باب من باع نخلا عليها ثمر
باب من باع نخلا عليها ثمر
2851- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَط الْمُبْتَاع» قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: أَبَرْت النَّخْل أَبَرْته أَبْرًا بِالتَّخْفِيفِ كَأَكَلْته أَكْلًا، وَأَبَّرْته بِالتَّشْدِيدِ أُأَبِّره تَأْبِيرًا كَعَلَّمْته أُعَلِّمهُ تَعْلِيمًا، وَهُوَ أَنْ يَشُقّ طَلْع النَّخْلَة لِيَدُرْ فيه شَيْء مِنْ طَلْع ذَكَر النَّخْل، وَالْإِبَار هُوَ شِقّه سَوَاء حَطَّ فيه شَيْء أَوْ لَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْإِبَار لِلنَّخْلِ وَغَيْره مِنْ الثِّمَار وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازه.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْم بَيْع النَّخْل الْمَبِيعَة بَعْد التَّأْبِير وَقَبْله، هَلْ تَدْخُل فيها الثَّمَرَة عِنْد إِطْلَاق بَيْع النَّخْلَة مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِلثَّمَرَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَات؟ فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَالْأَكْثَرُونَ: إِنْ بَاعَ النَّخْلَة بَعْد التَّأْبِير فَثَمَرَتهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهَا الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُول: اِشْتَرَيْت النَّخْلَة بِثَمَرَتِهَا هَذِهِ.
وَإِنْ بَاعَهَا قَبْل التَّأْبِير فَثَمَرَتهَا لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَرَطَهَا الْبَائِع لِنَفْسِهِ جَازَ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز شَرْطهَا لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْل التَّأْبِير وَبَعْده عِنْد الْإِطْلَاق وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى: هِيَ لِلْمُشْتَرِي قَبْل التَّأْبِير وَبَعْده، فَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور فَأَخَذُوا فِي الْمُؤَبَّرَة بِمَنْطُوقِ الْحَدِيث وَفِي غَيْرهَا بِمَفْهُومِهِ وَهُوَ دَلِيل الْخِطَاب وَهُوَ حُجَّة عِنْدهمْ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة فَأَخَذَ بِمَنْطُوقِهِ فِي الْمُؤَبَّرَة وَهُوَ لَا يَقُول بِدَلِيلِ الْخِطَاب فَأَلْحَقَ غَيَّرَ الْمُؤَبَّرَة بِالْمُؤَبَّرَةِ، وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الظَّاهِر يُخَالِف الْمُسْتَتِر فِي بَيْع حُكْم التَّبَعِيَّة فِي الْبَيْع كَمَا أَنَّ الْجَنِين يَتْبَع الْأُمّ فِي الْبَيْع وَلَا يَتْبَعهَا الْوَلَد الْمُنْفَصِل.
وَأَمَّا اِبْن أَبِي لَيْلَى فَقَوْله بَاطِل، مَنَابِذ لِصَرِيحِ السُّنَّة، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2854- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ اِبْتَاعَ عَبْدًا فَمَاله لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُبْتَاع» هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحُكْم الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ رِوَايَة سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر، وَلَمْ تَقَع هَذِهِ الزِّيَادَة فِي حَدِيث نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَلَا يَضُرّ ذَلِكَ فَسَالِم ثِقَة بَلْ هُوَ أَجَلّ مِنْ نَافِع، فَزِيَادَته مَقْبُولَة وَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَى تَرْجِيح رِوَايَة نَافِع، وَهَذِهِ إِشَارَة مَرْدُودَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَالِك وَقَوْل الشَّافِعِيّ الْقَدِيم أَنَّ الْعَبْد إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّده مَالًا مَلَكَهُ، لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْد ذَلِكَ كَانَ مَاله لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُشْتَرِي، لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَأَبُو حَنِيفَة: لَا يَمْلِك الْعَبْد شَيْئًا أَصْلًا.
وَتَأَوَّلَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنْ يَكُون فِي يَد الْعَبْد شَيْء مِنْ مَال السَّيِّد، فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْمَال إِلَى الْعَبْد لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاع لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَال جَلَّ الدَّابَّة وَسَرَّجَ الْفَرَس وَإِلَّا فَإِذَا بَاعَ السَّيِّد الْعَبْد فَذَلِكَ الْمَال لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهُ الْمُبْتَاع فَيَصِحّ، لِأَنَّهُ يَكُون قَدْ بَاعَ شَيْئَيْنِ الْعَبْد وَالْمَال الَّذِي فِي يَده بِثَمَنٍ وَاحِد وَذَلِكَ جَائِز.
قَالَا: وَيَشْتَرِط الِاحْتِرَاز مِنْ الرِّبَا.
قَالَ الشَّافِعِيّ: فَإِنْ كَانَ الْمَال دَرَاهِم لَمْ يَجُزْ بَيْع الْعَبْد وَتِلْكَ الدَّرَاهِم بِدَرَاهِم، فَكَذَا إِنْ كَانَ دَنَانِير لَمْ يَجُزْ بَيْعهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ حِنْطَة لَمْ يَجُزْ بَيْعهَا بِحِنْطَةٍ، وَقَالَ مَالِك يَجُوز أَنْ يَشْتَرِط الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِم وَالثَّمَن دَرَاهِم، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الصُّوَر لِإِطْلَاقِ الْحَدِيث.
قَالَ: وَكَأَنَّهُ لَا حِصَّة لِلْمَالِ مِنْ الثَّمَن.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلْأَصَحِّ عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّهُ إِذَا بَاعَ الْعَبْد أَوْ الْجَارِيَة وَعَلَيْهِ ثِيَابه لَمْ تَدْخُل فِي الْبَيْع بَلْ تَكُون لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهَا الْمُبْتَاع، لِأَنَّهُ مَال فِي الْجُمْلَة.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: تَدْخُل.
وَقَالَ بَعْضهمْ: يَدْخُل سَاتِر الْعَوْرَة فَقَطْ.
وَالْأَصَحّ أَنَّهُ لَا يَدْخُل سَائِر الْعَوْرَة وَلَا غَيْره لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَلِأَنَّ اِسْم الْعَبْد لَا يَتَنَاوَل الثِّيَاب وَاَللَّه أَعْلَم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب البيوع ﴿ 16 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞