وَمَعْنَاهُمَا أُزِيلَ عَنْهُ، وَزَالَ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (اِنْجَلَى).
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين ياتيه الوحي
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفضائل ﴿ 23 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞