باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
4347- قَوْله: «شِرَاج الْحَرَّة» بِكَسْرِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَبِالْجِيمِ هِيَ مَسَايِل الْمَاء، وَاحِدهَا شَرْجَة.
وَالْحَرَّة هِيَ الْأَرْض الْمَلْسَة فيها حِجَارَة سُود.
قَوْله: «سَرِّحْ الْمَاء» أَيْ أَرْسِلْهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِسْقِ يَا زُبَيْر، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاء إِلَى جَارك فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَنْ كَانَ اِبْن عَمَّتك، فَتَلَوَّنَ وَجْه نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا زُبَيْر اِسْقِ ثُمَّ اِحْبِسْ الْمَاء حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْر» أَمَّا قَوْله: «أَنْ كَانَ اِبْن عَمَّتك» فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ فَعَلْت هَذَا لِكَوْنِهِ اِبْن عَمَّتك.
وَقَوْله: «تَلَوَّنَ وَجْهه» أَيْ تَغَيَّرَ مِنْ الْغَضَب لَانْتَهَاك حُرُمَات النُّبُوَّة وَقُبْح كَلَام هَذَا الْإِنْسَان.
وَأَمَّا: «الْجَدْر» فَبِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْرهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة، وَهُوَ الْجِدَار، وَجَمْعُ الْجِدَار جُدُر، كَكِتَابٍ وَكُتُب، وَجَمْع الْجُدُر جُدُور، كَفَلْسٍ وَفُلُوس.
وَمَعْنَى: «يَرْجِعُ إِلَى الْجَدْر» أَيْ يَصِير إِلَيْهِ، وَالْمُرَاد بِالْجَدْرِ أَصْل الْحَائِط، وَقِيلَ: أُصُول الشَّجَر، وَالصَّحِيح الْأَوَّل، وَقَدَّرَهُ الْعُلَمَاء أَنْ يَرْتَفِعَ الْمَاءُ فِي الْأَرْض كُلِّهَا حَتَّى يَبْتَلَّ كَعْب رِجْل الْإِنْسَان.
فَلِصَاحِبِ الْأَرْض الْأُولَى الَّتِي تَلِي الْمَاء أَنْ يَحْبِسَ الْمَاء فِي الْأَرْض إِلَى هَذَا الْحَدّ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إِلَى جَاره الَّذِي وَرَاءَهُ.
وَكَانَ الزُّبَيْر صَاحِب الْأَرْض الْأُولَى، فَأَدَلَّ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «اِسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاء إِلَى جَارك» أَيْ اِسْقِ شَيْئًا يَسِيرًا دُونَ قَدْرِ حَقِّك، ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارك إِدْلَالًا عَلَى الزُّبَيْر، وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَرْضَى بِذَلِكَ، وَيُؤْثِرُ الْإِحْسَان إِلَى جَاره، فَلَمَّا قَالَ الْجَار مَا قَالَ، أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْح هَذَا الْحَدِيث وَاضِحًا فِي بَابه.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَوْ صَدَرَ مِثْل هَذَا الْكَلَام الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الْأَنْصَارِيّ الْيَوْم مِنْ إِنْسَان مِنْ نِسْبَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوًى كَانَ كُفْرًا، وَجَرَتْ عَلَى قَائِله أَحْكَام الْمُرْتَدِّينَ، فَيَجِبُ قَتْلُهُ بِشَرْطِهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام يَتَأَلَّفُ النَّاس، وَيَدْفَعُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي قَلْبه مَرَض، وَيَقُول: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَيَقُولُ: «لَا يَتَحَدَّث النَّاس أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابه» وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الْقَاضِي: وَحَكَى الدَّاوُدِيّ أَنَّ هَذَا الرَّجُل الَّذِي خَاصَمَ الزُّبَيْر كَانَ مُنَافِقًا، وَقَوْله فِي الْحَدِيث إِنَّهُ أَنْصَارِيّ لَا يُخَالِفُ هَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ قَبِيلَتهمْ، لَا مِنْ الْأَنْصَار الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا قَوْله فِي آخِرِ الْحَدِيث: فَقَالَ الزُّبَيْر: وَاَللَّه إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فيه: {فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ} الْآيَة فَهَكَذَا قَالَ طَائِفَةٌ فِي سَبَب نُزُولهَا، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ تَحَاكَمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَمَ عَلَى أَحَدهمَا، فَقَالَ: اِرْفَعْنِي إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب.
وَقِيلَ: فِي يَهُودِيّ وَمُنَافِق اِخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِق بِحُكْمِهِ وَطَلَبَ الْحُكْم عِنْد الْكَاهِن.
قَالَ اِبْن جَرِير: يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْجَمِيع وَاَللَّه أَعْلَم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفضائل ﴿ 35 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞