باب سن الاضحية
باب سن الاضحية
3631- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَنْ يَعْسُر عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَة مِنْ الضَّأْن» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا، وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض، وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِي الْجَذَع مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْمَعْز وَالضَّأْن، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاء.
قَالَ الْجُمْهُور: هَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالْأَفْضَل، وَتَقْدِيره يُسْتَحَبّ لَكُمْ أَلَّا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَة ضَأْن، وَلَيْسَ فيه تَصْرِيح بِمَنْعِ جَذَعَة الضَّأْن، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِره؛ لِأَنَّ الْجُمْهُور يُجَوِّزُونَ الْجَذَع مِنْ الضَّأْن مَعَ وُجُود غَيْره وَعَدَمه، وَابْن عُمَر وَالزُّهْرِيّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُود غَيْره وَعَدَمه، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيل الْحَدِيث عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِحْبَاب.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِي الضَّحِيَّة بِغَيْرِ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، إِلَّا مَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح أَنَّهُ قَالَ: تَجُوز التَّضْحِيَة بِبَقَرَةِ الْوَحْش عَنْ سَبْعَة، وَبِالظَّبْيِ عَنْ وَاحِد، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ فِي بَقَرَة الْوَحْش.
وَاللَّه أَعْلَم.
وَالْجَذَع مِنْ الضَّأْن: مَا لَهُ سَنَة تَامَّة، هَذَا هُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْد أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ.
وَقِيلَ: مَا لَهُ سِتَّة أَشْهُر، وَقِيلَ: سَبْعَة، وَقِيلَ: ثَمَانِيَة، وَقِيلَ: اِبْن عَشْرَة، حَكَاهُ الْقَاضِي، وَهُوَ غَرِيب، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ بَيْن شَابِّينَ فَسِتَّة أَشْهُر، وَإِنْ كَانَ مِنْ هَرِمَيْنِ فَثَمَانِيَة أَشْهُر، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: أَنَّ أَفْضَل الْأَنْوَاع الْبَدَنَة، ثُمَّ الْبَقَرَة، ثُمَّ الضَّأْن، ثُمَّ الْمَعْز.
وَقَالَ مَالِك: الْغَنَم أَفْضَل؛ لِأَنَّهَا أَطْيَب لَحْمًا.
حُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِي عَنْ سَبْعَة، وَكَذَا الْبَقَرَة، وَأَمَّا الشَّاة فَلَا تُجْزِي إِلَّا عَنْ وَاحِد بِالِاتِّفَاقِ.
فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيل الْبَدَنَة وَالْبَقَرَة.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب مَالِك فِيمَا بَعْد الْغَنَم، فَقِيلَ: الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة، وَقِيلَ: الْبَقَرَة أَفْضَل مِنْ الْإِبِل، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْدهمْ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب سَمِينهَا وَطَيِّبهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِينِهَا، فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور اِسْتِحْبَابه، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ كُنَّا نُسَمِّن الْأُضْحِيَّة، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك كَرَاهَة ذَلِكَ، لِئَلَّا يَتَشَبَّه بِالْيَهُودِ، وَهَذَا قَوْل بَاطِل.
✯✯✯✯✯✯
3632- قَوْله: «فَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هَذَا مِمَّا يَحْتَجّ بِهِ مَالِك فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي الذَّبْح إِلَّا بَعْد ذَبْح الْإِمَام، كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَة اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، وَالْجُمْهُور يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد زَجْرهمْ عَنْ التَّعْجِيل الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى فِعْلهَا قَبْل الْوَقْت، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَاقِي الْأَحَادِيث التَّقْيِيد بِالصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَنْ ضَحَّى بَعْدهَا أَجْزَأَهُ، وَمَنْ لَا فَلَا.
✯✯✯✯✯✯
3633- قَوْله فِي حَدِيث عُقْبَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمهَا عَلَى أَصْحَابه ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُود، فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ» قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْعَتُود) مِنْ أَوْلَاد الْمَعْز خَاصَّة، وَهُوَ مَا رَعَى وَقَوِيَ، قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره: هُوَ مَا بَلَغَ سَنَة، وَجَمْعه: (أَعْتِدَة وَعِدَّان) بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الدَّال، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَائِر أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَة لِعُقْبَة بْن عَامِر، كَمَا كَانَ مِثْلهَا رُخْصَة لِأَبِي بُرْدَة بْن نِيَار الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب السَّابِق، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَة اللَّيْث بْن سَعْد ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر، قَالَ: أَعْطَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا أَقْسِمهَا ضَحَايَا بَيْن أَصْحَابِي، فَبَقِيَ عَتُود مِنْهَا، فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا أَنْتَ، وَلَا رُخْصَة لِأَحَدٍ فيها بَعْدك، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَل أَيْضًا مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ زَيْد بْن خَالِد، قَالَ: قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابه غَنَمًا فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا، فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ، فَقُلْت: إِنَّهُ جَذَع مِنْ الْمَعْز أُضَحِّي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ضَحِّ بِهِ فَضَحَّيْت، هَذَا كَلَام الْبَيْهَقِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّد حَسَن، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ مِنْ الْمَعْز، وَلَكِنَّهُ مَعْلُوم مِنْ قَوْله: (عَتُود)، وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره مُتَعَيَّن.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ بَعْجَة) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة مَفْتُوحَة.
باب سن الاضحية
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الْأَضْحَى ﴿ 2 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞